تم نقل ربيع الأبلق، أحد نشطاء حراك الريف المعتقلين، في بداية هذا الأسبوع إلى المستشفى العمومي بالدار البيضاء بعد أن انهار من جراء إضرابه عن الطعام الذي تجاوز العشرين يوما. كما أن سليمة الزياني الملقبة بسيليا قد أعلنت منذ عدة أيام دخولها في إضراب عن الطعام والشرب. وسيليا هي أشهر نساء الحراك فهي مغنية ذات صوت قوي ألهبت به جماهير المحتجين بالحسيمة وخارجها. ورغم الدور المهم الذي لعبته النساء بحراك الريف فإن النظام المغربي تفادى اعتقالهن لمدد طويلة بسبب التعاطف القوي الذي يثيره مثل هذا الأمر بين المغاربة وخصوصا عند أهل الريف المحافظين. إلا أن سيليا وهي فنانة جريئة قد تجاوزت الخطوط الحمراء التي يسيج بها النظام حرية التعبير حيث غنت لمعجبيها أناشيد سياسية ثورية ابتدأتها أحيانا بجملة كان لها مفعول سحري بين أمواج المتظاهرين، وهاته الجملة هي التي أدت بها إلى السجن: «فخامة الشعب، جلالة الشعب»، كانت تقول سيليا فيردد معها الجمهور. هذه اللازمة البسيطة كانت تكاد، في لحظة واحدة، تحول الأمور من حراك يبدو اجتماعيا إلى حركة سياسية لا تعلم إلا السماء أين سقفها. جن جنون الأمن ولم يدر ماذا هو فاعله حتى يسكت هذا الصوت. بدأت بعض المواقع حملة تشهير عارمة بسيليا تبحث في حياتها الخاصة وفي موارد عيشها وهي الطالبة االمتواضعة الأسرة. لكن سليمة لم تستسلم. تابعت الفتاة ذات الثالثة والعشرين تجولها بين دروب المدينة ومقاهيها داعية الناس إلى الالتحاق بالمحتجين.
ولنرجع الآن إلى الإضراب عن الطعام كممارسة سياسية مغربية شائعة. كان من أشهر هاته المعارك الإضراب الطويل لمعتقلي منظمة «إلى الأمام» الثورية وهو الإضراب الذي أناف على الشهر والنصف وذلك في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. توفيت خلال هذا الإضراب الشاعرة والمناضلة الشابة سعيدة المنبهي والتي ستصبح أيقونة الحركة الطلابية المغربية ورمزا من رموز اليسار الجديد. هذا اليسار الذي حطم كل منظماته الملك الراحل الحسن الثاني، حطمه بالسجون والمنافي وبتشجيع رسمي للحركة الإسلامية الناشئة آنذاك. أما أطول اضراب جماعي عن الطعام عرفه المغرب وربما العالم ـ نعم العالم ـ فهو ذلك الذي خاضه خمسة طلبة يساريين للمطالبة بالاعتراف بوضعيتهم كمعتقلي رأي وبالحقوق المرتبطة بذلك. ابتدأ الاضراب سنة 1984 ولم ينته إلا سنة 1990. هذا الأمر يبدو مستحيلا طبعا. وفي الحقيقة فإنه ابتداء من الشهر الثالث من الإضراب تم حمل هؤلاء الشباب إلى المستشفى العمومي بالبيضاء حيث أصبحوا وهم في شبه غيبوبة دائمة يُطعمون بطريقة السيروم الاصطناعية ولكن ريثما يتحسن حالهم فإنهم يكسرون الجهاز الحاقن. وسيفعلون نفس الشيء لما أصبح الطبيب المشرف عليهم يطعمهم عبر أنبوب يمر بالحلق بطحين التفاح. ومن غرائب الأمور، كما حكى لي الأستاذ حسن أحرات وهو أحد المضربين- أن ممرضا كان ينتمي للطاقم المشرف عليهم كان يسرق أحيانا طحين التفاح ليذهب به لأطفاله تاركا المضربين يتضورون جوعا. ويحكي لي مضرب آخر وهو السيد الدريدي أن يديه ورجليه بلغا من الهزال حدا جعلها تنسل تلقائيا من القيود الحديدية التي كانت تثبت المضربين إلى أسرة هي كذلك حديدية. وهذا النحول غير العادي سيتيح له يوما، غفل فيه الحراس،التسلل من بين قضبان النافذة والهروب من المصحة ـ السجن. لكن الشرطة ستعتقله في حافلة على طريق الدار البيضاء ـ مراكش، مما أنقذ حياته بحيث كان قد انتفخ جسمه بشكل مرعب وصعب تنفسه إلى حد الاختناق وذلك بسبب تناوله وجبة طعام دسمة بعد هروبه من السجن.
توالت الاضرابات طيلة السبعينيات والثمانينيات وتلتها أخرى أقل طولا وبمضربين أقل عددا في العقود اللاحقة. وكان السبب الأول لهذا التغير هو اتجاه النظام نحو انفتاح مراقب يتعامل بفظاظة أقل مع منتقديه. ولكن هناك سببا آخر قد يبدو لأول وهلة غريب وهو أن أغلبية المعتقلين أصبحوا من الإسلاميين، متشددين ومعتدلين، أما العلمانيون فصاروا أقلية في سجون النظام. وكثير من إسلاميي المغرب يعتبرون أن الإضراب هلاك للنفس وأن ذلك محرم شرعا.
إذا كان الإضراب عن الطعام ظاهرة بارزة في تاريخ المغرب السياسي فلأنه يجلب تعاطفا كبيرا من لدن المجتمع، بما في ذلك داخل أوساط النظام نفسه وهكذا فقد سمح النظام لمجموعة من أقرب مقربيه أن يزوروا بعض مضربي «إلى الأمام» للتفاوض معهم حول شروط إنهاء الإضراب في السبعينيات. كما أن وفاة المناضل الطلابي عبد الحق شباضة في صيف 1989 بعد خمسة وستين يوما من الامتناع عن الأكل قد أثار زوبعة حقيقية ليس فقط بين صفوف كل أصناف المعارضين بالمملكة ولكن كذلك في الحي الذي تقطن به عائلته بمدينة الدار البيضاء، حيث تحولت جنازته إلى مظاهرة عارمة بمقاييس ذلك الوقت مما اضطر وزير الداخلية الرهيب إدريس البصري للتعبير عن أسفه لوفاة الشاب.
إن دخول معتقلي الريف في اضراب عن الطعام جماعي ومفتوح منذ 17 تموز/يوليو الجاري يضع النظام في موقف حرج.
٭ كاتب من المغرب
المعطي منجب
تحية تقدير للمناضل الوطني السيد معطي مجيب تحدثم في مقالكم عن المناضلة الراحلة سعيدة المنبهي
–
وهي بالمناسبة ابنة مدينة مراكش ولطالما سمعنا عنها ونحن صغار و لطالما رددنا اغنية المعتقل السياسي
–
المراكشي ” السعيد المغربي ” التي انشدها تخليدا لذكرى استشهادها وهذه الاغنية كانت متداولة بين طلبة
–
الامس وهي للشاعر عبد الله زريقة وهي بعنوان ” سعيدة امراة احبت الضوء ”
سعيدة – سعيدة..
أربعون يوما مرت على ضحكتها
بحثت عنها في الألوان
وجدتها لونا أحمر
عانق الشمس
عانق العينين…
سألت عنها الأمهات
قلن لي سعيدة وطن مسجون…
بربكم لا تسألوني عنها
هل هي امرأة
هل هي وطن
اسألوني سعيدة سجن ثار
سعيدة وطن ثار…
سعيدة مدرسة سجينة
سعيدة وطن مسجون
سعيدة طفل فقد أباه
في شوارع البيضاء…
يا وطن الجياع
ياوطن الفقراء و المعتقلين
يا وطن الصمود
موتك صمود
دمك صمود
أربعون يوما مرت على سعيدة
تتحدى الجوع تتحدى الردة
تتحدى الجوع تتحدى الجلاد
تتحدى تتحدى تتحدى
وطن القهر
وطن القمع
وطن الاستشهاد