رمضان في أوروبا: مناسبة لمد جسور التقارب مع المسلمين والتعريف بالسلوكيات الدينية والإجتماعية

حجم الخط
2

لندن – «القدس العربي»: لم تعد مظاهر الإحتفاء بشهر رمضان الكريم غريبة عن الدول الأوروبية بسبب تجذر الوجود العربي والمسلم وتزايد نسبة المهاجرين إليها في الأعوام القليلة الماضية. ففي المدن التي يكثر فيها التواجد المسلم، تبدو معالم هذا الشهر واضحة بإحتفال أحياء ومناطق بأكملها بشهر رمضان وبإزدحام الصائمين والمتسوقين قبل موعد الإفطار في الأسواق والشوارع والمطاعم العربية. لكن ثمة ما يجعل الصوم في بعض هذه الدول مختلفاً. فطول ساعات النهار صيفاً يجعل الصوم صعباً على الكثيرين خاصة أن مسلمي أوروبا هذا العام، يصومون أطول ساعات مقارنة مع باقي الدول، حيث تصل إلى 21 ساعة في السويد وبعض الدول الإسكندنافية، بينما يصوم المسلمون 9 ساعات فقط في الارجنتين وبعض الدول الأخرى، ويثير هذا التباين بين مسلمي العالم جدلا فقهيا يتجدد كل عام.

جدل فقهي حول فتوى

أثارت فتوى من دار الإفتاء المصرية تسمح لمن يصوم أكثر من 18 ساعة في رمضان بالإفطار بتوقيت مكة المكرمة، رفض العديد ممن يرون وجوب التقيد بالنص القرآني الحرفي والذي يقول إن الصيام والإفطار يكونان وفقاً للشروق والغروب.
ويعمل بعض المسلمين من المقيمين في بريطانيا والدول الغربية، بهذه الفتوى، التي تقضي بالصوم حسب ساعات الصيام في مكة المكرمة، بحيث يصوم المسلمون حسب وقت الفجر المحلي ويفطرون بعد خمس عشرة ساعة. ويقول محمد بهاء الدين (من مصر) أنه يعمل بهذه الفتوى لأنه وجد صعوبة في العمل مع صيام حوالي 19 ساعة في بريطانيا وأنها فتوى صادرة عن مرجع ديني موثوق، إلا أن وسام زيدان (من سوريا) لا يوافق محمد الرأي ويقول، أنه يفضل الصيام 19 ساعة طالما أن هذا يتناسب مع النص القرآني، ويضيف: ”على الرغم من أن هذه الفتوى أتت من دار الإفتاء المصرية إلا أنني ما زلت أجد صعوبة في الإفطار في وضح النهار وقبل موعد أذان المغرب. الفكرة لا تقنعني أبداً وإن كانت صادرة من علماء دين.”
وسبق أن أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، عام 2009، بجواز إفطار المسلمين في الغرب بتوقيت مكة المكرمة إذا زادت ساعات الصيام عن 18‏ ساعة‏. فيما خالف عدد من العلماء هذه الفتاوى، معتبرين أن الصيام محدد بطلوع الفجر شروقا كموعد لبدء الصيام، والمغرب غروبا كموعد للإفطار . وتشهد مناطق أقصى الشمال الأوروبي إجتهادات متفاوتة عندما يتصادف شهر رمضان في فترة إنعدام النهار أو ديمومته، فيصوم بعض من المسلمين وفق آخر مدينة يتميز فيها الليل عن النهار فيما يتبع فريق آخر بلاده الأصلية في عدد ساعات الصوم، ويتبع فريق ثالث مكة المكرمة.

بريطانيا: خمس ساعات فقط للإفطار والسحور وأداء صلاتي العشاء والتراويح

يصوم المسلمون في بريطانيا هذا العام نحو 19 ساعة يومياً خلال شهر رمضان وخلال السنتين المقبلتين ستصل ساعات الصيام إلى قرابة 22 ساعة، ما يجعل الفاصل بين الإفطار والصيام حوالي ساعتين فقط. ويوجد في بريطانيا أكثر من 2.5 مليون مسلم بحسب آخر الإحصاءات الرسمية التي تعود إلى عدة سنوات مضت، فيما يتوقع أن يكون عدد المسلمين قد ارتفع بصورة ملموسة خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن أن أعداد العرب أيضاً ارتفعت في بريطانيا بسبب هروب أعداد كبيرة من بلادهم ولجوئهم الى المملكة المتحدة. وكان الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء الشيخ حسين حلاوة قد قال إنه سيقوم بزيارة عاجلة الى السويد وبعض المناطق في أوروبا للإطلاع على مواقيت الصلاة والإستماع الى أسئلة بعض المسلمين تمهيداً لإصدار فتاوى عن المجلس بهذا الخصوص.
لكن الشيخ حلاوة أكد عدم جواز إفطار المسلمين في بريطانيا بسبب طول ساعات النهار، قائلا أن هناك أماكن يكون الصيام فيها أكثر صعوبة ربما بسبب حرارة الطقس أو لأي أسباب أخرى، ورغم ذلك لا يوجد من أفتى بجواز الإفطار.
كما أشار الى أن بعض المناطق في أوروبا يكون الصيام فيها أطول، مثلا في السويد والدول الاسكندنافية عما هو عليه في المملكة المتحدة حيث النهار في بريطانيا ليس الأطول اوروبيا صيفا.
وتنتهز الجهات الرسمية فرصة شهر رمضان لإطلاق مبادرات للتقريب بين المهاجرين المسلمين والمواطنين الأوروبيين، وتعمل بعض وسائل الإعلام على التعريف بالإسلام من خلال مواكبة شهر رمضان. فقد أفاد تقرير لوزارة الخارجية البريطانية إن مظاهر الإحتفاء بشهر رمضان فى بريطانيا العام الماضي كانت واضحة فى الجامعات ومراكز الرعاية الصحية، ووسائل الإعلام، حيث بثت القناة الرابعة البريطانية آذان الفجر طوال الشهر الكريم، فضلا عن عرض سلسلة من البرامج فى إطار التعريف برمضان.
من ناحية أخرى يقيم طلاب وخريجو كلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، منذ عدة اعوام، خيمة رمضانية تقدم وجبات الإفطار للمسلمين والمشردين وأبناء الأديان الأخرى بهدف تعريفهم على السلوكيات والعادات الدينية والإجتماعية لهذا الشهر الفضيل. وقال سمير عمرو ستي أحد مؤسسي هذا المشروع في حديث لـ «القدس العربي» أن فكرة خيمة رمضان هي مبادرة طلابية تهدف إلى توفير ساحة لإفطار الصائمين والمشردين ودمجهم في المجتمع بالإضافة إلى نقل الجو الرمضاني الذي يتمتع به المسلمون في بيوتهم إلى الساحة العامة لنشر صورة حقيقية عن الإسلام وروح الاخوة والمحبة بين الجميع. وأضاف: هناك تفاعل كبير من قبل غير المسلمين الذين يحضرون إلى الخيمة، حتى أن نسبة حضورهم تفوق أحياناً عدد المسلمين. فكثير من غير المسلمين الذين يأتون الى الخيمة يخبروننا بأن ما يحفزهم على الرجوع كل ليلة هو الجو العائلي الذي يسود المكان، كما أن بعض أعضاء لجنة خيمة رمضان هم من غير المسلمين.

فرنسا: رمضان ينعش عجلة الإقتصاد ويفتح مائدة مسجد باريس الكبير

لا يعتبر مجيء شهر رمضان الكريم حدثا عادياً في فرنسا. ذلك أن الإسلام هو الديانة الثانية في هذا البلد الذي يتجاوز عدد المسلمين فيه 6 ملايين مسلم. ويقضي 70 في المئة من المسلمين شهر رمضان في فرنسا بينما يفضل الباقون العودة لبلادهم، للشعور بروحانيات رمضان والتقرب من النشاطات والمظاهر التي تميز هذا الشهر. وتؤدي المساجد دورا مهمّا في تعزيز التواصل بين الرواد خلال الشهر الفضيل. وقد أظهرت دراسة فرنسية أن شهر رمضان يحمل للإقتصاد المحلي أكثر من 350 مليون يورو نتيجة زيادة حجم الإنفاق بين مسلمي هذا البلد خلال الشهر الكريم. ويعيش في فرنسا عدد كبير من المسلمين المهاجرين من أصول عربية، أغلبهم من تونس والمغرب والجزائر، ويعمل هؤلاء على إستحضار طقوس رمضان في موطنهم الأصلي، خصوصًا فيما يتعلَّق بأنواع الطعام والحلوى التي اعتادوا أنْ تزخر بها الموائد الرمضانية. ويعتبر شهر رمضان هو شهر التلاقي والتواصل بين المسلمين في فرنسا، حيث يقومون بالتضامن مع المحتاجين والوقوف إلى جانبهم، فتقام موائد الرحمن داخل مساجد فرنسا، وفي مقدمتها مائدة مسجد باريس الكبير؛ الذي يفتح أبوابه أمام الجميع قبل ساعات قليلة من موعد الأذان.

ألمانيا: مهرجان «رمضان» فرصة للحوار والتعارف خلال الإفطار الجماعي

يعيش في ألمانيا أكثر من أربعة ملايين مسلم ينحدرون من معظم الدول الإسلامية في العالم وفي مقدمتها تركيا. وتبلغ عدد ساعات الصيام في جنوب ألمانيا 20 ساعة هذا العام. وأبرز ما يميز شهر رمضان في ألمانيا هو مهرجان «رمضان» الذي يعتبر أكبر مهرجان للشهر المبارك في أوروبا. وتًنظم هذا العام الدورة الثالثة منه، ويشهد العديد من الفعاليات من قبل الإفطار وحتى ساعة السحور، ويتيح للمغتربين في اوروبا فرصة عيش تجربة شهر رمضان المبارك. وتُقدم الوجبات والخدمات الفريدة في إطار المهرجان المقام على مساحة تتسع لعشرة الآف شخص لتناول وجبة الإفطار. لكن بعض المسلمين المقيمين في ألمانيا يعيشون أجواء مختلفة، وهو ما يجعل الصيام يبدو أصعب أحياناً كما تقول جيهان وهي مواطنة لبنانية تقيم في برلين: «أكثر وقت أشعر فيه بالغربة هو في شهر رمضان. كل شيء مختلف هنا، مهما كنت محاطة بالأصدقاء والأقارب، فإن هناك دائماً حلقة مفقودة، روحانيات هذا الشهر معدومة في هذا البلد، روح الشارع الرمضاني والخيم الرمضانية التي كنت أقصدها في بيروت ليس لها أي أثر هنا. «

السويد: بلبلة بين المسلمين
حول ساعات الصوم

يدخل وقت صلاة الفجر في العاصمة السويدية ستوكهولم عند الساعة 01:50 صباحاً، أما وقت صلاة المغرب فيدخل بعد الساعة العاشرة مساء، أي أن ساعات الصيام تتجاوز 20 ساعة هناك.
وتلقى المسلمون إرشادات جديدة مع قدوم شهر رمضان عن بدء الصوم والإفطار خلال أيام الشهر الفضيل، مما إحدث بلبلة بين المسلمين المقيمين هناك الذين يرغبون في الإلتزام والمراعاة التامة لفريضة الصيام. وأصدر المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث إرشادات حث فيها المسلمين على الإلتزام بمواعيد غروب الشمس في استكهولم أو مالمو.
ويشكل المسلمون ما نسبته 4٪ من سُكان السويد، ويرى بعضهم أن الجو اللطيف في البلد يساعد على تحمُل الجوع والعطش لساعات طويلة، إلا أن بعض العمال الذين يعملون في مهن صعبة كالمخابز والمطاعم وسط درجات حرارة عالية يعانون من صعوبة الصوم.
ويطُل شهر رمضان على المناطق الواقعة في أقصى شمال السويد في وقتٍ لا تختفي فيه الشمسُ في الصيف، أو تختفي من السماء لدقائق معدودة لتعاود الظهور بسُرعة مرة أخرى ، في ظاهرة فلكية تُسمى بـ «شمس مُنتصف الليل».
ولا تعتمد السويد ساعات عمل خاصة خلال رمضان، لأن المسلمين أقلية.
ويعتبر الشهر في السويد من المناسبات الدينية المهمّة التي يجتمع فيها المسلمون لأداء الصلوات وإقامة حفلات الإفطار الجماعي وحلقات الدروس في المساجد.

بين التعاطف والتجاهل:
كيف يتعامل أرباب العمل والعمال
مع صيام زملائهم المسلمين؟

رغم طول ساعات الصيام في شهر رمضان هذا العام، يلتزم الكثير من العمال المسلمين بواجب الصيام طيلة فترة دوام عملهم، إلا أن البعض يواجه صعوبات وتحديات بسبب عدم دعم زملائهم غير المسلمين لهم وعدم قدرتهم على التركيز في جو مهني لا يتعاطف مع الصعوبات التي قد يواجهها المسلم في هذا الشهر. ويقول محمد جمعة (من مصر) أنه يواجه صعوبات كبيرة في هذا الشهر بسبب إستغراب زملائه ومديره من الواجبات الرمضانية التي يقوم بها، حتى أن البعض يصف ما يقوم به على أنه غير صحي وغير منطقي، الأمر الذي يشعر جمعة بعدم الإرتياح وبالإنعزال عن زملائه طيلة أيام هذا الشهر. من جهة أخرى، تقول هبة ياسين (من لبنان) أن زملاءها غير المسلمين يحرصون دائماً على عدم تناول الطعام أو الشراب أمامها تضامنا معها وأن رب العمل يقيم في نهاية شهر رمضان عشاء خاصا لجميع الموظفين المسلمين وغير المسلمين ليحتفل بختام شهر رمضان.

ريما شري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول طعس بن شظاظ الصميدي:

    الفتوى التي خالفت النص القرءاني فتوى لا يجب العمل بها بتاتا بدليل ما جاء في الآية ذاتها , و هذه الفتوى مردودة على من أفتى بها .

    للذين يشكون من طيلة فترة الصيام في هذه الأيام نسوا أنه في فصل الشتاء تكون ساعات الصيام قصيرة جدا جدا جدا , فلذلك هذه بتلك و تلك بهذه !!! :)

    و الجو في هذه البلاد لطيف و يساعد على الصيام ووو و كما جاء في المقال أعلاه !!! :)

    يمكن للمفتي أن يفتي في مسألة الصيام مجيزا حتى الإفطار في شهر رمضان في حالات محدودة جدا جدا جدا كالحروب مثلا و خاصة فيما يسمى بجهاد الدفع لصد الغزاة و المحتلين للبلاد الإسلامية و هذه لها شروطها و قواعدها و ضوابطها !!! :)

  2. يقول محمد أبو النصر - كولومبيا:

    حياكم الله يامن تحافظون على أركان الاسلام في أي مكان ويامن تعرضون حقيقته امام غير المسلمين بالصبر والعمل والتحمل في شهر رمضان

    اذا كان هناك فقهاء قد أفتوا بعدد ساعات الصيام فلا بد أنهم قد بنوا فتاواهم على دراسة شرعية فلماذا لا تطبق فتاواهم ؟

    ومن يتبع فتواهم فعمله مقبول

    وقد قال الحبيب المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام

    ان هذا الدين يسر. ولن يشاد هذا الدين احد الا غلبه

اشترك في قائمتنا البريدية