فلسطين: من النكبة إلى الثورة

حجم الخط
20

يتذكر الفلسطينيون اليوم، مرّة أخرى، ما يسمى بيوم تأسيس إسرائيل والذي سجّله التاريخ العربي باعتباره يوم «النكبة» الفلسطينية بحيث يتوازى اليومان المتناحران ليعبّرا عن المعضلة الهائلة التي خلقها إنشاء هذه الدولة.
كانت «المسألة اليهودية» قضية أوروبية بحتة عبّرت عنها ظاهرة اللاسامية التي أنتجت مجازر عديدة في روسيا وأوروبا واختتمت بـ«المحرقة» النازيّة، واقترحت الصهيونية حلّها بخلق «غيتو كبير» خارج أوروبا لليهود سمّي «دولة إسرائيل».
غير أن تصريف المسألة اليهودية، بالاتجاه الصهيوني، مشى على قدم أخرى استفادت من أحلام الحملات الصليبية التي احتلّت فلسطين ومناطق من بلاد الشام قبل قرابة ألف عام، ولكنّها ركبت عمليّاً، سكّة التمدّد الاستعماري والاستيطاني الأوروبي الحديث، وكان الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، بحسب إيلان هاليفي في كتابه «المسألة اليهودية»، أول من اقترح استخدام اليهود في مشروع استيطانيّ غربيّ في فلسطين.
هذه الفكرة التي التقطتها الحركة الصهيونية لاحقاً كانت، ولمدى طويل، اقتراحاً لأوروبيين غير يهود، والكثيرون منهم كانوا لا يحبّون اليهود، بمن فيهم صاحب وعد بلفور الشهير، ورئيس حكومته آنذاك، لويد جورج، وكانت الفكرة من إعطائهم ذاك الوعد هو الخوف من تحالفهم مع المحور الألماني ـ النمساوي خلال الحرب العالمية الأولى.
بعد الحرب العالمية الثانية والتطوّرات الديمقراطية التي طرأت في البلدان الأوروبية لم يعد هناك ما يقال حول «المسألة اليهودية» في الغرب، غير أن اسرائيل لا تزال تستخدم موضوع اللاساميّة فزّاعة لابتزاز الغرب والعالم، ولتبرير احتلالها وقمعها اليوميّ للفلسطينيين وحصارهم وتجريف أراضيهم وسرقة ثرواتهم وتدمير ثقافتهم وأسس وجودهم.
على مدى الثمانية وستين عاماً من عمر النكبة الفلسطينية، طُرح الكثير من حلول للمسألة الفلسطينية ونشرت الحركات والجبهات والأحزاب والفصائل الفلسطينية برامجها وكتبت مئات آلاف الكتب حول القضية الفلسطينية وسالت دماء مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب وزادت الكوارث والنكبات كما انفتحت آفاق كثيرة للدولة الفلسطينية المنشودة وتأسست سلطة في رام الله كما تأسست حكومة موازية لها في قطاع غزة تسيطر عليها حركة «حماس».
تعتبر إسرائيل من أقوى دول العالم تسليحاً ويعتبر جيشها من أقوى الجيوش ومخابراتها من أخطر أجهزة الأمن في العالم كما أن لديها ترسانة نووية ترعب بها دول المنطقة والمحيط القريب والبعيد، لكن الفلسطينيين ما زالوا يستخدمون كل اشكال النضال الدبلوماسي والسلمي والعسكري والإعلامي ضدها، من دون يأس ومن دون توقّف، ولكن مع إحساس مأساويّ، منذ 68 عاماً بمظلوميتهم الهائلة التي شارك العالم في صنعها، وما زال، متواطئاً فيها.
رغم التواطؤ الدوليّ الكبير، ورغم جبروت إسرائيل واختلال ميزان القوى الهائل لصالحها، فإن الاحتقان الهائل الذي لا تنفكّ تسبّبه، وتهاوي عصر الكولونياليات البيضاء، والمأزق الأخلاقيّ الكبير الذي تشكّله في العالم، كل ذلك يضع علامة استفهام هائلة حول المشروع الإسرائيلي ويجعل تطوّر حضارة العالم متوقفا على تفكيكه وإعادة تركيبه، إن لم يكن بسبب كل ما ذكرناه، فعلى الأقل بسبب طاحونة الدماء التي لا تني تدور منذ عشرات السنين، مما يجعل هذا النزاع أطول نزاع في التاريخ الحديث.
يبقى القول إن الأطروحات العالمية والعربية لا تقدّم، حتى الآن، غير حلول «جغرافية» للمسألة الفلسطينية، ولا تتطرّق إلى إشكاليّة وجود إسرائيل باعتبارها مشروعاً عنصرياً استيطانيا غربيّا. لقد انفصل مشروع «دولة إسرائيل» عن مسبّباته وذرائعه الأصلية: «المسألة اليهودية» وضرورة إنشاء «قلعة لحراسة المصالح الغربية في الشرق الأوسط». لقد صار المشروع آلة ذاتية الدفع لا تفعل غير المساهمة في تعطيل التطوّر الإنساني في المنطقة العربية إضافة إلى كونها عاراً فاضحاً للعالم.
أما الحلّ الفلسطيني فلا يكفّ الفلسطينيون عن ابتكاره وهو المقاومة بكافة أشكالها، غير أن هذه المقاومة لا يمكن أن تغيّر حقّاً في المعادلات الكبرى الحاكمة من دون انتظامها ضمن مشروع عربيّ وعالمي عامّ، وهو المشروع الذي اقترحته الثورات العربيّة.
من النكبة إلى الثورة: هذا هو مشروع فلسطين.

فلسطين: من النكبة إلى الثورة

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    إسرائيل تقبع كالإسفين بين الصفة وغزة ولن تعود أو تتحرر أو تبقى فلسطين لا سمح الله طالما أننا ننزلق ونتدحرج إلى أسفل السلم الحضاري بسبب هذا الصراع الإيديولوجي العقيم بين الإسلامي والقومي. التصالح مع الذات هو الأساس وطبعا من الضروري التخلص من العقبات. الشعوب قامت بدورها وتدفع ثمنا غاليا لكن للأسف غالبية النخبة تمشي خلف “ربيبها” أو ” زعيمها” من هذا الجانب أو من ذاك.

  2. يقول م . حسن .:

    معضلة العرب منذ إحتلال فلسطين , مواجهة رأس الكلب أم ذيلة . لقد عاش اليهود في الدول العربية وأوروبا بسلام حتي قيام المشروع العقارى الصهيوني الإستيطاني العنصرى البغيض . السلاح الإقتصادى والإعلامي في متناول اليد , وكلاهما من أمضي الأسلحة للتصدى للمشروع الصهيوني الذى يتمسح باليهودية والسامية , لأن الأفعال الإسرائيلية اللاإنسانية تؤكد كل يوم , عدم وجود علاقة لها بالسامية من قريب أو بعيد . لذلك لا بد من التمييز بين الصهيونية وإسرائيل واليهود .

  3. يقول محمد قطيفان/شرق المتوسط:

    فلسطين ستعود قريباً ؛ 2022 موعدنا ..
    روح الجهاد تدبُّ في جسد الأمة من جديد ..
    وبين ليلة وضحاها ، يتغير الكثير ..
    كونوا على ثقة بالله ، ولنا في حماس والقسام قدوة تُحتذى.

  4. يقول حي يقظان:

    ناسف لعدم النشر بسبب طول التعليق

  5. يقول حي يقظان:

    (1)
    حقيقةَ، إن أخطر ما أفرزته الحركة الصهيونية على مدى أكثر من قرن هو اللوبيات الصهيونية. واللوبي الصهيوني، في بريطانيا (كما في أمريكا)، عبارة عن عصابة مافيا خفية نسبيًّا تُسمى بـ«جماعة الضغط» Pressure Group. وتستقطب هذه العصابة الكبارَ من أثرياء اليهود المقيمين بغية الاستحواذ على الدعم المادي في المقام الأول. وبطبيعة الحال، يترتب على هذا الدعم المادي دعمٌ سياسي واجتماعي وإعلامي، إلى آخره، وذلك من خلال تخطيط «سريٍّ» في منتهى الدقة يتزامن مع بعض الارتكاسات السياسية التي يُمنى بها النظام السياسي القائم في بريطانيا، من جهة، ويتزامن مع تنفيذ الأهداف المرسومة عن طريق استغلال تلك الارتكاسات، من جهة أخرى. وتتمحور هذه الأهداف حول ثلاث أجندات رئيسية:
    أولاً، التأثير على سياسة النظام القائم، وعلى توجيهها لدعم الكيان الصهيوني الغاشم وخدمة أهدافه التوسعية.
    ثانيًا، توطيد العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية بين أوروبا وهذا الكيان الصهيوني الغاشم.
    ثالثًا، إعاقةِ أو إفساخِ أيٍّ من علاقات التقارب بين أوروبا وأيِّ بلد من بلدان الوطن العربي.
    صحيح أن اللوبي الصهيوني يطمح في تحركاته، عادةً، إلى العمل المباشر تحت الأضواء من أجل الوصول إلى أهدافه المرسومة تلك. غير أنه غالبًا ما يفضل العمل من وراء الكواليس، موكلاً العمل المباشر إلى أعضاء «ثقاة» بغية الظهور على السطح، حتى لا يُشعرَ الرأيَ العام بإنجازاته وحصوله على المكاسب وفق الظروف المحيطة. لكن، للضرورة أحكامها، ولا ريب، كما هي الحال في ضرورات أية عصابة مافْيَوية على وجه الأرض، خصوصًا حين يقتضي الأمر توزيع أدوار العمل على أوكار اللوبي الصهيوني التي تعتمد على توفر رأس المال، قبل كل شيء.
    [يتبع]

  6. يقول حي يقظان:

    (2)
    وعلى الرغم من أن نابليون بونابرت هو أول من دعا إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين، إلا أن صدور وعد بلفور المشؤوم كان، أولاً وآخرًا، نتيجةً للضغوط المتواصلة التي مارسها اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وبالأخص بعد الفشل الذي مُني به نظيرُه في ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى. وبالرجوع إلى المؤتمرات الأربعة الأولى التي عقدتها الحركة الصهيونية في الأعوام 1897-1900، نلاحظ أن المؤتمرات الثلاثة الأولى قد انعقدت في مدينة بازل، في حين أن المؤتمر الرابع والأهم قد انعقد في مدينة لندن بالذات.
    جدير بالذكر، إذن، أن الحركة الصهيونية لم يكن لها أن تقوم بتشكيل هذا اللوبي الصهيوني، بفروعه المتعددة في أوروبا، لولا الدعم المادي والمعنوي الذي تلقته هذه الحركة من الدول المعنية في أوروبا الغربية، كمثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى بعضٍ من دول أوروبا الشرقية. وكان المرامُ الأساسي، على الدوام، إنما هو إقامة «أحسن» العلاقات مع حكومة الكيان الصهيوني، وتغطية جرائم الحرب التي ارتكبتها، وما زالت ترتكبها، هذه الحكومة بحق الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال الامتناع عن توجيه أي لوم لها توجيهًا مباشرًا، على أقل تقدير.‏
    وهكذا، فإن اللوبي الصهيوني في بريطانيا يمارس منذ زمن مديد نفوذًا هائلاً بوصفه ثاني أقوى جماعةٍ من «جماعات الضغط» السياسي في العالم. إذ كان له دور كبير في السيطرة على رئيسَيْ الوزراء توني بلير وغوردون براون، وعلى البرلمان البريطاني، وعلى أقطاب وسائل الإعلام كذلك – جماعة الضغط الأقوى في العالم، بالطبع، هي التي يحرِّكُها، جهرًا وسرًّا، اللوبي الصهيوني في أمريكا.
    فما علينا، إذن، سوى الالتزام بهذا المشروع: من النكبة إلى الثورة.

  7. يقول سامح // الاردن:

    * عزيزي ( حي يقظان ) .. أوجز يرحمك الله.
    * قلة من القراء يتابع التعليقات ( الطويلة)
    والغالبية مع التعليقات القصيرة
    سلام

    1. يقول حي يقظان:

      شكرًا على هذه الملاحظة، أخي سامح.
      ولكن، لماذا لا تكون أنتَ أوَّلَ هذه القلة من القراء،
      وتحثُّ من تعرفهم على التعوُّد على قراءة النصوص الطويلة،
      ومن تعرفهم يحثُّون غيرَهم على التعوُّد على هذا النوع من القراءة،
      إلى أن تصبحَ هذه القلةُ من القراء، في الأخير، كثرةً بحق وحقيق؟!
      مع التحية

  8. يقول نبيل العربي:

    يجب أن يعلم الجميع أن صلاح الدين الايوبي قبل ان يحرر فلسطين من الصلبيين وحد الامارات والولايات العربية المتصارعة ثم قضى على كل الخونة والامراء الخونة الذين شكلوا حلفا مع الصلبيين وما أشبه اليوم بالبارحة. ففلسطين محتلة من الصهاينة اليهود بدعم امريكي وأوروبي مباشر وتخادل وتواطئ عربي غير مباشر ولن تتحرر فلسطين مادام بعض العرب أو أغلبهم يتعاونون مع الكيان الصهيوني سرا وعلنا ويتعاونون مع من يدعمون الكيان الصهيوني (الولايات المتحدة الامريكية) لقد فشلت كل الحروب العربية مع الكيان الصهيوني سابقا وكانت الهزائم تتكرر من حرب 1948 الى أخر حرب 1973 وهذا بسبب الخيانات العربية وللاسف على مستوى القمة أي حكامنا العرب كما أصبحت الخيانة لدى البعض وجهة نظر. نعم ستتحرر فلسطين يوما لاشك في ذلك بوحدة العرب والمسلمين وبسترجاع ارادتهم المسلوبة وزوال الخونة من المشهد العربي

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية