محمود عباس «الإرهابي»… لم تترك له أمريكا وقبلها إسرائيل من خيار آخر

حجم الخط
11

الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي كثيرا ما وُجهت إليه طوال السنوات الماضية، عن حق وعن باطل، سهام نقد قاسية يقف اليوم موقفا قويا صلبا لا بد من دعمه شعبيا ورسميا، فلسطينيا وعربيا ودوليا.
كل من وقف ضد هذا الرجل في مرحلة من المراحل، صادقا أو مزايدا أو مناكفا، لا عذر له اليوم أن يتركه وحيدا وهو يخوض غمار معركة لا تقل شراسة وطولا عن أي معركة أخرى يخوضها كل مناضل من أجل تحرير وطنه من الاحتلال. تركه وحيدا هذه المرة لا يقل تقصيرا ولا حتى «نذالة» عن خذلان الزعيم الراحل ياسر عرفات المحاصر في المقاطعة برام الله عام 2004.
كل من وقف ضد هذا الرجل منتقدا تقصيرا هنا أو هناك، أو حتى تراخيا مستفزا أحيانا، لا عذر له اليوم أبدا ألا يقف إلى جانب رجل قرر الدخول في مواجهة مفتوحة يعلم هو قبل غيره أنها قد تكلفه كثيرا فواشنطن لن تغفر له هذا الوضع الذي وضعها فيه رئيس توهمت أنه قادر على مجاراتها في أي شيء. تستوي هنا الحركات الفلسطينية المعارضة وكل المنظومة الرسمية العربية.
لم تترك السياسة الأمريكية الموغلة في وقاحتها لعباس سوى مواجهتها في ساحة لا أحد يمكن أن يلومه أن أجبر واشنطن على دخولها: ساحة القانون الدولي والعمل الدبلوماسي المتسلح بما استقرت عليه دول العالم منذ عقود لتنظيم شؤون علاقاتها. لم يدع إلى الكفاح المسلح أو استهداف المصالح الأمريكية ولا حتى دعا الدول العربية إلى قطع علاقاتها مع واشنطن، هو فقط قرر «جرّها» بالكامل إلى ساحة لا أحد يمكن أن يستنكف أو يدين المواجهة فيها، لأنها ساحة «المتحضرين» كما كان القوم يرددون في سياق استنكارهم لأي عنف يمارس أو يتم الترويج إليه.
إذا أردت أن تعرف ما فعلته إدارة الرئيس ترامب من حماقات بخصوص ملف التسوية في الشرق الأوسط وآخرها هذا الفيتو في مجلس الأمن في مواجهة بقية دول المجلس قاطبة بلا استثناء في عزلة واضحة لهذه الإدارة، إذا أردت أن تعرف ذلك فلتعد إلى تصريحات الرئيس محمود عباس نفسه، لقد أخرجوه عن طوره الذي عهدوه وهو الذي كان ينتقي أكثر الكلمات هدوءا في ردوده على المواقف الأمريكية. لقد جعلوا عباس يصف بــ«الجنون» القبول بدور أمريكي وسيط في عملية السلام.
لقد كانت كلمة الرئيس الفلسطيني التي أعقبت مباشرة توقيع ترامب على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس التي اعتبرها عاصمة إسرائيل مستفزة في رصانتها لكن عباس في كلمتيه في افتتاح واختتام القمة الإسلامية الاستثنائية في إسطنبول، وفي تصريحاته الأخيرة في رام الله، قرر أن يقلب الطاولة على الجميع ويبدأ في ترجمة كل ما تعهد به.
لم يعد عباس يلوح أو يهدد، بل شرع في التنفيذ فحتى قبل الفيتو الأمريكي الأخير جدد الرئيس الفلسطيني رفضه وساطة أمريكا في عملية السلام، وأعلن عن اتخاذ حزمة من الاجراءات ضد إعلان ترامب بشأن القدس، والانضمام إلى 22 منظمة دولية جديدة «وكل يوم اثنين سننضم إلى 22 و30 منظمة دولية.. فهناك 522 منظمة من حقنا الانتماء لها». كما أعلن عن التوجه للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة «مرة أخرى ومرات (..) فنحن دولة وسلطة ولدينا حدود ومن حقنا اعتراف العالم بنا في الوقت الذي ليس لإسرائيل حدود والقانون الدولي يحرم الاعتراف بها، لكنهم خدعوا الجمعية العامة بأنهم سيطبقون القرارات 181 و194 والى يومنا هذا لم يطبقوا هذه القرارات».
من يفعل كل ما سبق هو نفسه الذي كان يوصف بأنه الأكثر «اعتدالا ومرونة» بين كل القيادات الفلسطينية، بل إن قدومه بعد ياسر عرفات، الذي كان يتهم بالمزج بين الدبلوماسية والعمل المسلح، صوّره بعضهم بداية انفراج لخيار التسوية الذي عطله «الختيار». نجح عباس في هذه الأيام في «التكشير عن أنيابه» دون أن يكون ذلك صادما سوى لإسرائيل والولايات المتحدة، فهو لم يلجأ إلى أي إجراء خارج ما تسمح به الشرعية الدولية وبالتالي فهو يحاربهم بنفس السلاح الذي وُجه إلى صدور الفلسطينيين لسنوات.
قبل خمس سنوات اتهم أفيغدور ليبرمان وقد كان وقتها وزيرا للخارجية الإسرائيلي محمود عباس بممارسة «إرهاب دبلوماسي» ضد اسرائيل، معتبرا أنه بالخطورة نفسها التي تمثلها حركة «حماس» على الدولة العبرية. يومها قال ليبرمان الذي يتزعم حزب اسرائيل بيتنا اليميني القومي المتطرف إن «ابو مازن يقود حملة تحريض ضد اسرائيل على الساحة الدولية وينعت اسرائيل بدولة الفصل العنصري ويتهمنا بجرائم حرب ويدعو إلى تحقيقات مختلفة ضدنا في مجلس حقوق الانسان ويقوم بسلسلة من الخطوات احادية الجانب».
كان ذلك قبل خمس سنوات، فما بالك بما يحصل اليوم؟!! عمليا حولت واشنطن وإسرائيل اليوم موقـّــع اتفاق أوسلو عام 1993 إلى «إرهابي دبلوماسي» لأنها لم تشأ أن تتعامل معه لسنوات بندية واحترام.
ذوقوا اليوم ما جنيتموه أنتم على أنفسكم.

٭ كاتب وإعلامي تونسي

محمود عباس «الإرهابي»… لم تترك له أمريكا وقبلها إسرائيل من خيار آخر

محمد كريشان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    المشكلة هي لأي مدى سيستمر أبو مازن في موقفه هذا ؟
    نعم من الواجب دعم هذا الرجل الآن فالقدس أهم من الأشخاص
    ملاحظة :
    قال لي مناضل فلسطيني أنه ليس بمقدور أي مسؤول فلسطيني مهما علا مركزه التنازل عن القدس وإلا …..
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمود الطحان:

    اتمني بل ادعو الله عز وجل ان يستمر بموقفه هذا دون التراجع عنه من اجل المساهمات الماليه الامريكيه للسلطه وهنا يأتي دور اشقائنا العرب بمساعدة هذا الرجل لكي يشعر انه مدعوم ماديا ومعنويا والا سيترك وحيدا فريسة لترامب ونتنياهو ولن يغفر احد للعرب فعلتهم

  3. يقول mohammad:

    عزيزي الكريم
    القدس خط احمر حتى لأعتى المتخاذلين. هكذا كانت و ستظل. ما يهمنا من المواقف المعلنه هو الثبات اولا و ثانيا ترجمة الارهاب الدبلوماسي على اسرائيل بتفاعل وطني مع المكون الفلسطيني. ليس من الضروره ان ننسف كل الاتفاقيات و لكن من الدبلوماسيه المرنه ان لا نتعامل مع الاتفاقيات بالتقديس. ما لا يدع مجال للشك هو ان محمود عباس لم يتغير فلسطينيا ووطنيا الا بعد ان وضع في الزاويه و ياترى لماذا لا نرى نتيجة التحول هذا على الواقع الفلسطيني؟ أوليس هناك مآرب اخرى ؟

  4. يقول فؤاد مهاني المغرب:

    الشهيد ياسر عرفات الذي كان يوصف برجل السلام من طرف إسرائيل وأمريكا والحائز على جائزة نوبل للسلام مع إسحاق رابين وشمعون بيريز قد نال حضه ونصيبه من غدر اليهود وأمريكا بعد صموده وتصلبه في التنازل على الثوابث الفلسطينية المعروفة في مفاوضاته مع كلينتون وإهود باراك بالولايات المتحدة الأمريكية.إذ بعد عودته لرام الله حوصر حصارا شديدا حتى قتل وهو مسموم مفضلا الموت شهيدا كما كان يقول على أن يتنازل على مواقفه السياسية.الآن،يبدوا أن التاريخ قد يعيد نفسه.وأضن أن أبو العباس رئيس فلسطين معرض لمصير عرفات وسوف لا تنسى له الصهيونية موقفه هذا الذي اتسم بالصلابة اتجاه التصرف الأرعن لترامب الذي وقع بتحويل القدس لعاصمة إسرائيل.كل ما أرجوه أن يظل أبو مازن على موقفه ويتم توحيد البندقية الفلسطينية اتجاه الكيان الصهيوني وكشف مؤامرته في اغتيال رمز القضية الفلسطينية أبو عمار. ويجب على الكل دعم كل الفلسطينيين بغزة والضفة الغربية خاصة دول الطوق في حالة تعرض الفلسطينيين لأي مكروه بعد إطلاق رصاصة الرحمة على السلام المزعوم.صمدت غزة رغم الحصار الجهنمي فما بالنا إذا فك عليها الحصار وتم دعمها مع إخوتها بالضفة بالسلاح والمال.

  5. يقول حافظ / فلسطين:

    ابومازن رجل المرحله وهو القائد الوحيد الذي له باع طويل في مقارعة الاحتلال وهو الوحيد الذي تحمل الظلم الذي وقع عليه داخليا وخارجيا من ابناء جلدته وكل ذلك لعدم جر المنطقه لحرب مسلحه وهو يدرك ان الخاسر الوحيد في هاذه المعركه الفلسطيني فقط وانا ردا على تعليق سامح الاردن تقول على ابومازن ان يتنحى ويترك المجال لحماس والجهاد هاهم حماس والجهاد في غزه من الذي يقبل ايديهم لا بالعكس في الامس كتبت الصحف الاسرئيله ان حماس اعتقلت من اطلق القذائف على اسرائيل وانها قاعمت في تعذيبهم اشد التعذيب وهلذا ارسلته عبر الوسيط المصري وابغلت اسرائيل انها ليس لها علاقه في اطلاق القذائف وانها ملتزمه في عدم اطلاق النار

  6. يقول أبو سهيل:

    إكتشافكم المتأخر هذا لقدرة لسلطة دايتون بعد خمسة وعشرين عاما من حراسة للمستوطنات وتعاون ـمني وتنازل عن ثلثي أرض الضفة الغربية وتطالبون الآن الجميع بدعم هذه السلطة حين لم يبق شيئ للدعم. يمكنني تصديق هذا التضامن لو استمعت منكم في حواركم مع خالد مشعل عن سئواله حول مفاوضاته لمجرم الحرب توني بلير عن هدنة ال 15 سنة مع العدو الصهيوني ولكنكم تركتم السؤال لعدم اكتشاف الموضوع رغم انه كان يجري على بعد عشرات الامتار من مكان عملكم. كان الآفضل والأشرف ان نسمع أصواتا تطالب على الآقل بإتهاء السلطة وتقديم كشف حساب لإنجازاتها الرفيعة ( غير تحصيل الرواتب والتسول لتسديد نفقات هذه العصابة) . أتمنى ان لايكون إكتشافكم المقبل هو حكمة فصائل المقاومة المسلحة بعدم المقاومة والاكتفاء بالنوايا الثورية.

    1. يقول سامح //الأردن:

      *المشكلة ليس بعباس أو حماس
      المشكلة أن الزعماء العرب باعوا (فلسطين)
      والأمل الآن بالشعوب فقط.
      حسبنا الله ونعم الوكيل.
      سلام

  7. يقول لورنس:

    الطريق الصحيح والسليم هو الاستفتاء الشعبي

  8. يقول عليلي توفيق:

    ابو مازن فعل ما بوسعه من أجل إقناع العالم بإقامة الدولة الفلسطينية و لكن على ما يبدو كان كمن يصيح في واد سحيق المسكين و لكنه يبقى رئيس بمواصفات الرؤساء الكبار من وجهة نظري

  9. يقول محمد:

    استاذ محمد تحية عطرية ، امريكا متى كانت مع القضية الفلسطنية ولو نصف الانصاف ؟! اذا الصح القول ام الواقع التعيس لها فهي،دوما مؤيدة الكيان الصهيوني بل. داعمة له سياسيا و اقتصاديا وعسكريا ويعتبر في سياستها ولاية من ولاياتها ؟! فالاخ عباس ليس له اختيار اخر الا الحزم والخطاب القوي المفضي الى الصراحة وما يتماشى مع الموقف الشعبي وجسامة خطورة القرار الامريكي الذي اعلنها علانية وبلا خجل و لا خطورة التبعات الناجمة عنه؟! انها القوة الظالمة التى تنتهجها امريكا مع العرب ابزاز الاموال وضياع الحقوق المشروعة ،. فنحن مع سياسة الواضحة المعلنة التى تخدم القضية الحوهرية برمتها دون تجزء،ولو شبر من الارض العربية ،.

  10. يقول أديب شاهين/ اوكرانيا:

    من الصعب الحكم على خطوات محمود عباس إلا من نتائجها. فليفعل ما يستطيع ويريد من أجل القدس وفلسطين. وإن كان جادا في ما يقول ويفعل فإن موقفا جماهيريا مقاطعا للاميركان وعملائهم سيساعده ويدعمه. يستطيع كل إنسان حر في العالم يدعم الشعب الفلسطيني أن يعاقب الغطرسة الأميركية والإسرائيلية بالمقاطعة التي أثبت تاريخ الشعوب انها ناجعة وفاعلة اذا كانت منظمة. وبهذا لن لن نجلس وننتظر نتائج خطوات عباس والسلطة الفلسطينية بل نفعل شيئا مهما وناجعا. وان كان الرجل صادقا فسيستفيد من تلك المقاطعة بل وستكون نتائج خطواته أكثر تأثيرا…

اشترك في قائمتنا البريدية