نواكشوط – «القدس العربي»: بينما يوجد الرئيس الموريتاني اليوم في باريس مشاركا في طاولة تمويل لحكومة التشاد، يتابع الموريتانيون باهتمام كبير، تطورات قضية المعارض محمد ولد بوعماتو المثيرة التي يواصل القضاء الموريتاني التحقيق حول المتورطين فيها ضمن ملف بعنوان «جرائم الفساد الكبرى العابرة للحدود».
وضمن تفاعلات هذه القضية، استأنفت النيابة العامة قرار قاضي التحقيق المتعلق بوضع الفنانة الشهيرة المعلومة بنت الميداح تحت المراقبة القضائية بدل حبسها، حيث ستبت غرفة الاتهام قريبا في هذا الأمر ليتضح بعد ذلك ما إذا كان قرار قاضي التحقيق سيبقى نافذا أم سينفذ قرار النيابة القاضي بإحالة المعلومة للسجن.
واستمع قضاة قطب الجرائم الاقتصادية والمالية أمس لمجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ المنحل، بعد أن مثل أمامهم يوم الثلاثاء كل من الصحافي جدنا ولد اديده وشيخ مقاطعة كرو سيدي محمد ولد سيد إبراهيم، وشيخ مقاطعة بومديد محمد سيد أحمد ولد محمد الأمين، وشيخ مقاطعة تامشكط محمد ولد بكر، حيث أصدر قطب التحقيق قرارا بوضعهم جميعا تحت المراقبة القضائية.
وصادرت الأجهزة الأمنية ضمن هذه التطورات، جوازات سفر المجموعة التي سبق وضعها تحت الرقابة القضائية الجمعة الماضي وطلبت منهم عدم السفر خارج نواكشوط والحضور كل بداية أسبوع للتوقيع وهم الصحافي احمد ولد الشيخ المدير الناشر لصحيفة «القلم»، والصحافي موسى صمب سي من صحيفة «لكوتيديان دنواكشوط»، والصحافية رولا با من موقع «اكريديم» الإخباري، والشيخة المعلومة منت الميداح، والشيخ محمد المصطفى ولد محمد، والنقابي الساموري ولد بي، والنقابي النهاه عبد الله.
وكانت النيابة العامة قد أكدت في بيان نشرته حول هذه القضية «توصلها لمعلومات موثقة تتعلق بتشكيل منظم يهدف إلى زعزعة السلم العام»، مبرزة أنها «فتحت تحقيقات ابتدائية معمقة وشاملة، تتعلق بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود».
«وفي إطار تلك التحقيقات، تضيف النيابة، تم حتى الآن توقيف المشتبه به محمد ولد أحمد ولد غدة، طبقا لأحكام وترتيبات القوانين المعمول بها، وأتيح له اللقاء مع محاميه ضمانا لحقوق الدفاع».
وأضافت: «وكان المشتبه به نفسه قد تم توقيفه رفقة مشتبه به آخر بناء على شكوى تقدم بها ضابط في الجيش، تتعلق باختلاق وقائع وتصريحات كاذبة».
«والنيابة العامة، يضيف البيان، وهي تعلن للرأي العام فتح هذه التحقيقات الشاملة في جرائم خطيرة أخذت مسالك غير تقليدية، وغير مسبوقة في تاريخ البلد، تؤكد أن ظروف توقيف كل من تشملهم هذه التحقيقات ستكون كما كانت دائما خاضعة لمقتضيات الشرعية التي تكفلها مقتضيات القوانين وتراقبها السلطة القضائية، وستطلع النيابة العامة وفق ما تسمح به الاجراءات القانونية الرأي العام على المعطيات الأساسية التي ستتكشف عن هذه الوقائع وغيرها».
وفي افتتاحية تحت عنوان «هذه العدالة»، استغرب أحمد ولد الشيخ المدير الناشر لأسبوعية «لوكلام» أعرق الصحف الموريتانية الخاصة «أن يكون فعل «أعطى» مرادفا للرشوة».
وقال “بسبب معرفتهم لراعي الصحافة «الخطير» محمد ولد بوعماتو، تمت إحالة ثلاثة صحافيين ومديرة موقع على شبكة الإنترنت إلى القضاء، حيث تعرضوا لاستجوابات طويلة من قبل الشرطة المكلفة بالجرائم والجنح المالية حول الخط التحريري لمؤسساتهم الإعلامية والموضوعات المثارة وعلاقاتهم المفترضة مع ولد بوعماتو ومساعده محمد ولد الدباغ والمساعدات التي تلقوها منهما».
وأضاف» إنها مهزلة حقيقية تثبت، إن كانت هناك حاجة لذلك، أن القضاء يخضع أكثر من أي وقت مضى لأوامر سلطة تنفيذية مصممة على استخدامه لتصفية حساباتها الخاصة، وإلا فكيف يمكن تفسير إحالة هذا العدد الكبير من الناس إلى القضاء لمجرد أنهم استفادوا من كرم رجل؟ ولما لا توسع القائمة لتشمل الذين منحهم الرجل نفسه المليارات لتمويل حملاتهم» (إشارة للرئيس ولد العزيز).
وتابع ولد الشيخ افتتاحيته قائلا «بعد أن وجه أعضاء مجلس الشيوخ ضربة لولد عبد العزيز لن ينساها، وبعد أن انضاف لذلك استفتاء كارثي لرفضه من قبل الشعب ولقلة الحماس الذي أثاره، ففي هذه الظرفية المزعجة للغاية، بالنسبة للعظمة التي يراها لنفسه ويريدها عالمية وإلا فوطنية، فإن رئيس الدولة قد أسقط في يده تماما ولم يعد يعرف إلى أين يتجه».
وخلص ولد الشيخ الموضوع تحت الرقابة القضائية في الملف الحالي، إلى القول «لا تزال موريتانيا التصحيح تفاجئنا، فبعد الإيغال في تجفيف مصادر تمويل الصحافة المستقلة، من خلال منع جميع أجهزة الدولة من الاشتراكات فيها أو نشر الإعلانات عبرها، ها هو صاحب المشروع يقاضيها لأنها تلقت دعما من رجل لم يعد مقدسا إطلاقا لدى صاحب الجلالة؛ لكن بأي ثمن ومهما كانت التضحيات، سنتذكر غداة عيد الأضحى المبارك، الضحية التي ذبحها ولد عبد العزيز عمدا « إنها العدالة، بكل بساطة».