منهل باريش: خسرت فصائل المعارضة السورية نحو ثلاثين قرية ومزرعة ونقطة رباط في أقل من شهر في ريف إدلب الجنوبي، وتمكنت من استعادة السيطرة على قرية أبو دالي مسقط رأس عضو مجلس الشعب السابق أحمد الدرويش الموالي للنظام السوري والذي يتزعم أحد أبرز الميليشيات في المنطقة. وتقدم النظام ليسيطر على بلدة الخوين أكبر بلدات ريف إدلب الجنوبي.
وتوالى سقوط القرى كحجارة الدومينو بعد خسارة المعارضة لبلدة الخوين ليسيطر النظام في يومي الأربعاء والخميس على 15 قرية جديدة باتجاه بلدة سنجار شمالاً. وقد أكد نشطاء محليون أن قوات النظام تحركت على طريقي الخوين ـ سنجار وأبو دالي ـ سنجار دون أي مقاومة من فصائل المعارضة المتمركزة على تلك الجبهة.
التقدم البري السريع ترافق مع قصف جوي في عمق البلدات التي تقدمت إليها قوات النظام وعلى كامل أغلب قرى وبلدات محور سنجار ـ أبو الظهور وشرقهما، وارتكب الطيران الحربي مجزرة في بلدة تل الطوقان على الطريق الواصلة بين أبو الظهور ـ سراقب، أسفرت عن مقتل خمسة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال إثر ستة غارات جوية للطيران الروسي.
وصرح ممثل ومنسق المجالس المحلية في ريف حماة الشرقي ريان الأحمد لـ«القدس العربي» أن أعداد النازحين من ريف حماة الشرقي وريف إدلب الجنوبي «تجاوزت 150 مدنيا منذ بدء العمليات العسكرية للنظام». وأشار إلى أن موجات النزوح طالت كامل ريف إدلب الشرقي شرق سكة القطار، وأن الكثير من أهالي منطقة الرهجان وأبو الظهور وجوارهما نزحوا مع المدنيين النازحين إليهم من المناطق المدمرة شرق معرة النعمان وشرق سلمية». وعزا، في اتصال هاتفي، حالة النزوح من مناطق شرق سكة القطار إلى «خوف المدنيين من الحصار مع التقدم السريع لقوات النظام، فسيطرة النظام على سنجار ومن ثم أبو الظهور يعني عمليا حصارها في بادية الرهجان امتدادا إلى غرب خناصر»، حيث سيطبق النظام على شبه مستطيل بطول بين 50 و60 وعرض يصل إلى 30 كم.
عسكريا، فشلت غرفة العمليات المشتركة، التي شكلها 13 فصيلا من فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية، في صد تقدم قوات النظام وحلفائه في جيش الدفاع الوطني وعدد من الميليشيات الإيرانية. وعلمت «القدس العربي» أن الانهيار الحاصل كان في قاطع هيئة «تحرير الشام» التي استلمت القاطع الشمالي المحاذي لمحور أبو دالي – الخوين. فيما تسلمت فصائل الجيش وباقي الفصائل الإسلامية نقاط «تحرير الشام» على المحور الغربي إلى جانب جيش العزة وجيش إدلب الحر وجيش النصر. وقد أرسلت حركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام الإسلامية تعزيزات كبيرة إلى تل الجبهات، لكن يبدو أن التوتر بين الحركة وباقي الفصائل لم يسمح بتشكيل غرفة عمليات مركزية وإنما اقتصر على التنسيق وتوزيع القطاعات على بما يمنع أي احتكاك أو خلاف بين الفصائل الجريحة و«تحرير الشام» التي شنت حروب استئصال عليها بذرائع مختلفة. وتسلم «جيش العزة» قيادة غرفة العمليات كونه ابن المنطقة، وهو تقريبا الفصيل الوحيد الذي لم يدخل في حرب مع «تحرير الشام» بنسخها المختلفة منذ تشكيلها في عام 2012.
مع انشغال الفصائل في المعارك ضد النظام تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى قريتي رسم الحمام والحوايس بعد طرده مقاتلي «تحرير الشام» من القريتين. ومن المتوقع تقدم التنظيم بالتوازي على نفس المحور في محاولة توسيع سيطرته مع انشغال الفصائل في حربها مع النظام، علما أن الجيب الذي يتمركز فيه مقاتلو التنظيم لم يتعرض إلى أي قصف يذكر أو هجوم بري من قوات النظام التي تحاصره من الجهات الثلاث، وتتركه يتقدم في مناطق سيطرة المعارضة شمالا بعد أن عقدت معه اتفاقا سمح بنقل مقاتليه عبر طريق أثرية خناصر من البادية السورية ووادي العذيب شرق سلمية.
سير العمليات وتغير الخرائط في ريف حماة الشرقي يوضح أن تنظيم «الدولة» هو الحاجة الموضوعية لاستمرار عمليات النظام وحلفائه ويبقي الورقة التي ستحافظ عليها روسيا وترعاها وتنقلها إلى عمق محافظة إدلب، لتكون الذريعة الأساسية في أي حرب تشنها وحلفائها في إدلب مستقبلا، ما دامت الفصائل تحاول المناورة على عدم قبول «الحل السياسي» على طريقتها، والذي بدأت تعلو صيحات الاعتراض عليه من خلال رفضها حضور مؤتمر الحوار السوري الذي تعده موسكو بشراكة النظام وإيران.
سياسيا، يروج بعض المعارضين نظرية الخلاف في معسكر النظام بين الروس والإيرانيين، وأن إيران والنظام اعترضا في أستانة 6 على تقسيم النفوذ واعتبار منطقة شرق سكة قطار الحجاز منزوعة السلاح تحت الحماية الروسية، وتدار بواسطة مجالس محلية وعبر سيطرة أمنية وعسكرية روسية منزوعة السلاح الثقيل، وتبقي على السلاح الفردي الخفيف بيد أبناء القبائل الذين سينضوون تحت أمرة موسكو بشكل مباشر. وتتابع النظرية ذاتها أن تقدم النظام هو انقلاب على الإرادة الروسية بشأن توزيع مناطق النفوذ في أستانة 6.
بالطبع، لا تحتاج هذه الفرضيات إلى كثير من النقاش لنقضها، ويكفي على طارحيها أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى يشاهدوا أسراب الطيران الروسي تقصف منطقة «خفض التصعيد»، ويعرفوا أن شهادة الزور في أستانة لم تعد أصغر مصائب قادة الفصائل والمعارضة السياسية. بل زادت الحالة سوءا، حيث يذهب البعض إلى تبرير الجريمة من خلال التمييز بين قاتلين، واحد يقصف من السماء وآخر يقصف على الأرض.