14 شاعرا غيروا مسار الإبداع الشعري في تركيا

صدر للكاتب والشاعر والباحث المغربي محمد زيطان كتاب جديد تحت عنوان «14 شاعرا غيروا مسار الإبداع الشعري في تركيا» وهو أول كتاب من نوعه يسلط الضوء على الشعر التركي العثماني، مقدماً للقارئ المغربي والعربي فرصة للتعرف على أهم الوجوه الشعرية التركية، التي برزت بشكل كبير في المشهد الشعري التركي والعثماني.
يقع هذا الكتاب في 113 صفحة، وهو صادر عن دار زهدي للتوزيع والنشر في الأردن. وجدير بالذكر أن الباحث محمد زيطان، سبق له أن أصدر مجموعة من الكتب من أهمها: «أوجه التواصل بين المغرب وتركيا خلال الفترة المعاصرة» الصادر عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا سنة 2019، وكتاب «موسوعة عن الأدباء والشعراء الأتراك المعاصرون» الذي سيصدر قريبا، بالإضافة إلى إشرافه على مجموعة من الكتب والدراسات التي تهتم بالتصوف والتاريخ وأدب الرحلة.
ويعد هذا الكتاب ثمرة مجهود بحثي قام به الكاتب للتعريف بالشعر التركي في الفترة العثمانية والمعاصرة، من خلال ترجمته وتحليله لمجموعة من النصوص الشعرية التي لم تترجم بعد للعربية. وقد ركز محمد زيطان على مجموعة من الشعراء الأتراك كيونس أيمرة، محمد عاكف، ناظم حكمت، نجيب فاضل، رضى توفيق بولوك باش، نظمي زادة، محمد رفعت أيلجاز، أتاول بهرام أوغلو، عزيز لقمان قايسي، وغيرهم من الشعراء الذين شكلوا منعطفا حاسما في التاريخ الشعري التركي، بحيث أثرت أشعارهم بشكل كبير في الشعراء اللاحقين من خلال تجديد البنية الشعرية، وتعدد أساليب إبداعاتهم.
فقد كانت لقصائد شعراء الإمبراطورية العثمانية أو الأتراك بصمة خاصة، حملت كل خصائص التحديث الشعري الذي استمد أسسه من الكتابات الفلكلورية والشعبية. لم يتخل الأتراك عن الكتابات التقليدية، بل حاولوا تجديد القصيدة وجعلها تتماشى مع أساليب الشعر السائدة في كل فترة، لتعكس بذلك تمسك الشعراء الأتراك بثقافتهم وسعيهم المستمر إلى التجديد والتحديث وتطوير أساليب الكتابة. وليس غريبا أن يركز الكاتب على الشعر التركي، فقد دَرسَ في تركيا ويعرف الفراغ الذي تعرفه الدراسات المغربية في هذا المجال. لذلك، جاء نشر هذا الكتاب للتعريف بالشعر التركي لدى القارئ المغربي، محاولا الإحاطة والتطرق إلى أهم خصائص القصيدة التركية في الفترة العثمانية والمعاصرة.
على الرغم من كثرة التجارب الشعرية التركية، إلا أن المكتبات العربية ما تزال شبه فارغة، فأغلب المؤلفات الشعرية التركية لم تترجم بعد إلى اللغة العربية على غرار الرواية التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف القراء والمترجمين. كما أنه على الرغم من أن تاريخ الشعر التركي يعد تراثا ضخما، عرف تطورا كبيرا عبر عدة قرون، إلا هناك فراغا كبيرا على مستوى الترجمة والأبحاث، فأغلب الدراسات تسلط الضوء على التاريخ العثماني العريق، ولا تتوقف بالشكل الكافي للتعريف بالشعر التركي، الذي أفرز ملاحم شعرية عديدة. فالشاعر ناظم حكمتربما يشكل الاستثناء الوحيد في المشهد التركي، بحيث حظيت أعماله باهتمام المترجمين وترجمت معظم أعماله الشعرية إلى العربية، الشيء الذي لم يحدث مع غيره من الشعراء الأتراك في أجيال مختلفة.
من خلال هذه الكتاب، حاول الكاتب الإجابة عن سؤال جوهري في تاريخ الشعر العثماني، من خلال ترجمة ببيلوغرافيا لأهم شعراء الإمبراطورية العثمانية وبعض من أعمال شعراء أتراك، مؤكدا على أن الشعر التركي تبلور في ضوء الصراعات والتجاذبات التي عرفها خلال تاريخه بين شعر «الديوان» العثماني المتمسك ببحور العروض، والشعر «الشعبي» الذي يستخدم الأوزان الفلكلورية، وهذه الصراعات مثلتها ثلة من الشعراء المبرزين – سواء القدماء منهم أو المحدثين – الذين ذاعت أسماؤهم وكان لهم صيت داخل الساحة الأدبية الشعرية والفكرية في تركيا، ولا يزال تأثيرهم إلى الوقت الراهن.
فقد ركز الكاتب على مجموعة من العوامل الحديثة التي أفرزت هذا الصراع، والتي عملت على تكسير البنية الإيقاعية التي كانت سائدة في الإمبراطورية العثمانية (الديوان)، ونهجت وزنا شعريا جديدا، لم يكن معروفا من قبل؛ وذالك بقصد إتاحة الدفقة الشعورية وإعطاء الشاعر حرية أوسع للتعبير، دون الخضوع للنظام الصارم الذي كان سائدا من قبل؛ وهو ما عرف عند الأتراك بالفلكلور؛ وهو نوع من الموسيقى الشعبية والرقص، التي تعكس تقاليد ومعتقدات المجتمع التركي. ومن خلال هذا النوع الموسيقي تم استحدث هذا الوزن الشعري الجديد، فأصبح الشاعر التركي لا يعبأ بالنظام الشعري القديم.
ومن هذا المنطلق بذل الكاتب جهدا للتعريف بأهم الشعراء الذين كان لهم باع طويل وأياد بيضاء في الساحة الأدبية العثمانيــة وبعدها التركية، حتى تسنى له التمييز بين صنفين من المواضيع التي كانت تتناول وقتئذ؛ فمن جهة ما كان سائدا في الإمبراطورية العثمانية، وعلى الجهة الأخرى ما تم تناوله في الجمهورية التركية. مبينا كيف تم الانتقال من المواضيع التي كانت سائدة في الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت تتمحور حول القيم الروحية التي ينهجها الشعراء والخلفاء العثمانيون إلى مواضيع جديدة تتركز حول الاتجاه القومي والابتعاد عن أسلوب «الديوان» وما صاحب ذلك من تبني الأبجدية اللاتينية لتحل محل العربية في الكتابة الشعرية، بعد انهيار الإمبراطورية وصعود الجمهورية التركية؛ الأمر الذي أثر حتى في المجال الإبداعي، خصوصا الشعري فتغير مضمون القصيدة. مؤكدا أن التغيير الحقيقي في مسيرة الشعر التركيعلى مستوى الشكل والرؤى والأساليب، جاء لاحقًا نتيجة عدة عوامل، من بينها، تبني الأبجدية اللاتينية لتحل محل العربية، واستخدام الوزن المقطعي،والمثير للدهشة أن هذا التجديد لم يأت من كل الجماعات الشعرية الموجودة آنذاك، حيث قاد عملية التغيير شاعران يعد النقاد الأتراك كل واحد منهما مدرسة شعرية مستقلة: ناظم حكمت ونجيب فاضل.
وفي الأخير يؤكد أن الشعر التركي غني ومتعدد الاتجاهات، ومن الصعب الإلمام بجميع ملامحه في هذا الكتاب،لكن ما ينبغي الإشارة إليه، أنه إذا كانت القصيدة التركية قد استجابت إلى دعوات التجديد والابتكار في الأساليب والألفاظ وتقويض المعايير الجمالية الثابتة، هذا يعني أن التراث الشعري التركي ضخم. ومنه جاء التعريف بأهم الأقلام الأدبية للإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية.

كاتب وباحث مغربي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية