خلق الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب حالة خطيرة من الانقسامات والتوترات العرقية في المجتمع، وكانت الديمقراطية في محل اختبار حقيقي بسبب مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات.
واشنطن-“القدس العربي”: أسفر إعصار جالفستون في عام 1900 عن مقتل حوالي 8 آلاف شخص في الولايات المتحدة، وقُتل ما يزيد عن 3600 في معركة أنتيتام في الحرب الأهلية، وأدى هجوم بيرل هابر عن مقتل حوالي 2400 ووفقاً للتقرير النهائي للجنة 11 ايلول/سبتمبر فقد لقي ما يقارب من 3 آلاف مصرعهم في الهجمات على مركز التجارة الدولي والبنتاغون وحطام الطائرة في شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، ولا تتوفر إحصائيات يومية دقيقة عن وفيات وباء الإنفلونزا الإسبانية، إلا أن التقديرات تشير إلى وفاة ما يقارب 6300 يوميا في تشرين الأول/أكتوبر 1918 كما تشير التقديرات إلى وفاة 3 آلاف في زلزال سان فرانسيسكو عام 1906 ولكن كانون الأول/ديسمبر من عام 2020 لوحده شهد أكثر الأيام دموية في تاريخ الولايات المتحدة.
فقد وصلت الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن 17 مليوناً، وتوفي ما يزيد عن 311 ألف شخص، بدون إحصاء وفيات الأيام الأخيرة من العام، وكانت الأمور سيئة للغاية، إذ غرقت البلاد في أزمة صحية مميتة غير مسبوقة بسبب تفشي فيروس كورونا، وخلق الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب حالة خطيرة من الانقسامات الحزبية والتوترات العرقية في المجتمع الأمريكي، وكان من الواضح أن الديمقراطية كانت في محل اختبار حقيقي بسبب مزاعم ترامب بشأن تزوير الانتخابات، ولم تتوقف الكارثة عند هذا الحد، إذ وقع ما يقارب من 8 مليون أمريكي في براثن الفقر وتصاعدت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية.
مساءلة ترامب
وقد توقفت الحياة تماماً بالطريقة التي نعرفها منذ أن انتشرت جائحة كوفيد- 19 في أمريكا، إذ بقي الناس في منازلهم وتم إغلاق المدارس والشركات والأعمال في محاولة لإحتواء المرض، وبدت الأحداث وكأنها ذاكرة ضائعة طويلة وسط دورة إخبارية سريعة التغيير منذ الإعلان عن أول إصابة بالفيروس في 20 كانون الثاني/يناير بولاية واشنطن، وبدت أيام العام وكأنها نصف قرن من المعاناة، ولكن لم يكن هناك وقت للحصول على راحة من الإرهاق مع استمرار تفشي المرض.
وللمفارقة، حدد الشهر الأول من العام ما سيأتي، إذ بدأت محاكمة مساءلة ترامب ومحاولة إقالته، حيث واجه الرئيس الأمريكي محاكمة العزل في كانون الثاني/يناير بتهم من بينها أنه طلب من أوكرانيا التحقيق مع نائب الرئيس السابق جو بايدن وابنه هنتر، وقد تمت تبرئته في نهاية المطاف من قبل مجلس الشيوخ الجمهوري في5 شباط/فبراير، وأمر ترامب بعملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العراق مما زاد من حدة التوتر في الشرق الأوسط والعالم، وقُتل لاعب نادي “لوس انجلوس” الأسطوري مع ابنته جيانا وسبعة آخرين عندما تحطمت مروحيتهم في منطقة كالاباساس بولاية كاليفورنيا في 26 كانون الثاني/يناير.
وفي شباط/فبراير، أدانت المحكمة المنتج السينمائي، هارفي واينشتاين، بتهم الاغتصاب، ووقعت إدارة ترامب اتفاقية في قطر مع حركة طالبان الأفغانية، وفي اذار/مارس، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على أكبر حزمة مساعدات وإغاثة بسبب الجائحة، وهبط سوق الأسهم إلى مستويات قياسية. وفي نيسان/أبريل أعلن المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز عن وقف حملته للانتخابات الرئاسية ما مهد الطريق لبايدن للحصول على بطاقة الحزب الديمقراطي، وفي 27 ايار/مايو، عمت الاحتجاجات شوارع الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، وتحولت فيما بعد إلى عمليات عنف، وانتشر الحرس الوطني في ولاية مينيسوتا، وتجاوز عدد الإصابات بكورونا في حزيران/يونيو حاجز المليونين، وفي 11 اب/أغسطس، أختار بايدن السيناتورة كاملا هاريس لتكون نائبته في الإدارة المقبلة في حدث تاريخي، لتصبح أول امرأة ملونة تحتل منصب نائب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، وفي 7 تشرين الثاني/نوفمبر تم ترجيح فوز بايدن في الانتخابات الرئيسية بعد موسم انتخابي عصيب، وفي 14 كانون الأول/ديسمبر، صوت المجمع الانتخابي لصالح بايدن، وعلى الرغم من ذلك، واصل ترامب مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات، ورفض التنازل ولكن إدارته اضطرت في النهاية بعد ضغوط على التعامل مع فريق بايدن الانتقالي.
علامات مضيئة
ولم تكن السنة القاسية خالية من علامات مضيئة في أمريكا لها علاقة بالقضية الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أهم الأحداث السارة كان تراجع نجمة الكونغرس، النائبة التقدمية، إليكساندريا اوكاسيو كورتيز عن حضور حدث لتأبين رئيس الوزراء الأسبق لكيان الاحتلال الإسرائيلي إسحاق رابين في ايلول/سبتمبر الماضي في نيويورك، وجاء هذا التراجع بفضل ضغوط من قبل الفلسطينيين والمدافعين عن القضية الفلسطينية، وقد أشار العديد من المحللين إلى ما حدث باعتباره ضربة موجعة للصهيونية الليبرالية.
وكان خروج النائب عن نيويورك، إليوت إنجل، وهو أحد أكثر الديمقراطيين تشدداً في موالاة إسرائيل والدفاع عن مصالحها في مجلس النواب، خبراً يستحق الاحتفال، حيث أطاح بالمنافس التقدمي جمال بومان في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي هذا العام، وبذلك فقد كيان الاحتلال حليفاً قوياً واكتسب عدواً جديدا، إذ أن بومان من الدعاة لربط المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل بطريقة تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين.
ولم تكن السياسية الأمريكية كوري بوش تشعر بأي خوف وهي تدافع عن القضية الفلسطينية، أثناء حملتها الانتخابية في ولاية ميسوري، وقد دافعت في السابق عن حركة مقاطعة إسرائيل، في نهاية المطاف، أثمرت شجاعتها عن فوزها في الانتخابات ضد النائب الحالي ويليام لاسي، في إشارة واضحة إلى أن هناك تغييرات في السياسية الأمريكية، ولكنها بطيئة.
وشنت إدارة ترامب حرباً على حركة التضامن الفلسطيني في الولايات المتحدة، وتركزت المعارك في حرم الجامعات، ولكن الطلاب هزموا العديد من القرارات التي كانت تهدف إلى إدانة حركة المقاطعة أو احتضان التعريف المحرف لمعاداة السامية إلى إجراءات ضد الفلسطينيين أو لدعم الاحتلال الصهيوني العنصري، ومن أهم المعارك في هذه المحنة ، كانت معركة الطلاب في جامعات كولومبيا وبتلر وإلينوي.
وقد تعرضت النائبة التقدمية الشجاعة إلهان عمر إلى حملة شرسة طوال العام من ترامب، ووصل هجومه إلى حد التحريض على طردها من البلاد أو سجنها مع الكثير من التعليقات العنصرية القبيحة، وحاول اللوبي الإسرائيلي واليمين الجمهوري تمويل منافسيها بالملايين من الدولارات، ولكن إلهان حققت فوزاً سهلاً في انتخابات مجلس النواب، كما فازت الفلسطينية البرلمانية رشيدة طليب بسهولة في انتخابات الكونغرس على الرغم من حملة اللوبي الإسرائيلي.
وعلى المستوى الدولي، قامت إدارة ترامب بدفع بعض الدول العربية إلى عقد اتفاقيات تطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وقامت بحذف السودان من لائحة الإرهاب واعترفت بمغربية الصحراء الغربية ووافقت على بيع مقاتلات إف- 35 إلى الإمارات، وصعدت من سياسة “الحد الأقصى من العقوبات والضغوط” على إيران.
ولم يشارك ترامب في العديد من الأحداث وابتعد عن المؤتمرات الصحافية، ولكنه كان حريصاً على تغذية حسابه الشخصي على تويتر بتصريحات وتعليقات مثيرة، ولكن جو بايدن كان صاحب أكثر التغريدات اعجاباً على موقع التواصل الاجتماعي حينما قال: “أمريكا، أنا فخور باختياري لقيادة هذا البلد العظيم، ساكون رئيساً لجميع الأمريكيين” وكذلك نائبته هاريس حينما قالت: “لقد فعلناها” وكذلك الرئيس السابق باراك أوباما الذي غرد “لم يولد أي أحد وهو يكره أي شخص آخر بسبب لون جلده أو دينه أو خلفيته”.