بدأ الإيرانيون عامهم واختتموه بعمليتي اغتيال طالت رمزين كبيرين، كما عانت البلاد من تداعيات كورونا، والانهيار الاقتصادي الذي سببته حزم العقوبات التي أطلقتها إدارة ترامب.
حمل عام 2020 الكثير من المآسي للبشر في مختلف دول العالم، إلا إنه كان عصيبا بشكل مفرط في بعض الدول، وإيران من بين أكثر الدول التي عانت من تداعيات الأحداث الكبيرة التي مرت بها طوال العام. إذ ابتدأ الإيرانيون عامهم واختتموه بعمليتي اغتيال طالت رمزين كبيرين، كما عانت البلاد بشكل كبير جدا من تداعيات جائحة كورونا، والانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي سببته حزم العقوبات التي أطلقتها إدارة دونالد ترامب.
فمع مفتتح العام نفذت طائرة مسيرة يوم 3 كانون الثاني/يناير ضربة جوية اغتالت بها أحد أهم الشخصيات العسكرية الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني المسؤول عن فيلق القدس، والمسؤول الأول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني. العملية نفذت بالقرب من مطار بغداد الدولي، عندما كان سليماني في زيارة خاطفة لبغداد قادما من دمشق، وكان برفقة أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورجل إيران الأقوى في العراق. وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسؤوليتها عن توجيه الضربة العسكرية، بدعوى أن سليماني يمثل خطرا على الأمن القومي الأمريكي.
أما الشخصية الأخرى التي طالتها عملية اغتيال فهو الجنرال محسن فخري زاده، القيادي في الحرس الثوري، والرجل الأول في المشروع النووي الإيراني، وقد تم اغتياله في 27 تشرين الثاني/نوفمبر بالقرب من العاصمة طهران في عملية نوعية، وبالرغم من عدم إعلان جهة ما عن مسؤوليتها عن تنفيذ عملية الاغتيال، إلا ان طبيعة العملية والشخص المستهدف يشيران إلى ضلوع الموساد الإسرائيلي في التخطيط لها وتنفيذها بالتعاون مع قوى معارضة للنظام الإيراني، إذ أشارت جهات رسمية إيرانية إلى اتهام منظمة مجاهدي خلق المعارضة بالتعاون مع الموساد في تنفيذ الاغتيال.
انفجارات وتظاهرات وجائحة
كانت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني موجعة لإيران التي أعلنت أنها سترد بعملية انتقامية في المكان الذي تمت فيه عملية الاغتيال. وتم ذلك عبر شن إيران ضربة صاروخية استهدفت قاعدة حرير في أربيل وقاعدة عين الأسد في الأنبار في العراق التي يعتقد أن الطائرة المسيرة انطلقت منها وقصفت سيارة سليماني.
تم تنفيذ الضربة الصاروخية يوم 7 كانون الثاني/يناير، وأفادت خلية الإعلام الأمني العراقية الرسمية، أن البلاد شهدت سقوط 22 صاروخا بعد منتصف الليل، 17 على قاعدة عين الأسد الجوية، ومنها صاروخان لم ينفجرا في منطقة حيطان غرب مدينة هيت. وأضاف البيان أن خمسة صواريخ أخرى سقطت في مدينة أربيل، استهدفت جميعها مقرات للتحالف.
لكن هذه الضربة جرت مأساة أخرى على الإيرانيين، إذ ضرب صاروخ إيراني طائرة مدنية أوكرانية، ونفت إيران إسقاطها الطائرة في الأيام الثلاثة التي تلت الحادث، وقالت إن خللا فنيا قد يكون وراء الحادث، ولكن مع تكاثر الأدلة، صرح ناطق باسم الحرس الثوري إن “صاروخا انطلق عن طريق الخطأ وأصاب الطائرة”. وكانت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في حالة تأهب قصوى عقب إطلاق صواريخ على القواعد الأمريكية في العراق.
وعلى خلفية حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية تحول تجمع طلابي في طهران لتكريم ضحايا الطائرة الأوكرانية إلى تظاهرة غاضبة، بعد أن تجمع مئات الطلاب في جامعة أمير كبير في وسط طهران لتكريم (176) ضحية قتلوا في الحادث. وتحول التجمع التكريمي لاحقا إلى تظاهرة غاضبة، وهتف الطلاب شعارات تندد بـ”الكاذبين” مطالبين باستقالة المسؤولين عن إسقاط الطائرة ومحاكمتهم.
كما شهدت المنشآت الحيوية في إيران كمحطات الكهرباء والمنشآت النفطية والمراكز النووية سلسلة انفجارات منذ نهاية حزيران/يونيو، الأسباب والمنفذون بقيت مجهولة وتحكمها التكهنات. أخطر الانفجارات كانت في موقع نطنز النووي الذي يتم فيه تخصيب اليورانيوم، وقد صرحت هيئة الأمن القومي في إيران إنه تم تحديد سبب الانفجار لكن لا يمكن الإفصاح عنه لأسباب أمنية، وصرح مسؤولون إيرانيون أن الشكوك بشأن انفجار نطنز تحوم حول إسرائيل.
جائحة كورونا التي ضربت العالم كانت لها تأثيرات متباينة بين الدول، ويعتقد أن الأمر مرتبط بالسياسات الصحية الوقائية، ومدى استعداد المؤسسات الطبية في كل بلد لمواجهة الوباء، وشيوع الثقافة الصحية بين أفراد كل مجتمع. وكانت إيران من بين الدول التي تحولت مبكرا إلى إحدى بؤر الوباء بعد الصين البلد الذي انطلق منها فيروس كوفيد-19 ويعتقد أن العلاقات الاقتصادية وعدد الرحلات الجوية الكثيرة بين إيران والصين، كانت السبب في انتقال الوباء مبكرا إلى إيران، وتشير احصاءات المنضمات الدولية لنتائج الوباء في إيران لأصابة أكثر من مليون شخص، بينما تجاوزت حصيلة الوفيات 50 ألف وفاة.
وقد أصابت جائحة كورونا الاقتصاد الإيراني بضربات موجعة، إذ تمثلت استراتيجيتها الجيو-اقتصادية بتوسيع العلاقات الاقتصادية مع جوارها الإقليمي المباشر (العراق وتركيا بشكل خاص) والصين ودول القوقاز، وآسيا الوسطى، بشكل عام، وقد تعاملت مع الأمر كأولوية في مرحلة العقوبات الاقتصادية، لكن ونتيجة تفشي الوباء، أعيقت هذه الاستراتيجية مع إغلاق الحدود مع الدول المجاورة لها، مما عجل بالانهيار الاقتصادي في إيران.
العقوبات الأمريكية وفوز بايدن
مثلت حزم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب على إيران السبب الرئيسي وراء انهيار الاقتصاد الإيراني الذي وصل مديات غير مسبوقة، فقد استهدفت العقوبات أسس الاقتصاد المتمثلة بالنفط والبتروكيميائيات والبنك المركزي الإيراني، وانعكس الانهيار الاقتصادي في البلاد بشكل ملموس في تدهور العملة والارتفاع المستمر في أسعار البضائع، إذ ارتفع سعر الدولار الأمريكي مقابل الريال الإيراني من 115 ألفا إلى 275 ألفا.
کما وصلت مبيعات النفط الإيراني إلى أدنى مستوياتها، إذ صرح محمد باقر نوبخت نائب رئيس الجمهورية بأنه “لا يمكننا بيع النفط ولو قطرة واحدة”. وأثرت العقوبات على الاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط، في الوقت الذي تواجه فيه إيران نقصا كبيرا في الميزانية.
وحتى الأيام الأخيرة من وجود ترامب في البيت الأبيض، بقيت إدارته تتمسك بسياستها العدائية تجاه طهران، عبر تنسيق جهود تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي للدفع باتجاه خلق شراكة أمنية تقف بوجه التمدد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وفي جولته الأخيرة في المنطقة، ركز مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي على تنسيق جهود المعسكر المعادي لإيران، وأعلن إطلاق حزمة العقوبات الأخيرة التي طالت مؤسسات وأفرادا في إيران.
لكن نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة مثلت متنفسا حقيقيا لطهران التي باتت تنتظر بفارغ الصبر دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير المقبل، إذ وعد مستشار بايدن للأمن القومي جايك سوليفان برجوع الولايات المتحدة للاتفاق النووي، مما يعني انفراج العلاقات بين الطرفين، وتخفيف وطأة العقوبات على إيران، يقود لانفراج اقتصادي وسياسي مع مطلع العام الجديد. لكن تبقى بعض التكهنات المتشائمة تشير إلى احتمالية اتخاذ دونالد ترامب خطوة متهورة قبيل خروجه من البيت الأبيض قد تؤدي إلى تعقيد المشهد بشكل غير متوقع.