إذا كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في تشرين الثاني تستقطب الاهتمام الأكبر، لكنها ليست الوحيدة، فهناك انتخابات برلمانية أو رئاسية أو بلدية في 76 دولة عبر العالم، يقطنها ما مجموعه نحو أربعة مليارات من البشر، أي نصف عدد سكان العالم. لكن هذه الفورة في عدد الانتخابات وأعداد الناخبين لا تشير أبداً إلى أن الديمقراطية بخير أو لها مستقبل واعد، على رغم هيمنة مفهومها فكرياً باعتبارها أقل الأنظمة السياسية سوءًا بالقياس إلى غيرها. عدا أن رسوب أعرق الديمقراطيات وأكثرها رسوخاً في امتحان غزة، بمواقفها المشينة المنحازة إلى حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل وتبريرها لجرائم الحرب الموصوفة التي ترتكبها قواتها العسكرية، قد تسبب بأضرار جسيمة لفكرة الديمقراطية وقيمتها ونفوذها لدى شعوب العالم.
والحال أن أكبر المخاوف بشأن مستقبل النظام الديمقراطي إنما هي تلك المحيطة بالرئاسيات الأمريكية التي تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم دونالد ترامب على منافسه جو بايدن، في حال استمر كلاهما في السباق الانتخابي حتى الصيف القادم وفازا بتمثيل حزبيهما. ويبدو أنه لا سبيل لإيقاف زحف ترامب إلى السلطة إلا ما قد تقرره المحاكم، وبالذات المحكمة العليا، بشأن حقه في الترشح من عدمه. أما إذا انسحب بايدن من السباق وترك تمثيل الحزب الديمقراطي لمرشح آخر، فحينذاك تختلف الحسابات باختلاف المرشح البديل.
وفي حال أعيد انتخاب ترامب لولاية ثانية بعد خروجه من السلطة بأربع سنوات، سيشهد العالم تطورات كبيرة متعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية، إضافة إلى تخريبه الداخلي المتوقع، لعل أبرزها وعده بقطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يقلب موازين الحرب هناك لصالح روسيا.
وثمة «انتخابات» رئاسية في روسيا أيضاً في شهر آذار/مارس من العام الحالي، وهي محسومة سلفاً لمصلحة استمرار فلاديمير بوتين في منصبه على غرار الأنظمة الدكتاتورية الشبيهة كحال مصر و«سوريا الأسد» وعدد كبير من بلدان الجنوب التي تجرى فيها انتخابات دورية بلا طائل وتكلف أموالاً من جيوب دافعي الضرائب والثروات الوطنية. فعلى رغم توريطه لروسيا في حرب بلا أفق ضد أوكرانيا المجاورة، وقد كلفت آلاف القتلى من الجانبين وموارد هائلة، وعلى رغم فشله في تحقيق أهدافه السياسية من تلك الحرب، ما زال بوتين يتمتع بشعبية كبيرة بالنظر إلى قوة المشاعر القومية لدى عامة الروس. هذا بصرف النظر عن عوامل أخرى تجعل إعادة انتخابه بديهياً كجو الإرهاب الذي فرضه بوتين على المجتمع من خلال قمع المعارضين وتسميمهم وحظر النقاش حول الحرب والإلغاء العملي لحرية التعبير وتحالفه مع مراكز القوة الأمنية والاقتصادية.
في إسرائيل ثمة انتخابات قادمة ستحدد مصير الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو. ويعزو كثير من المحللين تشدد نتنياهو في حربه الإجرامية على غزة إلى سعيه لكسب شعبية تنقذه من الهزيمة في الانتخابات
وفي الهند ذات المليار ونصف المليار نسمة (أكبر ديمقراطية في العالم) انتخابات برلمانية ستحدد مصير هذا البلد ونظامه الديمقراطي لأربع سنوات مقبلة من حيث المبدأ. ويتنافس فيها حزب رئيس الوزراء اليميني مودي والتحالف المعارض الذي أقامه زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي. فهل تخرج الهند من كابوس مودي بسياساته العنصرية تجاه السكان المسلمين وغيرهم من الشعوب غير الهندوسية، أم يستمر في قيادته لهذا البلد الكبير؟ هذا ما ستجيب عنه صناديق الاقتراع في شهر نيسان القادم.
وفي الباكستان المجاورة انتخابات برلمانية أيضاً لا يعرف من سيفوز بها ويشكل الحكومة الجديدة في الوقت الذي قد يحرم فيه رئيس الوزراء السابق عمران خان من خوضها بسبب الحكم القضائي الذي صدر بحقه في دعاوى فساد وأطاح برئاسته السابقة للحكومة. بل لا يعرف ما إذا كانت هذه الانتخابات ستجرى في موعدها (شهر شباط) أم لا.
وفي الخريف سيذهب الناخبون البريطانيون إلى صناديق الاقتراع حيث يجري التنافس التقليدي بين حزب المحافظين (الحاكم حالياَ) وحزب العمال المعارض، وترجح استطلاعات الرأي فوز الأخير، وهو ما يعني، في حال تحققه، تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية.
كذلك ثمة انتخابات للبرلمان الأوروبي في الصيف القادم يشارك فيها الناخبون في 27 بلداً هم أعضاء الاتحاد الأوروبي، حيث تتنافس التيارات اليمينية واليسارية، ويطغى عليها موضوع الهجرة واللجوء والحرب في أوكرانيا. ولا بد لصعود التيارات اليمينية في أكثر من بلد أن تؤثر على نتائج هذه الانتخابات.
وفي إسرائيل أيضاً ثمة انتخابات قادمة ستحدد مصير الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو. ويعزو كثير من المحللين تشدد نتنياهو في حربه الإجرامية على غزة إلى سعيه لكسب شعبية تنقذه من الهزيمة في الانتخابات القادمة لأسباب كثيرة أهمها فشل حكومته الاستخباري والعسكري في مواجهة عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس في 7 تشرين الأول الماضي. ومن المحتمل أن حربه ستفشل في تحقيق أهدافه المعلنة في تصفية حركة حماس ناهيكم عن تحرير الرهائن، الأمر الذي سيزيد من احتمالات خسارته في الانتخابات القادمة.
وفي تركيا بدأت الأحزاب السياسية استعداداتها منذ بداية العام الحالي لخوض معركة الانتخابات البلدية في الحادي والثلاثين من شهر آذار القادم. ولعل الهدف الأبرز لحزب العدالة والتنمية الحاكم هو استعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة بعدما خسرهما في الانتخابات السابقة لمصلحة مرشحي حزب الشعب الجمهوري المعارض. وهي مهمة تبدو صعبة، بالنسبة لرئاسة بلدية إسطنبول بصورة خاصة، بالنظر إلى شعبية أكرم إمام أوغلو الرئيس الحالي لهذه البلدية، مقابل افتقار منافسه مراد قرم الذي اختاره الرئيس أردوغان، إلى الشعبية، وهو الوزير السابق للإسكان الذي يحمّله الرأي العام مسؤوليةً عن الكوارث التي أدى إليها زلزال السادس من شباط بسبب الإعفاءات عن مخالفات البناء التي تساهل في إصدارها.
أما في إيران فسوف تجرى انتخابات رئاسية تحت الظل المقلق (للنظام) لثورة أيلول 2022 التي نجح نظام الملالي في قمعها لكن مفاعيلها الاجتماعية تبقى كالجمر تحت الرماد.
هذه عيّنة صغيرة وحسب من العمليات الانتخابية التي ستجرى هذا العالم عبر العالم، لكن كثرتها لا تعكس أبداً حال عافية للنظام الديمقراطي وقيمه، ولا يبشر بآفاق مشرقة. لكن التجربة التاريخية تؤكد أنه يبقى الأقل سوءا بين الأنظمة السياسية التي نعرفها، ويحتاج إلى عمل مستمر للحفاظ عليه وتحسينه حيث وجد، والفوز به حيث ما زال حلماً ينتظر التحقق.
كاتب سوري
إما أنني سأنتخب ترامپ حتى لو حكم من السجن أو لن أنتخب. لأنه يستحيل أن أنتخب هالأهبل بايدن!