نتائج الانتخابات العامة في المملكة المتحدة حملت أخبار انتصار تاريخي غير مسبوق لحزب العمال، وهزيمة ساحقة لحزب المحافظين بعد 14 سنة في الحكم.
قبل منتصف العام 2024 بدأت الاستعدادات لإجراء انتخابات برلمانية في المملكة المتحدة، وكان حزب المحافظين الحاكم يعاني من مشاكل حقيقية في مجالات الاقتصاد والطاقة والصحة والعديد من قطاعات الخدمات. كما كانت حكومة ريتشي سوناك تبدو منهكة في مواقفها الدولية الداعمة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، والمشاركة عبر ضربات سلاح الجو الملكي البريطاني لمواقع الحوثيين في اليمن. كما أن حكومة المحافظين بدت متمسكة بموقفها الداعم لحكومة بنيامين نتنياهو اليمنية في إسرائيل بالرغم من التظاهرات الأسبوعية الحاشدة المنددة بتصدير حكومة سوناك الأسلحة لإسرائيل التي ترتكب بها جرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين في غزة.
في شهر آيار/مايو حدد زعيم حزب العمال السير كير ستارمر في تجمع انتخابي في إسيكس الخطوات التي سيتخذها حزبه إذا فاز في الانتخابات العامة المقبلة. حيث أشار إلى أهم النقاط في برنامج الحزب وهي: الاستقرار الاقتصادي، وخفض أوقات الانتظار في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، وقيادة أمن الحدود الجديدة، وإنشاء شركة Great British Energy بالإضافة إلى أطلاق حملة صارمة على السلوك المعادي للمجتمع في إنكلترا، والتعجيل بتعيين 6500 مدرس إضافي في قطاع التعليم لسد النقص الهائل في هذا القطاع.
في الرابع من تموز/يوليو أُجريت الانتخابات العامة في المملكة المتحدة. واعلنت النتائج في اليوم التالي، التي حملت أخبار انتصار تاريخي غير مسبوق لحزب العمال، وهزيمة ساحقة لحزب المحافظين بعد 14 سنة في الحكم. وقد أصبح السير كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد، خلفًا لريشي سوناك. كما انخفض عدد مقاعد المحافظين إلى 121 مقعدًا فقط، وهو أقل عدد من أعضاء البرلمان في تاريخهم الممتد لـ 190 عامًا. ومن بين أبرز النواب المحافظين ممن خسروا مقاعدهم البرلمانية كانت رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس، ووزير مجلس الوزراء السابق السير جاكوب ريس موغ، وزعيمة مجلس العموم بيني موردونت، ووزير الدفاع غرانت شابس. كما حقق الحزب الليبرالي الديمقراطي، بقيادة السير إد ديفي، نتيجة تاريخية غير مسبوقة بحصوله على 71 مقعدًا. كما حقق حزب الخضر أفضل نتيجة له على الإطلاق، حيث ضاعف عدد مقاعده إلى أربعة.
بهذا الفوز كانت المملكة المتحدة تمثل حالة مختلفة في أوروبا، إذ سادت الانتخابات الأوروبية تصاعد سيطرة أحزاب اليمين المعتدل، واليمن المتطرف على برلمانات وحكومات أغلب دول أوروبا. في 17 تموز/يوليو الماضي افتتح البرلمان الجديد أولى جلساته، حيث حدد حزب العمال برنامجه التشريعي لدورته البرلمانية الأولى في خطاب الملك. وتضمنت خطة عمل حزب العمال مقترحات مشاريع قوانين لإعادة تأميم السكك الحديدية، وتعزيز حقوق العمال، ومعالجة الهجرة غير الشرعية، وإصلاح مجلس اللوردات، وتنفيذ برنامج لتسريع تسليم البنية التحتية عالية الجودة والإسكان.
بعد أقل من أسبوعين من عمر حكومة العمال وقع حادث طعن جماعي يوم 29 تموز/يوليو في ساوثبورت، حيث قُتلت ثلاث فتيات وأصيبت عشر أخريات، إضافة إلى ثمانية أطفال واثنين بالغين، في مهرجان رقص ويوغا في ساوثبورت، ميرسيسايد. وكان خمسة من الأطفال الثمانية المصابين في حالة حرجة، بينما أصيب البالغان أيضًا بجروح خطيرة. تم الإعلان عن الحادث، حيث اعتقلت الشرطة مسلحًا شابًا يبلغ من العمر 17 عامًا واستولت على سكين كانت بحوزته.
في اليوم التالي قام رئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة الداخلية إيفات كوبر بزيارة مكان الحادث لتقديم الاحترام للضحايا والالتقاء بعمال الطوارئ الذين استجابوا للحادث. تم استغلال الحادث من قوى اليمين المتطرف الذي نشر إشاعات كاذبة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث غصت منصات التواصل الاجتماعي بأخبار كاذبة تدعي إن الفتى المهاجم مسلم مهاجر من أصول أفريقية، الأمر الذي حشد موجة كراهية تجاه المسلمين اشتعلت بسرعة حيث شهدت البلاد اعتى موجة أعمال شغب منذ 2011.
تم تسمية المهاجم البالغ من العمر 17 عامًا وهو أكسل روداكوبانا. وقد وجهت إليه ثلاث تهم بالقتل، وعشر تهم بالشروع في القتل، وتهمة واحدة بحيازة سكين. وباعتباره قاصرًا، لم يكن من الممكن ذكر اسمه في البداية، وأتضح أنه مسيحي بريطاني مولود في ويلز/كارديف لأبوين مهاجرين من رواندا.
اندلعت أعمال شغب مساء يوم 30 تموز/يوليو حيث تجمع المتظاهرون اليمينيون المتطرفون خارج مسجد ساوثبورت، ثم تمت مهاجمة ضباط الشرطة وإلقاء زجاجات حارقة على المسجد وإشعال النار في سيارة شرطة. أصيب أكثر من خمسين ضابط شرطة، وتم نقل 27 منهم إلى المستشفى. تمت إدانة العنف على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل والدة أحد الضحايا.
في اليوم الثاني امتد نطاق أعمال العنف حيث اشتبك اليمينيون المتطرفون مع الشرطة خارج داونينغ ستريت، وتم القبض على أكثر من 100 شخص على إثر ذلك، كما امتدت أعمال العنف إلى هارتلبول، حيث تم إحراق سيارة شرطة وإصابة العديد من الضباط. كما اندلعت جيوب أخرى من الاضطرابات في مانشستر وألدرشوت، حيث تجمع المتظاهرون خارج الفنادق التي تؤوي المهاجرين.
في الرابع من آب/أغسطس أدان ستارمر ما أسماه «البلطجة اليمينية المتطرفة» المستمرة في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وقال إن المتورطين «سوف يندمون عليها» حيث بلغ عدد الأشخاص حوالي 140 شخصا من الذين تم القبض عليهم فيما يتعلق بأعمال العنف، حيث أصيب ما لا يقل عن عشرة ضباط شرطة في فندق هوليداي إن إكسبريس في روثرهام، وفقد أحدهم وعيه بعد إصابة في الرأس، بينما أصيب آخرون بكسر في العظام.
عندما وصل الموقف إلى هذه المرحلة الحرجة أعلنت شرطة المملكة المتحدة عن أكبر تعبئة لها منذ أعمال شغب إنكلترا عام 2011، مع وجود 6000 من شرطة مكافحة الشغب في الخدمة في جميع أنحاء البلاد و2000 في الاحتياطي كتعزيزات. وصدرت الأحكام الأولى عن الجرائم المرتكبة أثناء أعمال الشغب على ثلاثة رجال شاركوا في أعمال الشغب في ساوثبورت وليفربول. وحُكم على الثلاثة بالسجن لفترات تتراوح بين 20 شهرًا وثلاث سنوات. كما حُكم على 21 شخصًا آخرين بالسجن لدورهم في أعمال العنف. وقد كان حزم حكومة ستارمر في مواجهة أعمال العنف السبب الرئيسي للقضاء على تلك الأزمة الخطرة بشكل تام. بالنسبة للعائلة المالكة في المملكة المتحدة كان هذا العام حزينا مع ما حمله من أخبار. فقبيل احتفال الملك تشارلز الثالث بذكرى تنصيبه الأولى في أيار/مايو كان قد تعرض لأزمة صحية، أعلن على إثرها عن إصابته بسرطان البروستات وخضع لجراحة وعلاج كيميائي وتماثل للشفاء تقريبا. كذلك أُعلن عن إصابة زوجته الملكة كاميلا بالسرطان وخضوعها للعلاج من دون ايضاح الكثير من التفاصيل. وكان الخبر الأكثر حزنا هو إصابة الأميرة كاثرين، أميرة ويلز زوجة ولي العهد الأمير ويليام، بالسرطان وخضوعها لجراحة في البطن، والنتيجة انتهاء العام 2024 مع بقاء آثار إصابة ثلاثة من الخط الأول من شخصيات العائلة المالكة بالمرض القاتل.
راحلون:
توفي أندرو بينيت وهو أحد قادة حزب العمال عن عمر 85 عاما.
كما توفيت النجمة السينمائية البريطانية ماجي سميث، المعروفة بأدوارها في سلسلة أفلام هاري بوتر عن عمر ناهز 89 عاما.