الأنبياء الفضائيون: الفرسان الأدبيون لحروب الجيل الرابع

هربرت جورج ويلز؛ رأى أن التكنولوجيا،تشبهُ عصا زانة، وظيفتُها أن تقفِز بالمُدمنِ على التفكيرِ وفق أنساقها، قفزةً لا تقل عن المائة عام. النعجةُ الاسكتلندية دوللي، وهبت بولادتِها في تسعينيات القرن الماضي، قُدرة الخلق للإنسان، وبوساطةِ الاستنساخ الجيني.
الاسكتلندية دوللي التي توفت بعمر ستِّ سنين، ربّما قد تكونُ، الطبعة الثانية من أوديسة هوميروس. الطبعةُ الثانيةُ؛ خاليةٌ من صواعق زيوس، رمح بوسيدون، ومن أنصافِ الآلهة كهرقل. ولادة دوللي الهوميروسية هي صرخةُ الإنسان الذي ثُكِل بلوعةِ فِراق جلجامش، النبي، والقدوة؛ نستطيعُ أن نقول، أنّها وبكلمات الفن وهايدي توفلر في كتابِهما (الحرب وضدّ الحرب)، قد قادت الحركات الروحية والدينية -عصرٌ جديد- ينمو بصورةٍ حادة، كثيرٌ منها أساساً وثني ومع ذلك ديني. إنّدوللي الهوميروسية، وعلى غيرِ قصدٍ منها، تحوّلت إلى نوعٍ من أدب الخيال العلمي، في معركة القوى العظمى التقليدية والصاعدة؛ يقترحُ كاتبُ هذهِ السطور، على القارئ، وبمعاونة الهوس الصيني العريق بالأعداد، ترجمةَ الوِلادات الأربع للنعجةِ الاسكتلندية إلى أدب جيل الحرب الرابعة.
يوفو دوللي، المصنوع من فولاذ الصِراع العالمي، اختصّ بحملِ الكائنات الفضائية إلى الأرض، انزل إي تي (فيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ)، ومخلوقاً؛ نصفهُ رجل، ونصفهُ الآخر من الزواحف (صورةٌ أخرى أكثرُ حداثة عن أسطورة المينوتور الكلاسيكي، والذي نصفهُ ثور، ونصفهُ الآخر جسدُ إنسان-رجُل)، كأدواتٍ للسيطرة على هذا العصر الفضائي-القرن الحادي والعشرين، وبتعبيرٍ أدقّ للزوجين توفلر هم شرطةُ عصر جيو معلومات الذي نعيشهُ. أيضاً؛ هذهِ المينوتورات الفضائية، نوعٌ من الوقاية الاستخبارية، ضدَّ تسرب التكنولوجيا والمعرفة إلى الخصوم، إذ أن عالم المخابرات، وبسببِ حاجتهِ إلى المعلومات عن كلِّ شيء، وجد أن السَّرية، لا توفِّر لهُ شيئاً يُذكر، مقارنةً بفضاء الانترنت؛ الثنائيُ التوفلري، قالا عن ذلك أن كمية كبيرة من الاستخبارات العسكرية يمكن أن تأتي من المخزن المفتوح على مصراعيه.
إذا طاب لنا التزحلقُ على المزيدِ من جليدِ الاقتباسات التوفلرية،ستكونُ هناك خياراتٌ لا بدَّ أن يتخذها المقاتلون الإيديولوجيون والدينيون والثقافيون من الأمم المتخلفة(!)، إمّا الإبادة الفكرية الاستنزاف الاستراتيجي للعقل، وإمّا التحوّلُ إلى لغويين جيّدين وخبراء مناطق لهم خبرة عملية في مناطق خبرتهم، إذ أن القوى العظمى بحاجةٍ ماسّة في هذا القرن المينوتوري إلى مُكافحة انتشار التكنولوجيا والمعرفة، أو كما كشف توم بيترز إنّ أحد أعظم أسرار وادي السيلكون هو سرقة رأس المال البشري من العالم الثالث.

الأوطان البلفورية مطارٌ ليبرالي عتيق

ديفيد فرومكين، وفي كتابهِ (تفتيت الشرق الأوسط)، ذكر عن مُمثِّليْ القوى الاستعمارية الذين اجتمعوا في باريس، أن واحداً منهم، قام إلى الخريطة الكبيرة، باحثاً عن دولةٍ عربية، وضِعت، تحت انتداب بلدهِ، قائلاً بعد أن يئس من إيجادِها : أين يقعُ ذلك البلد بحقِّ الجحيم. هذهِ الصِور الأدبية والسياسية، تخرجُ من كاميرا وعد بلفور الشهير، بدونِ أن نُحمِّضها في محاليل النظريات التآمرية. مع هروب الزمن العربي، من عقارب الساعة الانتدابية، أصبحت تلك الصِورُ، نوعاً من البنسلين الثقافي المزمن، لمعالجة فقر السيادة العربية، والتفاوت الطبقي الهائل في الثروةِ والكرامة،بين المواطنين. هذهِ الصِورُ عاودت الظهور في مايكرو فيلم صفقة اللاقرن، بين ترامب- نتنياهو. المشكلةُ الوحيدة، إنّ مصطلح الأوطان والعواصم البلفورية، ما زال ناشِطاً، لكنهُ يختفي اليوم في كثافةِ أغصان اللغة السياسية، لهذا القرن المينوتوري؛ حسب الزوجين توفلر، تكونُ الغلبة لأفكارٍ وتصوّراتٍ ورموزٍ تدورُ في عاصفةٍ دوّامة، فيقتطفُ الفردُ منها موادَّ ينتقيها بذاته ليُشكِّل نفسهُ بها. الأوطانُ البلفورية وذيلُها من اللغة المتكونة من مفرداتٍ انتقائية، خيالٌ لبرالي قديم، كان مثلاً وراء تخليق مصطلح أوروبا الوسطى. روبرت كابلان؛ مؤلِّفُ كتاب (انتقام الجغرافيا)، نقل عن هالفورد جي ماكندر وفيرغريف،أن أوروبا الوسطى، مصطلحٌ ثقافي لا جغرافي، يُخفي الأنياب الاستعمارية التي تطمحُ إلى إرجاء للجغرافيا السياسية-أو على الأقل الرغبة في الحصول على واحدة.
العراق؛ يبدو نموذجاً مثالياً، إذ هبطت مساحتهُ من 438.317 ألف كيلومتر مربع إلى 437 ألف كيلو متر مربع تقريباً. الخيال الليبرالي الأمريكي، صنع نسخةً ثانية من قِطاع غزة؛ جسدٌ من البرِّ، بدونِ مناخيرٍ مائية؛ أغلبُ تلك الكيلومترات تمثِّلُ قدرتهُ على التحكمِ بالجسدِ المائي لجغرافيته!
العراق؛ يصبحُ هنا، عُملةً جغرافية، يُضاربُ بها العم سام في بورصة الطموحات الإيرانية، ليُخفِّض قيمة الأسهم الاستراتيجية؛ الروسية، الصينية، والأوروبية؛ هكذا وجد أنطونيو نيغري و مايكل هارت أن المقصود بمحور الشرَّ لم يكن الدول الثلاث الضعيفة التي أُدخلت فيه، وإنما روسيا، الصين، وأوروبا. دول الخليج العربي، كنموذجٍ آخر، تعتمدُ على ذاكرةِ أزماتِها، لإذكاءِ مواقفِها المُرتبكة مع بعضِها، تتجاهلُ تحذير الكونت دي مارنشيز وديفيد أ.اندلمان في كتابِهما (الحرب العالمية الرابعة)، أن ضباط المخابرات المحترفين يسمون الذاكرة، ذكاء الأحمق.
إنّ صِناعة الأوطان البلفورية، في القرن الحالي؛وفي المنطقة العربية، تحديداً، يحتاجُ مجموعاتٍ بشرية، يئست من صِراعها الطبقي، للحصولِ على وضعٍ أفضل داخل أوطانِها. أدبُ جيل الحروب الرابعة،يخاطبُ تلك اليائسة. يُحدِّثُ تكنولوجيا المذهب، لتصنع من أديانهِ، مُخدرات الصراعات الهرمجدونية (معارك نهاية التاريخ) مع بعضِها. إي تي القوى العظمى، يقومُ بتغليفٍ ميتافيزيقي، لخلافاتِها التاريخية.يلحسُ قُدرة دِماغِهم على تحليل الأسباب الاقتصادية والسياسية. إي تي، يوفِّرُ لهم الكابلات التلفزيونية، والأقمار الصناعية، ليستعيضوا عن ترشيدِ صِراعاتِهم بالمنطق، بالسيلكون الطائفي ونفخِ شِفاه الثروة؛ لقد شُلَّ العرب عن الاحتفاءِ بوسامةِ قيمِهم الجميلة في هذا القرن الفضائي.

المحميات الأممية خيمة المستقبل العربي

العربُ؛مُعرّضون في هذا القرن المينوتوري،أن يكونوا جيراناً جُدد للهنود الحمر؛لا أن يسكنوا أمريكا، وإنّما أن تنخفِض قيمتهُم إلى حدِّ أن يكونوا نوعاً من الجنس البشري النادر، والذي لا بدَّ من منعِ انقراضهِ، بتشريعِ قوانينٍ، تحتفِظُ لهُ ببعضِ الأرض، وبعض الحقوق المعنوية الثقافية، كحالِ جيرانهِ الحُمر!
كلماتُ أنطونيو نيغري ومايكل هارت، تُعطينا سلّة من الكلمات المُعبِّرة عن الممكن العربي الأسود، رغم أن المؤلِّفين، استخدموها بصورةٍ إيجابية يمكن للمرء أن يتخيل برلماناً عالمياً أو جمعية مَشادة على الشعوب، والأمم، أو حتى الحضارات. يمكن أن يُتصوّر مثل هذا الجسم أن التمثيل على أساس الخطوط العنصرية، والإثنية أو الدينية. مثلاً في مثل هذا المخطط، يمكن للشعوب الأصلية والمضطَّهدة التي لا دول لها، أن يكون لها تمثيلٌ متساوٍ أو متناسب.
القارئ الذي يسأل:لماذا من الممكن أن يحدث ذلك؟ سنرسلُ له قافلة كلماتٍ إضافية من المخزن اللغوي لنيغري وهارت تاريخ الشعوب التي لها تاريخ كما يقولون، هو تاريخ صراع طبقي، وتاريخ الشعوب التي لا تاريخ لها هو تاريخُ صراعِها ضدّ الدولة. إذا أردتُ أن أوضّح أكثر،باستلالِ هموم الفرد العراقي،سأكررُ ما قُلته أكثر من مرّة : هنالك فرقٌ بين الحنين إلى صدام الدولة؛ والدولة في عهد صدام. هذا القرن الفضائي، مُخصصٌ لإبادة مفهوم السيادة الحديثة. أهمُّ مفهومٍ للسيادة الحديثة وحسبِ واقعِنا العربي، هو منع الحروب الأهلية؛ تلك الحروب التي تتنكرُ في لغتنا، تحت توصيفِ الصراعات الطائفية. السيادةُ في العقل العربي، يجبُ أن تكون رشيقة، جميلة، مغرية، ذكية، وحكيمة؛ كأننا نتحدثُ عن مشروعِ زواجٍ أو خُطبة، لكنها وبالمزيد من دُخان الكلمات اللذيذة لنيغري وهارت، عملُها الوحيد وضع حدّ نهائي للحرب الأهلية.

الناتج الصافي من أدب الحرب الرابعة

يستطيع القارئ أن يرى كلماتي عن السيادة الوطنية، نموذجاً كاريكاتورياً، التقطتهُ كاميرا الزوجين توفلر في أرض فريدونيا في فيلم (شوربة البط)،حيثُ تتصارعُ دولتان فيما بينهما باسم الوطنية وفي الوقت نفسه تسمحُ لدولٍ أخرى باختراق سيادتها وتُجري معها معاهدات واتفاقيات تجارية، لكن الحقيقة غير الكاريكاتورية، هي ما ذكرهُ إميل خوري في كِتابهِ (صراعات الجيل الخامس)، والتي نذكرُ منها غياب القيم الوطنية والعائلية (بسبب إلغاء نظام الجندية) وقعت هذه المسؤولية على الأهل والعائلة، وأيضاً لم تكن القيم الوطنية محل بحث في المجال العائلي إلَّا في حالاتٍ استثنائية. إيرنست كانتوروفيتش قال بدورهِ حبُّ الإنسان لوطنه، حبٌّ لا علاقة له بالقوميات والمذاهب الشعبية.
إذاً على المواطن العربي الذي ينتظرُ إي تي، والزواحف الفضائية، أن يختار مستقبله: إمّا العيشُ في أرض فريدونيا على علّاتِها وإمّا العيش في المحميات الأممية!
إذا تصرفنا في مقولة سبينوزا التي زعم فيها إنّ النبي ينتجُ شعبه الخاص به، لقُلّنا- ولا حياء في التوضيح إنّ الفضائي ينتجُ شعب القوى العظمى. يقترحُ على شعوب العالم، والعرب منهم بشكلٍ خاص، أن يتنازلوا عن أوطانِهم، بدل اقتلاع النُخبة السياسية الفاشلة.
أن أدباء الحرب الرابعة، مثل؛ ديفيد إيكة، جوردان ماكسويل، يوفال هراري؛ والضدَّ النوعي الأدبي لهؤلاء؛ ميلتون وليم كوبر (لأنهُ يُفسّر الأمور سياسياً لا فضائياً)، يريدون منك أن تؤمن بما آمن بهِ العميل الفرنسي؛ فيلنيه إنّ الحرب العالمية الرابعة تُشكِّلُ في طرقٍ عديدة حقيقة العودة إلى أصولنا البدائية الأولى، و يعترف هذا العميل الذي يحملُ لقب فطيرة فرنسية شهيرة، أنّ الدافع لم يعد يتسنى لنا القدرة على تدبير أي حدود حقيقية لخوض غمار الحرب العالمية الرابعة وإلاَّ سنُخسرُها، وإن الحضارة الغربية كما سنرى تكون في مخاطرة حقيقية. الهدفُ مثلاً من إهداء القدس إلى الكيان الإسرائيلي، هو بدايةُ مشروع تخفيض حجم الدول العربية الرئيسية كالعراق، إلى الدولة- القبيلة، الدولة- القرية، أو الدولة- الطائفة، لكي يصعُب على القوى العالمية الصاعدة، أن تأخذ المنطقة العربية، من أمريكا على طبقٍ طائر. الهدفُ المعنوي الأهم، أن يذهب العربي إلى الحلبة مرتدياً قفازات الملاكمة ويلتقي مع رفيق معه مدفع رشاش. ربّما تبدو عظيماً ونبيلاً لمدة عشر ثوان، لكن نعيك سينعتُك بطلاً. هذهِ الكلمات التي تعودُ إلى رئيس المخابرات الفرنسية السابق- فيلنيه- تُلزِمُنا أن نُذكِّر بنصيحتهِ للغرب: نحنُ قبيلة رومانية!
أخيراً، ننصحُ الدول العربية، أن لا تتحول في تعاملِهما مع فلسطين والعراق (بكلمات نورمان ماكنزي) إلى إحدى قبائل بوليفيا يستطيع الشخص فعل أي شيء طالما يوجهُ وجههُ نحو الحائط وطالما لا يرى الآخرون ذلك الفعل. إنّ الحِفاظ على الأمان الجغرافي سيُخلِّصُ المصير العربي من مستقبل تشتتِهم إلى 5000 آلاف دولة في المستقبل الفضائي الحالي!

كاتب وصحافي من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عباس عبد الخضر:

    أهنئ القدس العربي مشاركة الاستاذ مسار الرائع هكذا مقالات قيمه .

اشترك في قائمتنا البريدية