بغداد ـ «القدس العربي»: استذكر الأكراد في العراق، أمس الإثنين، مرور 37 سنة على حملة «الأنفال» التي شنّها النظام السابق ضد مواطني شمال العراق، وراح ضحيتها نحو 200 ألف شخص بين قتيل ومغيّب، في ثمانينيات القرن الماضي، وسط مطالبات لمسؤولين وسياسيين في إقليم كردستان العراق بتعويض ذوي الضحايا، ومنع الاستمرار في «السياسات الشوفينية»، فيما اعتبر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أن زمن الطغيان انتهى، وأن العراقيين يسيرون اليوم معاً في طريق البناء والتنمية.
من أفظع الجرائم
وأكد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، أن حملة الأنفال التي نفذها النظام العراقي السابق ضد أبناء الشعب الكردي كانت واحدة من أفظع الجرائم المرتكبة في القرن الماضي، مشدداً على أن «الدولة العراقية تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية لتعويض الضحايا ومنع تكرار السياسات الشوفينية بحق الكرد».
وقال في بيان بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للأنفال، إن «أكثر من 180 ألف مواطن كردستاني بريء استشهدوا أو فُقدوا نتيجة تلك العمليات اللاإنسانية التي نُفذت على مراحل، وشملت جميع مناطق كردستان».
وأشار إلى أن الحملة تزامنت مع «قصف كيميائي وسياسات تعريب وتهجير قسري، وتدمير آلاف القرى والبنية الاقتصادية لكردستان»، مؤكداً أن «تلك الجرائم كانت جزءاً من مخطط شامل استهدف وجود الشعب الكردي وهويته».
وأضاف أن «مرتكبي تلك الجرائم انتهى بهم المطاف إلى مزبلة التاريخ، لكن الجراح لا تزال غائرة»، داعياً الدولة العراقية إلى «أداء واجبها في تعويض الضحايا، ومنع استمرار أي سياسات أو ممارسات تحمل العقلية الشوفينية نفسها».
واعتبر أن «الوفاء الحقيقي لشهداء الأنفال يكون بتوحيد الصفوف لخدمة الوطن، وبناء مستقبل مشرق لأبناء شعبنا».
رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، أكد أن حملات الأنفال التي نفذها النظام السابق قبل 37 عاماً، تعد واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ، مجدداً دعوته للحكومة الاتحادية إلى تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية العليا وتعويض ذوي الضحايا من جميع الجوانب.
وقال في بيان صحافي إن «أكثر من 182 ألف طفل وامرأة ورجل من أبناء شعب كردستان راحوا ضحية تلك الحملات المشينة عام 1988، ولا تزال آثارها المؤلمة حاضرة في ضمير وذاكرة شعبنا».
وأضاف: «في هذه الذكرى، نستذكر شهداء الأنفال ونحيي عوائلهم الصامدة، ونؤكد أن الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية لتعويضهم، وتنفيذ قرار المحكمة التي صنفت الأنفال كجريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية».
وشدد على أن «الجهات المعنية في كردستان تواصل تقديم الدعم لعوائل الشهداء، وإعادة إعمار المناطق المتضررة، والبحث عن رفات الضحايا وإعادتها إلى الوطن»، مشيراً إلى استمرار الجهود «لتحقيق اعتراف دولي كامل بجريمة الأنفال كجريمة إبادة جماعية».
وختم بيانه بالقول: «كيان إقليم كردستان ومكتسباته هي ثمرة تضحيات الشهداء، ونؤكد في هذه الذكرى أهمية الوحدة والتضامن للحفاظ على الحقوق الدستورية وبناء مستقبل أفضل لشعب كردستان».
أما رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، فانضمّ أيضاً لدعوة الحكومة الاتحادية إلى تعويض الضحايا والمتضررين مادياً ومعنوياً.
وذكر في بيان صحافي أن «حملات الأنفال المشؤومة شكّلت جريمة إبادة جماعية بحق شعب وأرض كردستان»، مشيراً إلى أن «عشرات الآلاف من الأبرياء اُقتيدوا خلالها إلى صحارى جنوب ووسط العراق، حيث دُفنوا في مقابر جماعية ما زال الكثير منها مجهولاً».
السوداني أكد أن زمن الطغيان انتهى… ورشيد دعا إلى التوحد والتمسك بالنظام الديمقراطي
وأضاف أن «الآثار المأساوية للأنفال لا تزال ماثلة حتى اليوم»، مبيناً أن «ذلك يُحتم على الحكومة الاتحادية الوفاء بواجباتها القانونية والدستورية والأخلاقية، من خلال تعويض ذوي الضحايا وجميع المتضررين مادياً ومعنوياً».
وجددت حكومة الإقليم، حسب البيان «التزامها الثابت بتقديم كافة أشكال الدعم والخدمات لذوي المؤنفلين وسائر عوائل شهداء كردستان»، مؤكدة أن «ذكرى الشهداء ستبقى حاضرة وخالدة في الوجدان الكردي».
على المستوى ذاته، أعلن حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني، بزعامة بافل جلال طالباني، مواصلة جهوده في البحث عن رفات الضحايا.
رئيس الحزب الذي يتخذ من مدينة السليمانية معقلاً له، أفاد في بيان صحافي: «نستذكر اليوم بقلب يعتصره الألم والحزن، الذكرى الـ37 لفاجعة الأنفال، التي هي إحدى أخطر وأبشع محاولات النظام العراقي السابق لمحو الشعب الكردي»، داعياً في الوقت عينه حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية إلى «أداء واجبهم إزاء ذوي المؤنفلين الأماجد، وتعويضهم من النواحي كافة، لأن من واجب جميع الأطراف الإصغاء الى مطالبهم المشروعة وتنفيذها».
وزاد: «لن نألو جهدا في خدمة ذوي المؤنفلين الأباة، لكي نضمن لهم حياة أفضل، ونتعهد أن نكون أبناء أوفياء لهم، فآلامهم هي آلامنا أيضا»، مستدركاً بالقول: «جهودنا متواصلة في عملية البحث عن رفات الشهداء وإعادتها الى أرض الوطن، حتى نخفف جزءا من آلام الجروح الغائرة لذوي المؤنفلين الأكارم، والتي هي جروح على قلوبنا جميعا».
وشدّد على «وحدة الصف والوئام بين جميع الأطراف، حتى نتمكن من مواجهة التحديات ونحقق أهدافنا، وعلى رأسها خدمة مواطني كردستان».
جرح لا يندمل
في حين أكد نائب رئيس وزراء إقليم كردستان، القيادي في حزب «الاتحاد»، قوباد طالباني، أن جرح الأنفال لا يندمل حتى يطمئن الكرد على عدم تكراره.
وقال في بيان إن «وطننا تجرع عبر التاريخ الكثير من الألم والوجع، فكل يوم يجرح من طرف»، مستدركا أن «لا جرح ولا ألم غائر ومؤلم كجرح الأنفال».
وأضاف أن «هذا الجرح لن يندمل حتى ذلك اليوم الذي يطمئن فيه الكرد أنهم لا يتعرضون إلى الإبادة الجماعية تارة أخرى، ويحتضن تراب الوطن رفات آخر مؤنفل».
ووفق طالباني فإن «جريمة الأنفال لا تقل شأنا عن الجرائم العظمى في تاريخ الإنسانية كجريمة الهولوكوست وإبادة الأرمن»، مشددا على ضرورة «إطلاع الأجيال المقبلة على قصص الأنفال جيلا ثم جيل، لأن جريمة الأنفال وجرائم الإبادة الأخرى جزء من هويتنا التاريخية».
في العاصمة الاتحادية بغداد، استذكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الجريمة المروّعة التي ارتكبها النظام السابق في الأنفال قبل 37 عاماً، مؤكداً أن الشعب العراقي «يمضي موحداً نحو البناء والسلام».
وقال في «تدوينة» له، إن «بشاعة تلك الجريمة لم تكشف فقط عن عنصرية النظام البائد، بل كشفت أيضاً عن محاولاته اليائسة في تمزيق وحدة الشعب العراقي والنيل من قواه الوطنية، إلا أن إرادة العراقيين كانت أقوى، فاليوم تنتصر روح الإخاء والتعايش على كل بذور الكراهية التي زرعها البعث الصدّامي».
وأضاف: «انتهى زمن الطغيان إلى مزبلة التاريخ، والعراقيون اليوم، بكل تنوعهم، يواصلون السير معاً في طريق البناء والتنمية، من أجل عراق موحد، آمن، ومستقر».
واستغلت رئاسة الجمهورية الذكرى لتوجيه الدعوة الى الشعب العراقي إلى التوحد والتمسك بالنظام الديمقراطي.
وقالت في بيان إنه «في ذكرى جريمة الأنفال البشعة التي ارتكبها النظام البائد بحق الشعب الكردي، والتي أدّت إلى استشهاد أكثر من مئة وثمانين ألف إنسان من الأطفال والشباب والشيوخ، نؤكّد إدانتنا الشديدة لهذه الجريمة النكراء، ونجدد التأكيد على اعتبارها من جرائم الإبادة الجماعية».
البيان تابع: «نستذكر بألم بالغ تلك الأرواح الطاهرة، ونؤمن بأن دماء الشهداء هي الأعمدة الأساسية لبناء نظامنا الديمقراطي. وندعو مجلس النواب إلى إقرار قانون لتعويض ذوي ضحايا الأنفال ماديًا ومعنويًا، مع التأكيد على ضرورة الاعتراف بجريمة الأنفال كجريمة دولية من جرائم الإبادة الجماعية. كما نؤكد أهمية قيام ممثليتنا الدائمة لدى الأمم المتحدة ببذل الجهود اللازمة لاعتماد هذه الجريمة ضمن الجرائم الدولية للإبادة الجماعية، وإقرارها رسميًا من قبل الأمم المتحدة».
التمسك بالنظام الديمقراطي
وحسب البيان الرئاسي فإن «النظام الديمقراطي الاتحادي النيابي في العراق يُعد نموذجًا متميزًا في المنطقة، ومصدر فخر واعتزاز لجميع أبناء الشعب العراقي. لقد عانى العراقيون جميعًا، وفي مقدمتهم شعبنا في إقليم كردستان، من ويلات النظام الدكتاتوري، الذي لم يكن خطرًا على دول الجوار والسلام الإقليمي فحسب، بل كان تهديدًا مباشرًا لأبناء الشعب العراقي». ودعا «جميع أبناء الشعب العراقي، عربًا وكردًا وشيعة وسنة ومسيحيين وتركمان، وسائر المكونات الأخرى، إلى التوحد والتمسك بنظامنا الديمقراطي، الذي يضمن السلام والعدالة والعيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع العراقي».