6 أشهر على «طوفان الأقصى»: الصورة في إسرائيل حدث تاريخي محرّك… تصاعد قوّة اليمين واحتمالات حرب إقليمية مفتوحة

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة ـ «القدس العربي» : بعد ستة شهور على «طوفان الأقصى» والحرب على غزة، بات واضحا أننا إزاء حدث تاريخي جلل، ترك وسيترك مفاعيله وتبعاته على الصراع الكبير وعلى طرفيه الإسرائيلي والعربي – الفلسطيني.
وفي هذا التقرير نسعى للتوقف عند آثاره على الجانب الإسرائيلي، والمفاعيل والآثار المترتبة على الحرب وحمم بركان «طوفان الأقصى» الذي ما زال في مرحلة الغليان، ولم تنجل بعد صورتها النهائية.
ومع ذلك يمكن الإشارة إلى ما تركه هذا الحدث التاريخي من نتائج أولية، واختصارها بضرب قوة الردع الإسرائيلية، وزيادة اصطفاف الإسرائيليين في اليمين الأكثر تطرفاً، والخسائر الاقتصادية الكبيرة التي لحقت بها، وواقع التهجير في إسرائيل المثير للانتباه، وتعميق العزلة الدولية لإسرائيل، وازدياد احتمالات حرب شاملة مع إيران، وتصاعد الخلافات الداخلية في النسيجين السياسي والاجتماعي، فضلا عما شكل ذلك من ضربة لمساعي التطبيع مع دول عربية.

منذ اليوم الأول، كان واضحا أن عملية «طوفان الأقصى» قد جاءت مباغتة أخذت إسرائيل على حين غرّة، وأصابت العنجهية التقليدية فيها بإصابات بالغة.
فقد تمكنّت «حماس» من احتلال قواعد عسكرية ومستوطنات حدودية لعدة أيام وسط حالة إرباك وذهول. لم يكن الفشل الذريع استخباراتيا فحسب، كما يزعم الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو، بل شكل فشلاً استراتيجياً بعدما راهنت إسرائيل تحت قيادته على أن المقاومة الفلسطينية «مرتدعة»، وتمّ شراء هدوئها بحقائب دولارات، حتى تبيّن أن حركة «حماس» نجحت بتخدير إسرائيل والتغرير بها بشكل حقيقي ومهين.
ولا شك أن هناك عوامل أخرى أججّت صدمة إسرائيل والإسرائيليين، منها فشل قوات أمنها في الدفاع عن الإسرائيليين جنوداً ومدنيين في عقر دارهم، ومن قبل حركة صغيرة في منطقة محاصرة تبدو كـ «علبة السردين» تدعى غزة.
وإضافة إلى مشاهد الاقتحام الجريء، لعب التوقيت دورا حسّاسا في زيادة الصدمة، وزعزعة الثقة بالنفس. فقد جاء «طوفان الأقصى» متزامناً تماما، وعن قصد، مع الذكرى الخمسين لـفشل ذريع كبير، شنّت خلاله مصر وسوريا الحرب على إسرائيل في السادس من تشرين الأول / اكتوبر 1973.
كان ولا يزال واضحا أن الضربة المفاجئة من غزة المحاصرة الصغيرة جغرافيا، قد مسّت ثقة الإسرائيليين ليس فقط بحكومتهم وجيشهم ودولتهم، بل بأنفسهم ومستقبلهم، خصوصاً في المرحلة الأولى حيث سادت حالة البلبلة والحيرة والخوف.
وطيلة عقود كانت الصهيونية، ومن ثم إسرائيل أيضا تقول لليهود في البلاد والعالم إنها الملجأ الأكثر أمنا واطمئنانا، حتى تكشّف أنها المكان الأخطر عليهم خصوصاً أنها فشلت في الدفاع عنهم وهم داخل بيوتهم وقواعدهم العسكرية، ومن ثم فشلت وما زالت في استعادة الأسرى منهم، ممن خانتهم الدولة العبرية كما يؤكد ذووهم في تظاهراتهم المتصاعدة الآن.

الانزياح نحو اليمين

كذلك تجّلت حالة الثقة المهتزّة والخوف العميقين بعد أيام من «طوفان الأقصى»، عندما بدا واضحا كيف تنفّست إسرائيل الصعداء مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل لتأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى جانبها، وحمايتها من أعدائها، ومن نفسها، في ظل ارتباك قيادتها وفقدانها صوابها.
ودفع كل ذلك إسرائيل والإسرائيليين للبحث السريع عن انتقام غير مسبوق من الفلسطينيين، ومحاولة ترميم الهيبة الجريحة، واستعادة قوة الردع والثقة بالنفس وهذا جزء من تفسير التدمير المنهجي الشامل لقطاع غزة. وإسرائيل، في هذا التدمير الوحشي والقتل الجماعي، كانت وما زالت ترمي لكيّ وعي الفلسطينيين بنكبة ثانية تلبي شهوة الانتقام، ولمحاولة تلقين الفلسطينيين درسا لن ينسوه، علاوة على استبعاد إمكانية تسوية الدولتين من خلال تكريس حالة الخراب والانقسام الجيوسياسي بين غزة ورام الله، بين القطاع والضفة، ولدى بعض وزراء الاحتلال أطماع ببناء مستوطنات داخل القطاع مجددّا.

«أكثر من 50 مليار دولار خسائر الحرب في غزة»

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تدّلل استطلاعات الرأي المتتالية، إلى جانب مؤشّرات أخرى على انزياح عدد متزايد من الإسرائيليين نحو اليمين، بل واليمين المتطرّف أكثر مما كان قبل هذا الحدث التاريخي المؤسّس.
وهذا ما يتجلّى اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، فالإسرائيليون بما في ذلك مقارنة مع فترة الانتفاضة الثانية، والتفجيرات داخل مدنهم، باتوا أكثر تطرفا ورفضا للتسوية، بل ويعتبرون حلّ الدولتين هدية خطيرة للفلسطينيين، وتتوافق المعارضة مع الائتلاف على رفض فكرة الدولة الفلسطينية.

الخسائر الاقتصادية

حتى الآن، ترجّح جهات إسرائيلية خبيرة بأن الحرب كبدّت إسرائيل خسائر فادحة تقدّر بأكثر من خمسين مليار دولار، وهناك ترجيحات واسعة بأن الأزمة الاقتصادية الحالية ستبلغ ذروتها لاحقا.
ورغم هذه الخسائر الناجمة عن كلفة الذخائر، تعطيل عجلة الاقتصاد، وانصراف مئات الآلاف عن أماكن عملهم وانهيار مرافق كاملة في البناء والزراعة والسياحة، يبدو أن إسرائيل قادرة على امتصاص هذه الضّربات الموجّهة كونها تتمتع باقتصاد متين. بيد أن خبراء الاقتصاد يتحدثّون أن ذلك سيأتي على حساب خدمات الرفاه والصحة والتربية والتعليم وخدمات البنى التحية والفوقية وغيره بعد انتهاء الحرب.

مهجّرون إسرائيليون

ويرتبط موضوع الخسائر الاقتصادية بالنازحين الإسرائيليين الذين فقد معظمهم مواقع عملهم ومزارعهم داخل مستوطنات «غلاف غزة»، وفي مستوطنات الشريط الحدودي مع جنوب لبنان.
ويقدّر تعداد هؤلاء بنحو الـ 120 ألف نسمة ممن ما زالوا بعيدين عن بيوتهم ومواقع عملهم ومدارسهم، ويعانون نتائج اقتصادية واجتماعية يزداد تذمّرهم منها، وهم يقيمون داخل فنادق أو مساكن مؤقتة بعيدا عن الحدود، وفي مرحلة معينة كشف عن اتساع ظاهرة الاعتداءات الجنسية بينهم.
لكن النزوح ينطوي على ما أهو أعمق وأخطر من إهمال الكروم والمزارع والخسائر الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والنفسية الملازمة للنازحين، وهو ما يرتبط بهم وبالدولة، بعدما فشلت في حمايتهم وتأمين الأمن والأمن لهم حتى اليوم، بعد ستة شهور. ونشأ في الجليل للمرة الأولى منذ نكبة 1948، شريط أمني حدودي لكنه في الجانب الإسرائيلي هذه المرة.

خطر إيران

منذ سنوات كثيرة تدير إسرائيل وإيران حربا شبه سرية أو ما تعرف بحرب الظّل، وبطرق غير مباشرة، وبمشاركة جهات ثالثة، لكن الحرب على غزة واشتعال جبهة الشمال جعلت المنازلة الإسرائيلية الإيرانية ظاهرة ومباشرة أكثر.
وجاء اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي في قلب دمشق قبل أيام، ليصعّد هذا التوتّر ويرفع من احتمالات مجابهة أشد خطورة بين طهران وتل أبيب، التي ترفع درجة التأهّب تحسّبا من محاولة انتقام إيرانية تبدو حتمية بنظر الجانب الإسرائيلي.
وفي ظل الاستعدادات المحمومة، انتقد رئيس حكومة إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت هذه الإجراءات، وقال للإذاعة الإسرائيلية أمس الجمعة إنها عمليا تشجّع إيران على التجرؤ والرد.
وردا على سؤال، قال أولمرت إن القرار باغتيال زاهدي لا يمكن أن يكون متأثرّا بالحرب على غزة، وإن هناك «منطقا» في اغتياله. وتابع «أتمنى أن نملك حصانة كافية لامتصاص ضربة إيرانية محتملة. في كل الأحوال إسرائيل تواجه اليوم حربا متعددّة الساحات لكن هناك احتمال كبير بأن لا تتمدد أكثر مما هي فيه اليوم».
في المقابل، تخشى أوساط في إسرائيل من أن تتفاقم الأمور في الجبهة الشمالية لحد حرب واسعة مع «حزب الله»، رغم أن إيران تريد انتقاما يحفظ لها ماء الوجه دون التورّط في حرب مباشرة وشاملة.

دولة منبوذة

منذ بداية الحرب تتوالى الجرائم والمذابح اليومية التي تقترفها إسرائيل داخل قطاع غزة، وقد طالت عشرات آلاف الفلسطينيين.
وفي الأسبوع الماضي، قتلت أيضا سبعة من طاقم «المطبخ المركزي العالمي «، وقبل ذلك بشهر قتلت وجرحت المئات بقصفها قافلة إغاثة إنسانية وفلسطينيين كانوا ينتظرون التقاط أي شيء منها لسد رمقهم وإطفاء عطشهم.
هذا كله وغيره، لم يدفع حكومات الغرب للقيام بخطوات عملية تضطّر إسرائيل لوقف الحرب. لكن ملايين المتظاهرين في عواصم الغرب خرجوا للاحتجاج. ومع انتشار مشاهد الدمار والنار والموت، باتت إسرائيل بنظر هذه الشعوب والرأي العام دولة مجرمة، وازدادت طينتها بلّة مع تقديم جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهمها فيها بإبادة شعب.

«120 ألف مهجّر إسرائيلي منذ 7 أكتوبر»

ولذا تخشى أوساط إسرائيلية كثيرة أن تكون المذبحة بحق طاقم المطبخ العالمي «قانا الفلسطينية» التي ستدفع العالم لإجبار إسرائيل على وقف الحرب في نهاية المطاف دون أن تحقق أيا من أهدافها المعلنة.
وينضم المعلق للشؤون العسكرية في موقع «واينت» الإسرائيلي رون بن يشاي الى معلقين محليين كثر يرون أن الحادثة وقعت عن «خطأ سيكلف إسرائيل غاليا» (مقابل عدد أقل من المراقبين الإسرائيليين ممن يرونها انعكاسا لسياسة الضغط السريع على زناد قتل الفلسطينيين).
ومع ذلك يرى بن يشاي أن إسرائيل مرشحّة لتسديد ثمن خطأ بشري، وأنها أمام مفترق استراتيجي على طريق نهاية الحرب، خصوصاً بعدما باتت منبوذة في العالم.

الانقسام الداخلي

وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بدا أن الحرب أوقفت النزيف الإسرائيلي الداخلي، وداوت حالة الانقسام الكبير بين أسباط إسرائيلية مختلفة عن بعضها البعض سياسيا واجتماعيا وثقافيا. لكن استمرار الحرب مدة طويلة دون استعادة المحتجزين من غزة، وسط شكوك باتت اتهامات موجّهة الى حكومة نتنياهو بإهمال متعمّد لهؤلاء، فتح الجراح من جديد.
ويبدو الشارع اليوم منقسما، وإن كان أقل حدة مما كان قبل السادس من تشرين الأول / أكتوبر.

«زيادة مخاطر الحرب الشاملة مع إيران»

ومما يزيد الخلافات الداخلية تهرّب الطبقة السياسية الحاكمة من إعلان تحملها المسؤولية عن الفشل الذريع في السابع من أكتوبر.
ويعبر عن ذلك المعلق المستوطن أفرهام اليتسور في مقال نشرته صحيفة المستوطنين «مكور ريشون»، بقوله: «أنبأتنا المواقع الإخبارية قبل نحو شهر بأن مدير مدرسة في اليابان استقال لأنه تم القبض عليه وهو يشرب القهوة في كوب كبير، على الرغم من أنه دفع ثمن كوب صغير. لدى سياسيينا في إسرائيل صفة مؤسفة، وهي الخلط بين أنفسهم وبين مناصبهم، ولديهم قناعة بأنه في حال استقالتهم، لن تصمد دولة إسرائيل».

المجتمع المدني

في المقابل، تسبّبت الصدمة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وفشل الدولة ومؤسساتها في تضميد الجراح وتقديم الخدمات للمحتاجين بتعاظم قوة المجتمع المدني في إسرائيل.
ويؤكد إيهود أولمرت أن طوفان الأقصى شكلّ ضربة مزعزعة ومهينة، و»لولا المجتمع المدني الذي أبدى تصميما وشجاعة لكانت صورة إسرائيل أكثر سوداوية اليوم».
ويقول «ومع ذلك لا يمكن تحقيق نتائج كنا نحققّها في حروب سابقة، ولذا علينا وقف النار الحرب الآن، واستعادة المخطوفين حتى بثمن باهظ. فببساطة نحن دخلنا هذه الحرب بعدما تلقينا ضربة موجعة. لا ننسى أن نتنياهو نفسه هو الذي كان قد أفرج عن 1127 مخربا مقابل جندي واحد، غلعاد شاليط، وهذه المرة علينا أن ندفع الثمن لأننا أهملنا مواطنينا وفشلنا في حمايتهم».

تطبيع مستبعد مع السعودية

لا أحد يعرف الحقيقة كاملة، هل كان منع التطبيع مع السعودية هدفا خططّت له حركة «حماس» مسبقا عندما قررت القيام بضربتها، لكن النتيجة كانت أن ابتعد احتمال هذا التطبيع بطبيعة الحال بعد النكبة التي أنزلتها دولة الاحتلال بالغزّيين. فهل يبقى الواقع السياسي على هذا النحو، أم سيتغيّر لاحقا حيث ستولد في إسرائيل حكومة تتعاون مع بايدن في حال عاد الى الحكم والذهاب الى مشروع التطبيع الكبير مجددا؟
تبدو حكومة الاحتلال في الوقت الحالي غير معنية، وفي المقابل يدعو المرشح لرئاسة حكومتها مستقبلا بيني غانتس إلى تسريع التطبيع مع السعودية لتشكيل تحالُف إقليمي ضد «حماس»، ويطالب بتحديد موعد قريب للانتخابات العامة بغية «الحفاظ على الوحدة الإسرائيلية الداخلية.
وهذا ما يؤكده السفير الأمريكي في تل أبيب في مقابلة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس الجمعة.
وكما أن الفجوة كبيرة بين أقوال العالم وأفعاله حيال هذه الحرب على غزة، هكذا تبدو الفجوة هنا أيضا بين المأمول والموجود في مسألة التطبيع، وليس بسبب العرب، بل بسبب إسرائيل 2024 ولاءاتها الثلاث: لا لإنهاء الحرب، لا للتسوية مع الفلسطينيين، لا للاعتراف بدولة فلسطينية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    6 أشهر من صمود المقاومة الفلسطينية الباسلة الشجاعة التي أبلت بلاء حسنا رغم التفوق العسكري الصهيوني الأمريكي الغربي الحاقد الغادر الجبان الذي لا يستأسد إلا على الأطفال والنساء في غزة فإن أبطال القسام والسرايا والكتائب وأبو علي مصطفى وألوية صلاح الدين والمجاهدين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والعرين وجنين و بلاطة و نابلس و اريحا وعقبة جبر وطولكرم و طوباس ونور الشمس والخليل والجليل وكل شبر من تراب فلسطين من النهر للبحر و الله ناصر الفلسطينيين وهازم عدوهم المحتل اللعين وعد رب العالمين وكان وعد الله مفعولا اقتربت نهاية دويلة السراب والخراب التي تجثم على أرض فلسطين منذ 1948 بدعم أمريكي بريطاني وغربي غادر حاقد جبان سارق لأرض فلسطين ✌️🇵🇸✌️🚀🪂

اشترك في قائمتنا البريدية