استيقظ الإسرائيليون في ذكرى مرور عام على عملية «طوفان الأقصى» بقصف جديد بالصواريخ، استهدف مدينة تل أبيب، وكان مصدره قطاع غزة الذي يواجه منذ عامٍ كامل أعنف حرب في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لتبعث حركة حماس برسالة بالغة الوضوح عبر هذا القصف مفادها، أن المشروع الإسرائيلي في غزة لم ينجح، وأن حركة حماس لم تُهزم، وأن العنف المفرط لا يُمكن أن يحقق أية نتائج. بعد عامٍ كامل من الحرب الإسرائيلية على غزة، لا يبدو أن أياً من الأهداف التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تحقق، كما لا يلوح في الأفق أيضاً أن أياً منها سيتحقق أو قد يتحقق، بل إن الآمال الإسرائيلية تتلاشى ولم يعد الكثير من الإسرائيليين يشعرون بأن جيشهم يحقق أية إنجازات على الأرض، أو يُمكن أن يحقق أياً من أهداف هذه الحرب، التي هي اليوم الحرب الأكثر كلفة على المستويات كافة بالنسبة للدولة العبرية.
وما يؤكد ذلك هو نتائج الاستطلاع الذي أجرته إذاعة «كان» الإسرائيلية بعد 365 يوماً على «طوفان الأقصى»، والذي أظهر أن أغلبية الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل خسرت الحرب ضد حماس في قطاع غزة، فيما أكدت الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين أنهم يرفضون السكن في «غلاف غزة» عندما تنتهي الحرب.
إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي من أهدافها التي خاضت من أجلها الحرب على غزة، في الوقت الذي كان بمقدورها أن تتجه إلى إبرام «صفقة تبادل» قبل عام كامل من الآن
وقال 27% فقط من الإسرائيليين (الربع تقريباً) إنهم يعتقدون أن إسرائيل انتصرت في الحرب على غزة، فيما يعتقد 35% أن إسرائيل خسرت الحرب، وأفاد باقي المستطلعين، أي 38%، بأنهم لا يعرفون الإجابة. في المقابل يقول 14% فقط من الإسرائيليين إنهم يمكن أن يوافقوا على السكن في «غلاف غزة» بينما ترفض الأغلبية الساحقة المتبقية ذلك، بسبب خوفهم من أن يكونوا عرضة لهجمات المقاومة الفلسطينية في المستقبل، وبسبب عدم اقتناعهم بأن جيشهم قادر على حمايتهم وتأمينهم في تلك المناطق. خلال عام كامل من الحرب على غزة، تمكنت إسرائيل من تدمير أغلب البنية التحتية للقطاع، واستخدمت سياسة «الأرض المحروقة» في شمال القطاع، وفي أنحاء واسعة أخرى وما أبقت حجراً على حجر، كما أنها نفذت عملية «إبادة جماعية» غير مسبوقة في التاريخ الحديث، استهدفت بها النساء والأطفال وكبار السن والمستشفيات والمنشآت المدنية، لتحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للحياة، ولكنها رغم ذلك كله لم تتمكن من تحقيق أي من الأهداف الثلاثة التي أعلنها بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى للحرب. كان نتنياهو يريد تحقيق ثلاثة أهداف، وهي: إنهاء وجود حركة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين الموجودين في غزة، والتأكد من أن غزة لم تعد تشكل تهديداً لإسرائيل. ومن الواضح أن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق رغم مرور عامٍ على الحرب، فلا انتهت حركة حماس، ولا استعاد نتنياهو أياً من أسراه (باستثناء من قام جيشه بقتلهم)، ولا أصبحت غزة مكاناً لا يُهدد أمن إسرائيل، بدليل أن الصواريخ انطلقت من القطاع إلى قلب تل أبيب صباح اليوم الـ365 للحرب.
دعونا لا ننسى أن إسرائيل هزمت ثلاث دول عربية في عام 1967، خلال ستة أيام فقط، وخلال هذه الأيام الستة احتلت مساحات واسعة من منطقتنا العربية، بما فيها سيناء التي تبلغ مساحتها 61 ألف كيلو متر مربع، أي حوالي 166 ضعف مساحة قطاع غزة، الذي لم تتمكن إسرائيل حتى اليوم من احتلاله كاملاً ولا السيطرة عليه ولا إخضاعه بعد مرور عامٍ كامل من الحرب. وفي حرب الأيام الستة خسر العربُ أيضاً الجولان السوري الذي تبلغ مساحته 1800 كيلو متر مربع، وهو ما يعادل خمسة أضعاف مساحة قطاع غزة. على الصعيد الاقتصادي، تكبدت إسرائيل خسائر وتكاليف غير مسبوقة خلال عام كامل من الحرب، وهو ما دفع وكالات التصنيف الائتماني كافة، إلى خفض تصنيفها لإسرائيل، بما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الديون، وزيادة في مخاطر التخلف عن السداد، الأمر الذي يُفاقم من تكلفة الحرب.
وتشير بيانات وزارة المالية الإسرائيلية، إلى أن الكلفة المباشرة لتمويل الحرب في غزة حتى أغسطس/آب بلغت 100 مليار شيكل (26.3 مليار دولار)، فيما يقدر بنك إسرائيل أن إجمالي التكلفة قد يرتفع إلى 250 مليار شيكل بحلول نهاية 2025، وهذه التكاليف كلها لم تضع في حسبانها الحرب على لبنان، كما لم تضع في الاعتبار أية توقعات باندلاع حرب شاملة، أو مواجهة عسكرية ولو محدودة مع إيران.
وخلاصة القول هو، أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق أي من أهدافها التي خاضت من أجلها الحرب على غزة قبل عام كامل، في الوقت الذي كان بمقدورها أن تتجه إلى إبرام «صفقة تبادل» قبل عام كامل من الآن، وكان من شأن تلك الصفقة أن تنقذ أرواح العشرات من الأسرى الإسرائيليين في غزة، والآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، الذين لا علاقة لهم بكل ما حدث صباح يوم السابع من أكتوبر.. لكن نتنياهو لم يفعل ذلك وجنح نحو العنف المفرط، وها هو اليوم ينتقل بحربه من جبهة إلى أخرى بحثاً عن صورة انتصار أو حتى عن أي إنجاز.
كاتب فلسطيني
اسرائيل لم يكن يهمها استعادة أسراها بقدر ما كان يهمها استعادة الردع.