7 أكتوبر يحمل الانتكاسات الأربع التي ستؤثر على مستقبل إسرائيل

حسين مجدوبي
حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: 7 أكتوبر 2023 و21 ايار/مايو 2024 من التواريخ التي ستبقى في ذاكرة الإسرائيليين وستشكل لهم كابوسا بشأن استمرار كيانهم، إذ يمثل الأول الانهيار الأمني ويمثل الثاني انهيار الحماية الدولية بعد قرار النيابة العامة لمحكمة العدل الدولية اعتقال رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بجرائم ضد الإنسانية. وهذه التواريخ هي جزء من سلسلة أخرى تشكل أكبر الانتكاسات بفضل حرب التحرير الفلسطينية.

وهكذا، بعد اقتراب حرب قطاع غزة من شهرها الثامن، بدأت تتضح هزيمة إسرائيل الفعلية والمعنوية، ولعل التعبير المناسب هو سلسلة الهزائم والتي تتجلى في الهزيمة الدبلوماسية، والهزيمة الأمنية والهزيمة العسكرية والهزيمة أمام الرأي العام. وتأثير هذه الهزائم والانتكاسات قوي للغاية بحكم طبيعة الكيان كمنتوج أمني قائم على القوة والقهر ومنتوج حمائي يقوم على توفير عدد من الدول الغربية الحماية العسكرية والدبلوماسية له. وعليه كل مس بهذه الأسس هو تهديد لاستمرار الكيان. ويمكن اختيار تواريخ دالة للغاية لهذه الهزائم، حيث لا يمكن فهم مستقبل الكيان ومستقبل الفلسطينيين بدونها.

الهزيمة الأمنية

من ضمن التصريحات ذات المعاني الدالة حول 7 أكتوبر «طوفان الأقصى» ما صدر عن رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق وشغل كذلك منصب وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان، وذلك بقوله مؤخرا في برنامج «راديو سود» إن 7 أكتوبر كشف عن هشاشة الأمن الإسرائيلي. هذا الكلام الصادر عن سياسي يعرف جيدا منطقة الشرق الأوسط هو الذي يتقاسمه خبراء الأمن والاستخبارات بأن الأمن والاستخبارات في إسرائيل فقدا الهالة التي شيدتها لنفسها طيلة عقود من الزمن بصعوبة حدوث اختراق أمني وعسكري لأمنها القومي. تبين كيف أن المقاومة الفلسطينية التي اعتمدت مفهوم حرب التحرير الحقيقية، باستقلالية تامة عن الأنظمة العربية بل وحتى عن السلطة الفلسطينية، هشمت وحطمت هذه الأسطورة. وضربت صورة التفوق التي كانت لدى الموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بالتسرب إلى التنظيمات والتوفر على برامج التجسس الأكثر تطورا في العالم. ويمكن تلخيص هذه التطورات في تعبير «هزيمة بيغاسوس» أي هزيمة الاستخبارات الإسرائيلية.

الهزيمة العسكرية

بمنطق الحساب واعتماد الخسائر البشرية والمادية، تعتبر إسرائيل هي المنتصرة في هذه الحرب، غير أن منطق الحرب يخضع لحسابات أخرى. لقد مارست إسرائيل حرب القرون الوسطى والمتمثلة في إضرام النار في كل شيء بتطبيق الإبادة على البشر والحجر متجردة من أخلاق الحرب. وقتلت إسرائيل أكثر من 35 ألف فلسطيني، وهذا الرقم يدل على عجز إسرائيل حسم الحرب في الميدان، وبالتالي راهنت على ضرب المدنيين بشكل بشع للغاية. لقد خسرت إسرائيل هذه الحرب لأنها تخوض ما يعرف بالحرب غير المتكافئة أمام مقاومة، أي جيش نظامي ضد حركة مسلحة، وبالتالي يكون للخسائر معنى آخر.
وحملت هذه الحرب انعكاسات عسكرية خطيرة، إذ لأول مرة تدخل حركات الحرب وهي لا تجمعها حدود جغرافية مع الكيان في مواجهة معه مثل حالة الحوثيين في اليمن الذين قصفوا السفن المتوجهة الى إسرائيل ابتداء من 17 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ونجحوا في ضرب جنوب الأراضي المحتلة. في الوقت ذاته، كسرت إيران صورة الدفاعات الجوية مثل القبة الحديدية بهجومها يوم 14 نيسان/ابريل الماضي. وكل حرب مستقبلية بين الفلسطينيين وإسرائيل أو حزب الله وإسرائيل ستكون إقليمية ومتعددة الأطراف، لاسيما بعدما فشلت السفن الحربية الغربية في وقف الهجمات الحوثية.

الهزيمة الدبلوماسية

يوم 22 ايار/مايو 2024 يعد نكسة حقيقية للكيان الإسرائيلي، فهو اليوم الذي أعلنت فيه ثلاث دول غربية وهي إيرلندا والنرويج وإسبانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لم تنجح الضغوط الإسرائيلية ولا الضغوط الأمريكية والبريطانية في دفع هذه الدول تأخير الاعتراف. واعترف عدد من دول العالم بالدولة الفلسطينية بما فيها دول وازنة مثل الصين وروسيا والبرازيل علاوة على الدول العربية، غير أن إسرائيل حرصت دائما على أن لا يمتد الاعتراف بفلسطين إلى المعسكر الغربي نظرا لقوته وهيمنته على المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة. وكان الإنذار الأول سنة 2014 عندما اعترفت السويد بالدولة الفلسطينية، ويبقى اعتراف الدول الثلاث دفعة واحدة المذكورة يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري المنعطف الحقيقي، فهو يشكل انشقاقا كبيرا في منظومة الغرب بشأن القضية الفلسطينية. وبدون شك، ستكون الدولة المقبلة بلجيكا والبرتغال، ومن المحتمل جدا فرنسا التي تأخرت كثيرا في إعلان الاعتراف. وقال وزير خارجية فرنسا السابق جان لودريان هذا الأسبوع أن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعد من المحرمات في السياسة الفرنسية».

نهاية الحماية الغربية

تعتبر إسرائيل منتوجا أمنيا وكذلك منتوجا حمائيا، يتمتع بحماية المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة التي وفرت الحماية الدبلوماسية ضد خروقات إسرائيل في حق الفلسطينيين. واستعملت واشنطن الفيتو عشرات المرات في مجلس الأمن لمنع إدانة إسرائيل في الأمم المتحدة. وانهار هذا الصرح الحمائي-الدبلوماسي يوم 21 ايار/مايو الجاري عندما تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب اعتقال رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بتهمة الجرائم المرتبكة في قطاع غزة. وفي حالة تطبيق هذا القرار، ستكون 124 دولة مجبرة على التعاون مع القضاء الدولي في ملاحقة نتنياهو ووزير دفاعه غالانت. وهذه المذكرة تعني الحكم على أن إسرائيل لا تخوض حربا دفاعية عن نفسها بل ترتكب جرائم حرب. ورغم معارضة دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة للمذكرة، إلا أن صدورها يعني نهاية الحماية التي تتمتع بها على المستوى الدولي. ويعتبر صدور المذكرة من طرف هذه المحكمة استمرارا لمحاولات سابقة عندما كان قضاء بعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وبريطانيا يتابع قادة إسرائيل بسبب الجرائم. وقبل أن تستفيق إسرائيل من صدمة طلب اعتقال نتنياهو، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بوقف الهجوم على رفح، واعتبرته الكثير من دول العالم والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ملزما لإسرائيل.

الهزيمة أمام الرأي العام الدولي

تاريخيا، نجحت إسرائيل في الاستفادة من دعم الرأي العام الدولي لها خاصة في الغرب، حيث كانت الجرائم التي ترتكبها تجد تبريرا عاطفيا يعتمد على ما تعرض له اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازية. وكان هذا التعاطف سدا منيعا ضد تطلعات الشعب الفلسطيني للحصول على الحرية والاستقلال.
انتفض الرأي العام الدولي ضد إسرائيل وخاصة ظاهرة الاحتجاجات في الجامعات الغربية وعلى رأسها الأمريكية. ويبقى المنعطف الحقيقي هو الذي حدث في أمريكا اللاتينية وبدأ يمتد إلى عدد من دول العالم، مقارنة بعض قادة هذه الدول مثل البرازيلي لولا دا سيلفا والكولومبي غوستافو بيترو ممارسات إسرائيل بالنازية. لم يعد اللجوء إلى المحرقة عاملا يساعد إسرائيل لتبرير جرائمها بل انعكس عليها. وتشعر إسرائيل بقلق كبير لأنها تدرك تراجع الدعم الشعبي في العالم بل قد يتطور الأمر أن كل من دافع عن إسرائيل وكأنه يدافع عن منتوج إرهابي.
وهكذا، حملت 7 أكتوبر تطورات أكدت على الانتكاسة الاستخباراتية، ثم الفشل العسكري، ونهاية الحماية الغربية وأخيرا انهيار توظيف المحرقة ضد الشعب الفلسطيني. وهي انتكاسات تبرز محطة جديدة في التطورات الجيوسياسية العالمية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فصل الخطاب:

    احتلال إلى زوال مهما طال الحال وعد رب العالمين وكان وعد الله مفعولا اقتربت نهاية دويلة العنكبوت التي ستسقط مثل ورقة التوت ورب العزة و الجبروت الحي الذي لا يموت ✌️🇵🇸😎☝️🚀🐒🚀🐒🚀

اشترك في قائمتنا البريدية