ماذا يعني إيقاف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية؟.. طبيبان عربيان يوضحان

آدم جابر
حجم الخط
1

باريس- “القدس العربي”: قال عبداالله شاهین، طبیب وأستاذ مساعد في قسم الأمراض المعدیة والوبائیة في جامعة براون الأمريكية، وتیسیر الكریم، طبیب وخبیر في العمل الإغاثي في مناطق النزاعات والكوارث حول العالم، مقيم بفرنسا، إنه مما لاشك فیه أن قطع التمویل عن منظمة الصحة العالمیة سینعكس سلبا على عمل المنظمة وعلى سیر بعض مشاریعها، بحيث سيوقف قرابة 400 ملیون دولار تقدمها الولایات المتحدة سنویا للمنظمة؛ ما يعني اختفاء 15% من میزانیتها بین لیلة وضحاها.

وأضاف الطبيبان العربيان أن النقاش يدور حالیا حول انعكاسات هذا القرار على منظمة الصحة العالمية ومدى قدرتها على حماية بعض المشاريع الحيوية، خاصة في بلدان العالم الثالث رغم أنه من المرجح أن تقوم دول أخرى بتغطية هذا النقص في المیزانیة على المدى القریب و المتوسط.

لكن من الضروري أن تغطي النقاشات أیضا طریقة منظمة الصحة العالمية في إدارة أزمة وباء كورونا.. فهل ستقوم بإیقاف المشاریع المعتمدة على هذا التمویل كبعض المشاریع الحیویة في سوریا واليمن مثلا، أم أنها ستقوم بتخفیض التكالیف الإداریة لها مقابل حمایة هذه المشاریع من التوقف وبالتالي حمایة الفئات المستضعفة المستفیدة من هذه البرامج؟.

ويؤكد عبداالله شاهین وتیسیر الكریم أن إداره هذه الأزمة سترسم مستقبل منظمة الصحة العالمية على المدى البعید إذ ستساهم إما في تثبيت وجودها على ساحة العمل الصحي العالمي أو المساهمة في تسریع زوالها. ولايخفى على أحد أن مؤسسات الأمم المتحدة تعاني من مشاكل حادة تتعلق بالشفافیة وحسن إدارة الموارد وطرق الاستجابة وإدارة الأزمات، حتى النجاحات التي تحققها على الأرض یجب أن یعاد تقیّمها على أساس (الخدمة بالنسبة للتكلفة). لكن في ظل هذه الأزمة، قد یكون من الضروري إجراء مراجعات شاملة لمشاكل الوكالات الأممیة وطرح السیناریوهات التي قد تواجهها عاجلا أم آجلا.

فهل المنظمات الأممية بشكلها الحالي أصبحت غير ملائمة لاحتياجات العصر الحديث وتطلعاته خاصة مع الثورة التكنولوجیة المتسارعة والذكاء الصناعي والتغییرات المهولة في السیاسات الدولیة، وبالتالي یجب حلها وإنشاء منظومة أممیة جدیدة، يتساءل الطبيبان.

كما يعتبران أن قطع التمویل لن یتسبب بأزمة مالیة حاّدة، خاصة أن تمویل الولایات المتحدة یذهب بشكل رئیسي إلى مشاریع محددة في بلدان تعتبرها الولایات المتحدة الأمریكیة ذات أهمیة استراتیجیة لسیاساتها الخارجیة والدفاعیة مثل العراق و سوریا والیمن و أفغانستان وكولومبیا وغیرها، حیث یستطیع -نظریا على الأقل- مكتب المساعدة الخارجیة في حالات الكوارث (أوفدا) والمنظمات الأمریكیة أن تلعب دورا فعالا في استمرار دعم المشاریع ومراقبتها بشكل مباشر دون المرور بمنظمة الصحة العالمیة.

والجدیر بالذكر أن منظمة الصحة العالمیة بدأت منذ الآن بإعلام الشركاء المحلیین بأزمة التمویل بخطوة قد یتبعها بإیقاف بعض المشاریع. على أي حال فإنه من غیر المعروف إن كان التمویل المخصص لمنظمة الصحة العالمیة سیتم حذفه من المیزانیة السنویة الأمریكیة، أو أنه أن سیوزع مباشرة إلى الشركاء المنفذین لكن بطرق مختلفة، وربما رؤى سیاسیة مغایرة في ذات الوقت.

ويتابع الكاتبان أنه لربما ساهمت هذه الميزانية “المحررة” في تشكیل جسم جدید یحل محل منظمة الصحة العالمیة. إن سلمنا أن الفشل الإداري في التعامل مع الأزمات الصحیة والأوبئة المتعددة هو الدافع الأساسي خلف سحب التمویل من منظمة الصحة العالمیة؛ فإن الأجسام التنظیمیة الجدیدة قد تشارك منظمة الصحة العالمیة أو تنافسها في برامج الاستجابة للتحدیات والكوارث العالمیة. وهنا یبرز الخوف أنه هذه المقاربة قد تنسف فكرة أممیة الاستجابة (التشارك العالمي في تقریر الاستجابة ومكانها وزمانها عبر الأمم المتحدة) مقابل أحادیة الاستجابة، حیث أن دولا فردیة كالولایات المتحدة تقرر وحدها من یستحق التمویل ومن لا یستحقه ضمن معاییر تضعها هي دون مشاركة الأمم الأخرى في صناعة القرار أو تنفیذه.

ويخلص المقال إلى أنه من الواضح أن الولایات المتحدة الأمریكیة سوف تواصل انسحابها من المسرح العالمي ومن مسؤولیاتها المالیة والقیادیة في الوقت الذي یتجه العالم كله نحو سیاسات قومیة مناهضة للعولمة والتعاون الدولي. وسیكون أثر هذه التوجهات الیمینیة المتعصبة سلبیا على دول العالم النامیة، خصوصا تلك الأفقر أو التي ترزح تحت وطأة الحروب أو الفقر والجفاف والأوبئة. كما أن العالم یشهد تصدعات كبیرة في الأنظمة التالیة للحرب العالمیة الثانیة كما أنه یشهد صعودا متزایدا لدول استبدادیة لا تحترم حقوق الإنسان كالصین وروسیا مقابل تراجع دور الغرب الأكثر لیبرالیة على الساحة الدولیة.

وهذا الأمر لا یعني أن الأجسام البیروقراطیة المترهلة مثل الأمم المتحدة ووكالاتها تستحق الحفاظ علیها والدفاع عنها دون شروط، ودون التزام حقیقي بإجراءات إصلاح جذریة تضمن تطویر بنیة هذه المنظومة وكفاءتها لتلعب الدور الذي أوجدت لأجله.

وعليه، فإنه على صانعي القرار حول العالم إعادة التفكیر في مسار الأحداث المتسارع حول العالم ومقاومة الوقوع في فخ التجاذبات السیاسیة، كما یجب كبح جماح الرغبة بمعارضة قرارات ما لدوافع مرتبطة بالشخص أو الجهة التي تقف خلف تلك القرارات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شهبندر التجار:

    وهذا يدل أيضا أن هذه المنظمات هي أذرع أمريكية وليس أممية كما يدعون ……!

اشترك في قائمتنا البريدية