بعد لجوء الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي إلى الولايات المتحدة ونظرا لتوالي مقالات التشهير به في الإعلام السعودي الرسمي وغير الرسمي، والذي يتكلم جله باسم رجل الرياض القوي محمد بن سلمان، كان من بين المبادرات «الخطيرة» والتي ولا شك هي ما أدى به في الأخير إلى الموت، فكرته عن إطلاق مشروع إعلامي سماه « جيش النحل» للرد على «الذباب الإليكتروني» الذي يستهدفه ويستهدف المعارضين بكل تلاوينهم. بعض مكمن «الخطورة» هو أنه أراد أن يجعل من مشروعه مشروعا جمعيا أي لا يكتفي بالدفاع عنه شخصيا بل يهدف كذلك فضح السياسات السعودية الغاصبة لحريات المواطنين ببلاد الحرمين وبالمنطقة كلها.
ورغم حذر خاشقجي وشريكه في المشروع، المعارض السعودي عمر عبد العزيز المقيم بكندا، فقد اخترقت استخبارات الرياض مراسلاتهما وحصلت على المعلومة كاملة. وهكذا وبعد أن حصل خاشقجي على فيزا كندية حسب قناة أورونيوز لزيارة صديقة لإتمام تحضير مشروع النحل الإليكتروني، غير رأيه وأجل السفر إلى كندا وذلك بعد قرار دفع إليه دفعا بالحصول على الوثائق الضرورية للزواج بالتمثيلية الديبلوماسية لبلاده بتركيا. فقد رفضت السفارة السعودية بواشنطن تسليمه الوثائق الضرورية وثانيا لأنهم «نصحوه» بالتوجه إلى إسطنبول حيث سقط في الفخ القاتل. كان مشروع النحل الإليكتروني قد قض مضجع آل سعود، فما كان منهم إلا أن قرروا التخلص منه بطريقة أبشع من تلك الطريقة التي تخلصوا بها من المعارض السعودي اليساري ناصر السعيد. وكان هذا الأخير قد اختطف في بيروت منذ أربعين سنة خلت من لدن عملاء سعوديين تحت إشراف السفارة السعودية بلبنان. وحسب مقربين منه تم رميه أو رمي ما تبقى منه من طائرة في الخلاء حتى تنهشه الوحوش.
وبالنسبة للبلدان العربية الأخرى غير السعودية يمكن أن نذكر باغتيال الصحافي اللبناني الشهير سليم اللوزي. والذي وقع في فخ شبيه بالفخ الذي سقط فيه خاشقجي. كان اللوزي يعلم أن غول المخابرات السورية يستهدفه ففر إلى لندن.. لكن وفاة أمه ورغبته المشاركة في حفل تأبينها أدى به إلى العودة بالطائرة إلى لبنان. ولما نصحه أحد أصدقائه بالحذر وإعادة النظر في قراره، كان رده «ألا يحترمون حرمة الموت؟» ويمكن في هذا المضمارأن نقول : ألا يحترم بن سلمان حرمة الزواج والمحبة. اختطف اللوزي قرب المطار ووجد جثمانه مرميا بمكان وعر جنوب بيروت على مقربة من القوات الخاصة السورية.
أراد خاشقجي أن يجعل من مشروعه مشروعا جمعيا أي لا يكتفي بالدفاع عنه شخصيا بل يهدف كذلك فضح السياسات السعودية الغاصبة لحريات المواطنين ببلاد الحرمين وبالمنطقة كلها
وحسب الصحافة اللبنانية آنذاك، مثل قاتلوه بجثمانه أبشع تمثيل. وكان مما فعلوه به سلخ جلد ذراعه الأيمن سلخا تاما، كما أذيبت أصابع اليد اليمنى بالأسيد في إشارة إلى ما كان يخطه قلمه من انتقادات للآمرين بقتله. لابد أن نذكر كذلك باغتيال الصحافي المغربي والمعارض اليساري المعروف لنظام الحسن الثاني عمر بنجلون سنة 1975. كان بنجلون قد افلت بأعجوبة من طرد ملغم أرسلته إليه المخابرات سنة 1973 حيث تخلص منه برميه خارج المنزل. أما رفيقه داخل الاتحاد الاشتراكي محمد اليازغي فقد تلقى نفس الهدية في نفس اليوم فلم ينتبه فانفجر الطرد في وجهه وجرح جروحا بليغة نتجت عنها عاهات لا زال يعاني منها إلى اليوم.
أما بالنسبة للاغتيال المعنوي أو الرمزي فيتم استعماله ضد الصحافيين والمعارضين للأنظمة على نطاق واسع بالعالم العربي وهو يتم تقريبا كل يوم وساعة. ولابد أن نذكر هنا بمثال معروف تمت أطواره بالجزائر منذ سنوات وهو اعتقال ومحاكمة مدير الجريدة الفرنكفونية لوماتان محمد بنشيكو ومتابعته والتشهير به على نطاق واسع بمبرر أنه كان بحوزته كمية متواضعة جدا من العملة الصعبة. حكم عليه بسنتين من السجن النافذ.
عندنا أمثلة من تونس بنعلي ومنها قضية توفيق بنبريك الذي اتهمه النظام بمحاولة اعتداء جنسي على فتاة بفندق بباريس ليظهر في الأخير وبفضل القضاء المستقل، هناك، بأن المرأة المعنية كانت عميلة للمخابرات التونسية. ولا يمكن أن ننهي هذا المقال دون الإشارة إلى ما يقع الآن للصحافي توفيق بوعشرين. فقد تناولت عرضه آلاف المقالات والتدوينات والموجزات الخبرية والفيديوهات في حملة منظمة قل نظيرها.
طبعا السبب الأساسي هو انتقاد بوعشرين للسلطة. ولكن حسب معلومات ظهرت بالصحافة المغربية هذا الأسبوع فقد يكون لاعتقال الصحافي المغربي وتشويهه لدى الرأي العام علاقة بضغط سعودي على الرباط. فقد كتب بوعشرين مقالا ناريا ضد محمد بن سلمان وذلك في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 2017 أي أسابيع قليلة قبل اعتقاله. وقد كتب بوعشرين شهادة مهمة من داخل سجنه يقول فيها بالحرف: «لما نشرت افتتاحية «أمير يبيع الوهم» التي أناقش فيها وعود محمد بن سلمان بتحديث البلاد دون حداثة ولا ديمقراطية، اتصل بي صديقي جمال خاشقجي من واشنطن ـ رحمه الله ـ وحذرني من مغبة الانتقام مني بسبب انتقاد حاكم الرياض الجديد وقال لي «إني أعرف عقليتهم». ثم أضاف بوعشرين أنه قبل هذا التنبيه من طرف خاشقجي صرح بوريطة وزير الخارجية المغربي بضرورة توقير آل سعود و«تصريحه منشور في وكالة المغرب العربي للأنباء» حسب مدير أخبار اليوم.
كاتب مغربي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه، فقتله”
أما شهداء الكلمة فأحياء عند ربهم يرزقون ، أما الطواغيت المجرمين فخزي في الدنيا وعذاب في الآخرة