المصالحة الخليجية: على أي أسس؟

حجم الخط
20

قال وزير الخارجية ووزير الإعلام الكويتي بالإنابة، الشيخ أحمد ناصر المحمد الأحمد، أمس الجمعة إن مباحثات «مثمرة» جرت مؤخرا لحل الأزمة الخليجية المستمرة منذ منتصف عام 2017، وهو ما اعتبره نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية» كما رحب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، بالبيان الكويتي، معتبرا إياه دليلا على قدرة المجلس على «تجاوز كل المعوقات والتحديات» وتتابعت التغريات والتصريحات بعد البيان الكويتي، وقال وزير الخارجية السعودي إنه يأمل في التوصل لاتفاق في أقرب وقت لحل الخلاف الخليجي. فيما أشاد بيان عُماني بجهود الكويت وأمريكا حيال الأزمة، كذلك قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة لديها «أمل كبير» في حل الخلاف الخليجي، ورحب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في تغريدة بالتفاهمات التي أعلنتها الكويت بشأن الأزمة الخليجية.
يبدو الخلاف الخليجي المستمر إحدى المفارقات السياسية الكبيرة في المنطقة، وخصوصا حين يؤخذ، في الاعتبار، الاندفاع العلني المحموم، الذي تظهره سلطات الإمارات والبحرين (وهما عضوان رئيسيان في قائمة الدول المشاركة في الحصار ضد قطر) لإنشاء «علاقات طبيعية» مع إسرائيل.
المفارقة فاضحة فعلا، فأبو ظبي والمنامة، منكبتان على تأجيج العداء ضد جارتهما القريبة قطر وشعبها، والتي تجمعهما بها أواصر الجوار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتتشاركان معها عضوية «مجلس التعاون الخليجي» لكنهما اختارتا العداء لها، في الوقت الذي تهللان فيه للتطبيع مع إسرائيل، بل وحتى لإعلان «جبهة موحدة» معها، وتتحديان، في سبيل ذلك، القوانين الدولية (ناهيك عن الأعراف الاجتماعية والأخلاقية) بالترويج للتعامل مع شركات المستوطنات في الجولان والضفة الغربية، وهي مستوطنات مقامة، حسب الأمم المتحدة، على أراض فلسطينية وسورية محتلة، وقائمة على نهب ثروات تلك الأراضي والعدوان على أصحابها.
تكف المفارقة عن ضرورتها، طبعا، حين تكون العلاقات بين النظم وشعوبها، والدول فيما بينها، قائمة على العدوان والتغلب والقوة الغاشمة، وليس على السياسة الواقعية التي تأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب والجغرافيا والاجتماع والثقافة، ويصبح المنطق، في هذا السياق، العداء للقطريين والفلسطينيين (والليبيين واليمنيين والمصريين والسوريين والتونسيين الخ) من جهة، والتحالف مع دولة مؤسسة على الاحتلال والاستيطان.
من المفيد أن نلاحظ أن هذا التحالف بين إسرائيل والإمارات، هو جزء من شبكة عالمية أيضا، تقوم ظاهرة الشعبوية العنصرية التي يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد أهم تعبيراتها، فإدارة ترامب لعبت دور المدافع الأكثر شراسة عن سياسات المستوطنين، ودعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يقصر هو أيضا، عبر نفوذه ضمن اللوبي الصهيوني في أمريكا في دعم اتجاه ترامب، وفيما كان قادة المستوطنين يصلون لفوزه، كانت الإمارات تضع ثقلها السياسي والإعلامي (وربما المالي) لتأمين بقائه في البيت الأبيض.
ولا يمكن أن تكتمل الصورة من دون ربط هذا التحالف بين العنصرية الشعبوية، والاحتلال والاستيطان، والعدوانية السياسية والعسكرية للإمارات وحلفائها، بموجة العداء للإسلام في الغرب والعالم، في الوقت الذي ترفع فيه أبو ظبي شعارات التسامح والتقارب بين الأديان، وهي شعارات مفتوحة باتجاه إسرائيل والعنصريين اليمينيين الأوروبيين، ومغلقة باتجاه الشعوب العربية والإسلامية، والتي كان آخر تعبيراتها، منع الإمارات إعطاء تأشيرات دخول لمواطني 13 دولة عربية وإسلامية، في صدى لقرار ترامب الأول بعد انتخابه ضد مواطني 6 دول مسلمة.
إن أي انفراجات قريبة ممكنة في الموضوع الخليجي، لتكون حقيقية ويؤسس عليها، من الضروري أن تعيد الاعتبار للواقعية السياسية البسيطة، وباحتساب عناصر الوحدة الجغرافية والاجتماعية والثقافية، وقبل كل ذلك، باحترام سيادة الدول وسياساتها الداخلية والخارجية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبوفاطمةالعمرى:

    أمير الكويت الراحل بذل جهودا صادقة،مخلصة وأمنية لثنى أعراب الإمارات ونجد وتابعهم السيسى عشيق ترامب،سعى لردهم لطريق الحق والعقل والمنطق والبعد عن الاكاذيب والتلفيق والعدوان على قطر،لكنهم كابروا وغالوا واغتروا ووضعوا شروطا حالمة متوهمين بأن قطر ستخنع وتخضع لابتزازهم ومؤمراتهم،ولم يستجيبوا لأمير الكويت!ثم جاءهم الصهيونى الشحات كوشنر بأوامر وإرغام على مصالحة قطر الذى كان هو محرضا على مقاطعتها،فخضعوا بذل لأوامره وهاهم يسعوا ويركضوا خانعين بعد مكابره وصلف، متوسلين قطر للمسامحه والمصالحه.
    مشكلة الأعراب حكام نجد والإمارات انهم عبيد للغرب.وعندهم(كل فرنجى برنجى)اى كل غربى اشقر الشعر خارجى كلامه يوضع اولا وينفذ بلا جدال.

  2. يقول بيبرس:

    امريكا صنعت النزاع وامريكا حلت النزاع .

  3. يقول عبدالله العربي:

    نعم تألمت قطر اقتصاديا، أكثر منه سياسيا،من هذا الحصار، لكن تظل قطر هي أكبر مستفيد من هذا الحصار الغبي :
    ١. الشعب نفسه اقتنع قبل الحكومة بالبناء فعلي لمشاريع اكتفاء ذاتي شملت وزراعة مواد غذائية وحتما ستتضمن قطاعات اخرى.
    ٢. التفاف أكبر حول الشيخ تميم، حينما تستفيق اي دولة على هكذا غدر وخيانة وحصار، يلتف الشعب حول القائد حتى وإن كانوا لا يتفقوا معه. فكيف بالشيخ تميم الذي كان محبوبا من شعبه.
    ٣. أعطى الحصار لقطر المبرر والقوة والجرأة لتصبح أكثر حرية واستقلالية في قراراتها بعد أن كانت ربما تراعي السعودية في بعض القرارات كحرب اليمن.
    ٤. أدخلت قطر قوات حليفتها تركيا إلى قلب الخليج بعد ان كان ذلك من رابع المستحيلات قبل الحصار، وأصبحت قوات أردوغان على حدود السعودية، وقوت قطر بذلك أمنها.
    ٥. عالميا، ظهرت قطر كدولة محترمة تخاطب المؤسسات العالمية وتحتكم للمحاكم الدولية عند النزاعات، وليست كدولة متهورة تلجأ للحصار والاستقواء عند النزاع.

  4. يقول عبدالله العربي:

    يتبع..
    ولا تزال قطر تجني فوائد هذا الحصار.
    (نرجو من صحيفة القدس ان تكتب مقالا أكثر تحليلا لفوائد قطر من الحصار).

    ويظل السؤال الكبير هو: ماذا استفدت السعودية من هذا الحصار؟

  5. يقول عبدالله العربي:

    أكاد أجزم أن بن سلمان يعض أصابعه ندما على هذا الحصار بعد المكاسب التي جنتها قطر من هذا الحصار.
    لكنها العزة بالإثم والحرص على الحفاظ على ما تبقى من بلل وجه (ولن أقول ماء وجه) التي لن يخفيها قوله عن حصار قطر أنه: مسألة صغيرة جدا جدا جدا!

    لو تقول (جدا جدا جدا) من الان إلى أن يحين أجلك لن يغير هذا من حقيقة ندمك وغباىك!

  6. يقول سامح //الأردن:

    *الطفل الصغير بات يدرك أن (قطر)
    على حق ودول الحصار الظالم على باطل.
    (أمريكا) للأسف الشديد تلعب بدول
    الخليج كما تشاء.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  7. يقول فادي-- فلسطين:

    على اهلنا في قطر ان يبقوا حذرين٠٠٠ هؤلاء لا امان لهم

  8. يقول ماغون:

    من استهود لا يمكنه أن يسالم مهما هاود.
    يمكن تجربة بسيطة لما تسمى مصالحة، فلتكن الأماكن المقدسة؛ حيث مكة والمدينة؛ منطقة خاضعة لدول الخليج ولتأخذ إدارتها بالتناوب كل خمسة مواسم حج دولة خليجية ….

  9. يقول قطز:

    ما بين غمضة عين و إنتباهتها يغير الله من حال إلى حال ألف مبروك لقطر قيادة و شعبا و للشعوب الخليج العربية مبروك للجميع ع المصالحة بين الأشقاء رحم الله شيخ صباح الأحمد الصباح و طيب الله ثراه و شكرا أردوغان

  10. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    وفق جميع المعطيات السياسية التي افضت إليها أزمة الخليج و بعد كل ما تخبطت به السعودية أثناء الازمة نتيجة إدارتها من قبل الصبي الاهوج، و ما تزال تتخبط به الإمارات على يد الافعى، و ما ينفذه التابعان البحريني و المصري حسب ما يطلب منهما من قبل الاهوج والافعى ،فإن كل النتائج التي تمخض عنها الحال اليوم، اقول انه آن لقطر و من يدير سياستها ان تمد رجلها و تفرض شروطها..
    و طريقة إدارة الازمة من قبل قطر ، سياسياً و اخلاقياً و إعلامياً، لا شك عندي، ستدرس في معاهد السياسة و الدبلوماسية و الإعلام في العالم و ستكون محل مواضيع كتب و مقالات عالمية رصينة… و ستذكرون ما أقول لكم.

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية