المفاوضات من أجل المفاوضات… كيف تستثمر إسرائيل الوقت؟

حجم الخط
1

قال إسحاق شامير بعد مؤتمر مدريد للسلام سوف أفاوض الفلسطينيين عشرة أو عشرين سنة ولن يحصلوا على دولة.
وكان هرتزل أدق في تحديد السقف الزمني لإقامة دولة اليهود في فلسطين قال “إذا قلت إن الدولة سترى النور بعد خمس سنوات سأكون أضحوكة العالم لكن بعد خمسين عاما ستقام الدولة ويشاهدها العالم”

المؤتمر الصهيوني الأول

كان تصريح هرتزل في جلسة انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 ، نجد أن الساسة في إسرائيل في ما بعد تأثروا كثيرا بنهج ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر الذي يقول: “أوهم العالم أنك تتحرك، لكن في حقيقة الأمر أنت ثابت التلون في المواقف السياسية”
هذا ديدنهم، وترحيل البت في القضايا السياسية الى أجل غير مسمى هو تكتيك تفاوضي خبيث. تكلم نعوم تشوميسكي عن الاستراتيجيات العشر لإلهاء الشعوب، يقول في البند الأول وهو “الإلهاء” هذه الاستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم في المجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل المهمّة.
وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل المهمّة، منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 تم تأجيل التفاوض على المستوطنات الى اتفاق الحل النهائي، وبهذا أطلق لها العنان لكي تسابق الزمن في إقامة المستوطنات ومصادرة الأراضي.

مصادرة الأراضي

الهدف الخفي غير المعلن هو تقليص حجم الأراضي المتفاوض عليها وفي الوقت نفسه، تقول إسرائيل إنه لا مفاوضات على القدس، وهو من ضمن اللاءات الأربع، لا عودة لإسرائيل لحدود 1967 ولا لإزالة المستوطنات، والأهم هو دولة فلسطينية منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح، بهذا يكون المفاوض الإسرائيلي أدخل المفاوض الفلسطيني في متاهة، وهو يدور في حلقة مفرغة التكتيك التفاوضي هو إطالة أمد المفاوضات الى ما لا نهاية.
قصة البقرة دليل قوي على عناد اليهود وصلفهم، نحن نتكلم عن فكر تفاوضي إسرائيلي غامض يعرف ماذا يريد، ولكن يراوغ كثيرا في كسب الوقت لصالحه، وهذا يسمى في علم التفاوض هو التعقيد وفرض التفصيلات المملة والخوض في أمور تحجب الوصول إلى الهدف النهائي في تحقيق مصالحة وسلام مقابل الأرض.
وعند الخوض في مفهوم الدولة الفلسطينية في الأدبيات السياسية للأطراف الرباعية بشكل خاص، نجد أنها دولة تحددها موازين التفاوض بين الأطراف، وليست دولة تحددها قواعد القانون الدولي وقرارات المحاكم الدولية أو قرارات مجلس الأمن الدولي، طرح ما في جعبة المفاوض من خيارات تستند بالدرجة الأولى ما لديه من قوة يستند إليها.

خيوط اللعبة

الاختلال في معادلة الموازين تبقي الطرف الضعيف في حالة خسران دائما، في الحالة الفلسطينية الإسرائيلية تتشكل خيوط اللعبة والمراوغة، تبقى المفاوضات فقط من أجل المفاوضات، وهنا يبرز عامل التأجيل والكيل باتهامات للطرف الفلسطيني أنه غير قادر على أن يجلس على طاولة المفاوضات وحجج كثيرة منها الانقسام وكيف نجلس مع خصمين، أحدهما لا يعترف بإسرائيل ويعلن علينا الحرب بين فترة وأخرى، ويعرض مدننا للقصف، أما الطرف الآخر من طرفي الصراع وهو الرئيس محمود عباس فهو برأيهم يغذي الإرهاب بطريقته الخاصة ويقوم بدعم الإرهابيين (الأسرى والجرحى) من خلال صرف مخصصاتهم الشهرية على حد قولهم.
إذن نحن أمام مشهد تمثيلي رهيب، لقد استطاعت إسرائيل أن تمد عمر المفاوضات ليس كما صرح شامير لعشرين سنة فقط، لقد وضع منهجا لمن خلفه أن تبقى المفاوضات تدور في مكانها دون أن تأتي أكلها، وهذا يعني كسب مزيد من الوقت، وهم يسعون إلى تسارع وتيرة الاستيطان التي لاحظناها في العقد الأخير، وفي ظل حكومات يمينية متطرفة دُق في نعش المفاوضات المسامير الأخيرة، مما حدا بالرئيس البديل بينيت أن يرفض مطلقا مقابلة الرئيس محمود عباس او حتى الاتصال معه.

البدء من نقطة الصفر

لقد اكتفى بينيت أن يسمح لوزير دفاعه غانتيس بلقاء الرئيس عباس ضمن شروط تتعلق في تحسن الوضع المعيشي للفلسطينيين، لو شرحنا موقف بينيت وغيره من قادة إسرائيل نجد أن الجلوس على طاولة المفاوضات استبعد نهائيا. وقبل ذلك كان الخلاف على كيفية البدء في المفاوضات، والخلاف على البدء من نقطة الصفر هذا الطرح كان إسرائيليا، أما المفاوض الفلسطيني كان يصر على أن يخوض في مفاوضات الحل النهائي.
إن المفاوضات ليست فنا أو غاية للوصول الى حل يرضي الطرفين، في الحالة الإسرائيلية هو كذب وتضليل، لقد أفقد الاحتلال قيمة المفاوضات وصبغها بأقذر صفة، ورغم وصول المفاوضات لطريق مسدود إلا أنها مستمرة حسبما تريد إسرائيل.

الخلافات العربية

المسارات التفاوضية والهرولة نحو التطبيع واستفحال الخلافات العربية والفلسطينية الأخيرة كل هذا أدى في المجمل الى غياب المطالبة بإجبار إسرائيل للجلوس للبت في قضايا الحل النهائي، فأصبح المشهد الآن هو التفاوض الاقتصادي حسب نهج بيرس بعدما تم دحر النهج التفاوضي السياسي.
موجز القول إن إسرائيل نجحت وببراعة في فرض مسار تفاوضي حسب شروطها وفلسفتها غنمت الوقت وفازت بالأرض وفل نجم السلام مع الاحتفاظ قدر الإمكان بالاتصالات بين الأطراف العربية والطرف الفلسطيني كسراب يحسبه الظمآن ماء، في ظل عالم عربي متفسخ وسباق دولي وبناء تحالفات إقليمية ودولية بعد حرب روسيا مع أوكرانيا وتواطؤ أمريكي أزلي مع إسرائيل، مثل أسطورة طائر العنقاء الذي يخرج من تحت الرماد ليفترس فريسته في الوقت المناسب هو حالنا مع الاحتلال.

كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فادي / لبنان:

    ليست اسرائيل من نجحت وفرضت وانما تقاعس السلطة ومنظمة التحرير وتخليها عن المقاومة
    والسلاح سبب الواقع الذي نعيش فيه فإستغلته
    اسرائيل .
    كانت م.ت.ف تقول السلاح بيد وغصن الزيتون باليد
    الاخرى فإذ بها تقدم الغصن مع السلاح مقابل لا شيء .
    احد المشاركين في اتفاقات اوسلو ( تخونني الذاكرة بذكر الاسم ) افصح بعدها عن استهجانه واستغرابه
    بتوقيع الفلسطينيين على تلك الاتفاقات .
    لم يكن اغتيال ابو جهاد الوزير وابو علي اياد
    محض صدفة قبل اوسلو بقليل.
    اتمنى على القدس ان لا يضيق صدرها كثيرا لتعليقاتي

اشترك في قائمتنا البريدية