حراك قانوني تخوضه نقابة المحامين الفلسطينيين يشلّ المحاكم احتجاجا على سيل “القرارات بقوانين”

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ “القدس العربي”: خرج المحامون في كامل زيهم الرسمي يحملون الأعلام الفلسطينية، فيما رفعوا رايات ضخمة كتبت عليها مطالبهم وشعاراتهم، في حراك قانوني يعتبره مراقبون الأكبر منذ سنوات، على قرارات بقانون أقرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل 4 أشهر.
وأكد المحامون في وقفتهم على دوار المنارة وسط مدينة رام الله، على رغبتهم بأن يكونوا شركاء مع الجهات الرسمية، ورفض تجاهل مطالبهم، وممارسة دورهم بصفتهم حراس القانون والحقوق والحريات العامة، وذلك ضمن الفعاليات الاحتجاجية التي استمرت لليوم الثاني على التوالي التي تنظمها نقابة المحامين الفلسطينيين.
وتعد النقابة الحراك القانوني بمثابة تصعيد في إجراءاتها النقابية التي تضمنت تعليق العمل أمام المحاكم، بهدف وقف تنفيذ القرارات بقانون المعدلة لقوانين التنفيذ وأصول المحاكمات المدنية والتجارية والإجراءات الجزائية يومي الإثنين والثلاثاء.
وتضمن جدول الفعاليات الاحتجاجية، أمس الثلاثاء، إلى جانب تنظيم اعتصام سلمي بالزي الرسمي (روب المحاماة) على دوار المنارة، التوجه بمسيرة سلمية نحو مقر الرئاسة لتسليم رسالة احتجاجية للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وكانت نقابة المحامين قد أعلنت في بيان صحافي صدر عن مجلسها، الأحد الماضي، عن ضرورة وقف القرارات بقانون وإلغاء آثارها دفاعًا عن حقوق وحريات المواطنين ومبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء.
وقررت النقابة اتخاذ خطوات احتجاجية التي سيعلن عنها تباعًا وبشكل يومي بدءًا بتعليق العمل الشامل طيلة يومي الإثنين والثلاثاء أمام المحاكم النظامية والتسوية والعسكرية والإدارية، وأمام كافة النيابات المدنية والعسكرية والإدارية والدوائر الرسمية وكتّاب العدل، بما يشمل عدم المثول في طلبات تمديد التوقيف والطلبات المستعجلة وإخلاء كافة المحاكم وعدم التواجد فيها، باستثناء الإجراءات المتعلقة بالمدد القانونية.
وعقدت النقابة مؤتمرًا صحافيًا في مقر النقابة برام الله، أمس الأول الإثنين، نوهت خلاله إلى أنها أتاحت كافة الفرص للجهات المعنية بضرورة الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات نقابة المحامين على القرارات بقوانين المذكورة، وضرورة عرضها للنقاش المجتمعي لما لها من آثار خطيرة على السلم الأهلي وحق الأفراد بمحاكمة عادلة والتقاضي أمام قاضيهم الطبيعي.

سيل جارف من القوانين
بدوره قال سهيل عاشور نقيب المحامين الفلسطينيين، إن القرارات بقانون التي أصدرتها السلطة الفلسطينية تمس الحقوق والحريات، وتنال من مبدأ سيادة القانون وتمس السلم الأهلي أيضا.
وأكد عاشور في حديث صحافي أن مجلس النقابة تواصل مع كافة أركان العدالة، على اعتبار أن النقابة شريك أساسي في أركان العدالة، على أمل الخروج بصيغ توفيقية، رغم موقف النقابة الرافض والواضح نحو القرارات الأخيرة التي تتعامل النقابة معها على أنها أمر واقع ونتيجة للحالة الفلسطينية الخاصة. وشدد على أن القرارات الأخيرة تتعارض مع الصالح العام ومصلحة المواطنين.
وتابع في حديثه: “أعددنا مذكرات إيضاحية للتعديلات التي نراها مناسبة وسلمت للمجلس التنسيقي الذي يجمع المؤسسات المدنية والجهات الرسمية، إلا أن كافة الجهود تكللت بالفشل، ولم يجر أي تعديل باستثناء قانون التنفيذ الذي تم التوافق على التعديلات من دون أن تأخذ في عين الاعتبار” .
واعتبر عاشور أن تعليق العمل اليوم و أمس هو فعل تحذيري وشامل، على أمل أن ينتصر الرئيس محمود عباس لشعبه ومواطنيه ومطالب النقابة في ظل أن القرارات والنصوص الجديدة تمس الحقوق والحريات، وهي نصوص تتعارض ومبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون، وتهدم قاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وأكد أنه في حال لم يستجب الرئيس الفلسطيني لمطالب نقابة المحامين فإن الاحتجاجات ستستمر، حيث سيكون هناك لقاء تقييمي مساء (اليوم) أمس حيث سيعلن عن مزيد من الاحتجاجات وخطوات التصعيد.
وأضاف عاشور أن رئيس الوزراء الفلسطيني قام بالاستجابة قبل فترة قصيرة لاحتجاجات نقابة المحامين بوقف نفاذ قانون رفع الرسوم على المعاملات والقضايا في المحاكم الفلسطينية بعد أن رفعت أسعارها من 500 دينار إلى 2500 دينار.
ووصف عاشور الحالة الفلسطينية بالشائكة، معتبرا أنه لا يوجد ما يبرر هذا الكم من القرارات بقانون في ظل أن فلسطين تمر بظرف خاص حيث يغيب المجلس التشريعي منذ سنوات طويلة. وهو الأمر الذي يستغله بعض الدوائر وبعض الجهات الرسمية في صياغة القوانين التي تعرض على الرئيس على عجل لتقر رسميا.
واعتبر عاشور أن نقابة المحامين هي النقابة الوحيدة التي تعمل بقانون صادر عن المجلس التشريعي عام 1999، وهو ما يمنحها دور “حامية القانون والحريات والمدافعة عنها، وهي ملزمة بتنظيم الفعاليات والاحتجاجات في حال وجود خرق للقانون أو مخالفات دستورية”.
وشدد على أن النقابة في إجراءاتها تقوم بالواجب الملقى على عاتقها بموجب نصوص القانون الناظمة لمهنة المحاماة، معتبرا أن “القوانين التي تخوض النقابة حراكا ضدها لا تتعلق بنقابة المحامين أو بالعمل المهني، بل بالمواطن أولا، إنها معركة لمصلحة المواطن ومصلحة أركان مؤسسات الوطن”.
وأكد عاشور أنه لا يوجد ما يبرر صدور القرارات بقانون بهذا الكم الهائل الذي يشبه السيل الجارف.
وتوجهت المسيرة الحاشدة احتجاجًا على إنفاذ القرارات بقانون المتعلقة بالإجراءات الجزائية وأصول المحاكمات المدنية والتنفيذ، إلى مقرّ الرئاسة في شارع الإرسال لتسليم رسالة احتجاجية للرئيس، وفي حال استجاب الأخير لمطالب المحامين فإن الإجراءات ستتوقف وسيعود الأمر لسابق عهده في المحاكم، لكن في حال لم يستجب لمطالب النقابة فإن إجراءات التصعيد سيعلن عنها مساء اليوم.

تمس ثلاثة قوانين

من جانبه أوضح عضو نقابة المحامين أمجد الشلة في حديث صحافي، أن القرارات بقوانين صدرت قبل أربعة أشهر، وتتحدث حول تعديلات جوهرية في ثلاثة قوانين رئيسية، وهي قانون التنفيذ الفلسطيني وقانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني، وقانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية الفلسطيني.
وأضاف الشلة في حديث صحافي أن نقابة المحامين أعلنت رفضها لهذه التعديلات في حينه، وتم الاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى على تأجيل نفاذ هذه القوانين لمدة ثلاثة أشهر، وبعد انتخابات نقابة المحامين الأخيرة، استطاع مجلس النقابة الجديد باجتماعه مع رئيس مجلس القضاء الأعلى أن يؤجل نفاذ هذه التعديلات مرة أخرى لمدة شهر لغاية الأول من تموز/ يوليو الجاري، وبالتالي نفذت وسرت هذه القوانين.
لذا أكد الشلة أن نقابة المحامين ترى أن هناك خطورة تتعلق ببعض هذه التعديلات التي وردت في هذه القوانين، خاصة فيما يتعلق بقانون الإجراءات الجزائية بحيث أن هناك تعديلات تمس بمبادئ المحاكمة العادلة وتخل بمركز المتهم القانوني، وتخل بمركز الدفاع عن المتهم القانوني.
بالتالي ترى نقابة المحامين أن هناك حاجة ماسة لإلغاء بعض المواد التي وردت في هذه التعديلات وتعديل بعض المواد الأخرى، بحسب الشلة، الذي أكد أن مجلس النقابة اجتمع (أمس) بصورة عاجلة وقرر اتخاذ مجموعة من الخطوات من ضمنها إعلان الإضراب الشامل اليوم (أمس).
وفي سياق متصل أعلنت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم” في بيان صحافي يوم 7 آذار/ مارس الماضي عن أسفها لإصدار تلك التشريعات دون إخضاعها للحوار والتشاور مع الأطراف ذات العلاقة، بمن فيها نقابة المحامين النظاميين ومؤسسات المجتمع المدني، وبخاصة، في ظل وجود العديد من الملاحظات الجوهرية حول تلك التشريعات لمخالفتها القانون الأساسي وتأسيسها لانتهاكات تمس حق الإنسان في المحاكمة العادلة بداعي سرعة البت في القضايا.
وقالت الهيئة في بيانها إن تعديلات قانون الإجراءات الجزائية تمس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المكفولة في القانون الأساسي، وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها فلسطين.
وطالبت الهيئة بضرورة وقف سريان التشريعات المعدلة للقوانين القضائية حتى يتسنى دراسة تلك التشريعات وإبداء ملاحظات عليها والعمل على معالجتها.
وأوصت بتشكيل لجنة وطنية لدراسة تلك التشريعات تضم في عضويتها جميع مؤسسات قطاع العدالة بما فيها نقابة المحامين النظاميين ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بسيادة القانون وحقوق الإنسان.
وتتهم نقابة المحامين ومؤسسات مجتمع مدني مجلس القضاء الأعلى بالدفع باتجاه إصدار تلك التعديلات القانونية التي أثارت الجدل مؤخرًا، لمعالجة الاكتظاظ القضائي في المحاكم، وإن كان ذلك على حساب المواطن.
وأكدت نقابة المحامين في بيانها الذي صدر اليوم عن تعليق العمل الشامل أمام كافة المحاكم النظامية والعسكرية والإدارية يوم أمس الثلاثاء بشكل كامل، مع التأكيد على سلمية الاعتصام والمسيرة، وعدم الاحتكاك والمحافظة على الممتلكات العامة وعدم الخروج عن أهداف الاعتصام والمسيرة، وضرورة الالتزام برفع العلم الفلسطيني والشعارات المعدة من النقابة مسبقا، والتأكيد على ان المسيرة صامتة، وإحالة المحامين الذين انتهكوا تعليق العمل المعلن من النقابة الى مجالس التأديب، موقوفين عن العمل لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية