عندما رأيت الأعلام الإسرائيلية ترتفع على حدود معبر رفح تذكرت أمل دنقل. كان الشاعر المصري الكبير يقف أمام هاوية الصُلح مع إسرائيل عندما كتب قصيدته «لا تصالح».
لم يلجأ دنقل إلى استعارات غريبة أو إلى غُلوّ في الوصف، بل ذهب مباشرة إلى موضوعه، وكتب شعراً عارياً كي يصل إلى جوهر الكلام.
الكثيرون، عندما صدرت هذه القصيدة، اعتبروها عودة إلى الوراء، لكنها في الواقع كانت قفزة إلى الأمام، ولا تزال إلى اليوم في التداول بين شبان وشابات العرب.
«لا تصالح»، ليست دعوة إلى الحرب بل هي دعوة إلى استعادة الكرامة. والكرامة صارت عند عرب السلطة اليوم مسألة نادرة، إن لم تكن لا وجود لها.
التقط دنقل جوهر معاهدة كامب ديفيد التي جردت، أولاً مصر من كرامتها، ثم جرّت بقية العرب إلى العُري من الكرامة تشبهاً بالنموذج الذي اخترعه السادات.
«لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى»
لكنهم أيها الشاعر لم يضعوا جوهرتين، بل فقأوا العينين وتركوهما مفتوحتين على الفراغ.
لقد رأى الشاعر بعينيه كيف امتزج الخراب بالخراب والهاوية بالهاوية، لذا حذرنا ممن فقأوا عيوننا وادعوا أنهم يأخذوننا إلى نور السلام.
انظر أيها الشاعر كيف جلس صديق السادات، محمود عباس، وأجلس خلفه العمامات واللحى وتغرغر بكلام الخيانة داعيًا الشعب الفلسطيني إلى حماية أمن إسرائيل، في الوقت الذي تجري الدماء في قطاع غزة ويتم العثور على مقابر جماعية في كل يوم. وامتلك وقاحة أن يصف انتفاضة 7 أكتوبر بالاحتلال الفلسطيني لإسرائيل.
«لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيفوهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح»
غريب كيف انتشرت هذه الشائعة الصهيونية بأن الفلسطينيين اعتدوا على إسرائيل من غزة.
من يعيش في غزة؟
«ثمانين في المئة من سكان غزة هم من اللاجئين الذين طردوا من أرضهم عام 1948»، هذا هو جوهر خطاب موشيه ديان وهو يرثي الجندي روعي روتبيرغ الذي قُتل في مستعمرة «ناحل عوز» التي بُنيت على أنقاض قرية فلسطينية مهجرة في قطاع غزة.
فالإسرائيليون والأمريكيون يعرفون بالضبط لماذا حدثت انتفاضة 7 أكتوبر، ويعرفون أن الأرض لا تبتلع دماء أبنائها بسهولة بل تتركها في انتظار العودة. أما الأعداء الذين أتوا لتدمير الأرض فتقوم الدبابير بتدميرهم، انتقاماً للأرض واحتفالاً بخروج السنوار من رفح إلى خان يونس.
يا للخيبة، كيف تحول قائد المقاومة في غزة إلى مطلق أسرار الطبيعة!
لم تكن عملية رفح مفاجئة، لكنها فاجأت التسلط الأمريكي في جولة صراع حدوده مرسومة سلفاً، من هنا هذا الضجيج الأمريكي حول العملية. ومن هنا، هذا الصراخ الإسرائيلي الداعم الذي يعيّر الأمريكيين بتاريخهم الأسود ومجازرهم. كأننا صرنا في مباراة زجل بين المجرمين على من هو الأكثر دموية وتوحشاً.
ماذا ننتظر؟ لا نستطيع أن ننتظر، فالانتظار يعني الموت. والشعب الفلسطيني لن يموت.
الجواب هو المزيد من المقاومة ومن حشد التأييد العالمي لقضيتها، ومزيد من خلخلة البنية العميقة للاستعمار الذي فرض على العالم الصمت طويلاً.
لقد كسرت غزة الصمت بالدم. ثمن الكلام كان دماً وألماً وتهجيراً وجروحاً. لا نستطيع أن نبتلع كلامنا لأننا لن نبتلع دمنا.
«إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح
ولا تتوخ الهرب»
لكن هناك من هربوا وصنعوا من الهرب أسطورتهم ومن الاستسلام علامتهم وكانوا ملوكاً وأمراء وأسياداً على العرب في هذا الزمن الموحش.
هربوا وحاولوا إقناعنا أن الهرب هو وسيلة خلاصنا لنجد أنفسنا في جحيم البؤس والمهانة. فأخذوا أمتهم بتاريخها إلى اتفاقات إبراهام وهناك لم يجدوا لا أبراهام ولا إسماعيل ولا أحد سوى خيبتهم.
صنعوا من العرب أمة من الخيبات، غير أن الفلسطينيين ومعهم ما تبقى من أحرار العرب رفضوا وسيواصلون رفض هذا النوع من الصفقات.
أنت وحدك أيها الفلسطيني، فاقبض على أرضك بيديك الاثنتين وقل مع الشاعر:
«لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ
لا تصالح
لا تصالح».
نعم عارنا نحن افراد الامه التي تري هذه الاباده الجماعيه ولا تري حراك يذكر سوى العويل فنحن تركنا مصيرنا الي هذا العار الذي ولدنا وراينا انفسنا عليه فنكبة امتنا قديمه قدم عارنا لكن الامل أمامنا ونحن نرى بطولات تثبت قدرتنا على فعل المزيد فابطالنا المجهولين الذين ضحوا بكل حياتهم من أجل رفع روؤسنا عالية خفاقة تحاكي النجوم برغم الألم الشديد الذي يعتصر قلوبنا
سبحان الله العظيم: قصيدة: لا تصالح، لللشاعر العربي الكبير أمل دنقل، كأنها كتبت اليوم. كأن أبياتها تُغترف من محبرة ما يجري من مذابح ومجازر في غزة، ومن إهانة وإذلال للنظام الرسمي العربي المتصالح مع الكيان الصهيوني العنصري المجرم.
توقعات الشاعر دنقل في قصيدته: لا تصالح، كلها مجسدة اليوم في القطاع والضفة، وفي السحنة الكالحة للنظام الرسمي العربي المتسلط على منطقتنا.
الله يرحمك يا أمل دنقل، والشكر للكاتب إلياس الخوري على توظيفه الجيد لهذه القصيدة الرائعة في تناول هذه المذبحة التي تجري أمامنا وفي تشخصيه لهذه المهزلة العربية الرسمية التي لا مثيل لها…
«إنها الحرب قد تثقل القلب لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ولا تتوخ الهرب
لا تصالح فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد
وسواك المسوخ
لا تصالح»
*
بعض الكلمات للتوضيح وإزالة الالتباس –
الخطاب هنا للعربي الثائر والمقاوم وليس فقط للفلسطيني مع الاحترام !!
متى نشفى من أمراض العصبية القبلية حتى في أشد اللحظات حَرَجا ؟؟
متى نتخلّى عن عقليات “داحس والغبراء” حتى في لحظات المقاومة ؟؟
**
صدقت أخت ليلى الصباغ
ملاحظة هادفة جاءت في محلها
تحية طيبة
من الاخيرلاتصالح ولاتعايش ولا تطبيع مع اللقطاء التاءهين.
صدق أمل ذنقل في قصيدة “لا تصالح ” مع العدو الإسرائيلي،لأن في
سيرورة الصلح مع المحتل دون تحقيق نصر عليه يعني: الخضوع له وهدر الكرامة والتفريط في السيادة وقد تأكدت نبوءات أمل ذنقل ،كما تأكدت مثيلتها لدى نزار قباني ومحمود درويش ومظف النواب .
النزاع على الأرض، والموضوع اخذ وجه ديني، ولا حلول في الأفق! حرب الصقور لن تدوم، ولا بد من الجلوس لفهم أعماق المشكلة التاريخية. هناك زعم ديني أن الأرض ملكهم، لكن التاريخ يقول لا، والمسألة تعدي على حق الشعب الفلسطيني، لعل حل الدولتين هو الأفضل بدل الإبادة الجماعية!
شكراً أخي الياس خوري. لو بنفع التصالح والسلام لتغير واقع الحال. أذكر جيداً كيف تدمير السلام وميف تحول إلى كابوس للفلسطينيين جعلت حالهم أسوأ بكثير بعد ذلك. ولأن ليس فقط نرى عواقب هذا التطرف والفاشية الصهيونية بل نرى بعض الأنظمة تتابع التطبيع وتستمر به وتعمل له رغم كل ماحصل ويحصل! اللي بيجرب المجرب عقله مخرب لكن أين نحن من عقول هؤلاء الذين جعلوا من مصيرنا من أسوأ إلى أسوأ.