فاضل الربيعي: اسرائيل قبيلة عربية بائدة وموسى وسليمان وداود انبياء وملوك اليمن القدماء

حجم الخط
0

يعتبر اصرار بعض الباحثين العرب على النظرية الاستشراقية الغربية دعما للاستعمار حسام الدين محمدفاضل الربيعي شخصية استثنائية فهو يجمع في اهابه طاقة الناشط السياسي اللاهبة وبرود الباحث العلمي المتأني والمدقق الباحث عن جذور الأشياء ومصادرها وصولا الى مآلاتها وشبكة علاقاتها الزمنية والتاريخية والسياسية. بدأ الربيعي كاتبا للقصة (ايها البرج يا عذابي، 1975، القيامة 1984) والرواية (عشاء المأتم، 1984، ممرات الصمت، 1991) وزاول كتابة المقالة والبحوث في الأدب والمسرح والفن، وانتهى الى التبحر في مواضيع الاسطورة التاريخ القديم، مع كتابه ‘الشيطان والعرش’، الذي تبعته عودة الى البحث في المجال السياسي مع كتابه ‘كبش المحرقة’ الذي تناول تجربة حركة القوميين العرب السياسية، وهو الخط الذي لم ينقطع عنه حيث أصدر لاحقا كتابي ‘الخوذة والعمامة’ قدم فيه تشريحا اجتماعيا وتاريخيا للمجتمع العراقي، وكذلك كتاب ‘من ايقظ علي بابا’ الذي نشر مسلسلا في ‘القدس العربي’، ثم كتاب ‘العسل والدم’، كما نشر كتابا مشتركا مع تركي علي الربيعو ‘الاسطورة والسياسة’. غير ان الربيعي لم ينقطع ايضا عن البحث في التاريخي والاسطورة من كتابه ‘شقيقات قريش’ و’ابطال بلا تاريخ’ و’قصة حب في اورشليم’ وصولا الى كتابه الضخم هذا ‘فلسطين المتخيلة: ارض التوراة في اليمن القديم’، ومرورا بباقي منظومة كتبه التي لم تتوقف ومنها ‘المسيح العربي’ الذي اثار كثيرا من الاهتمام والجدل.يستند كتاب ‘فلسطين المتخيلة’ على ثلاث قواعد: الشعر العربي القديم، وجغرافية اليمن القديم كما وردت في كتاب ‘وصف جزيرة العرب’ للحسن الهمداني، وترجمة التوراة من نسختها العبرية، ومن خلال الاشتغال على هذه المصادر الثلاث والمقارنة المستمرة بينها يكشف الربيعي بما لا يترك مجالا للشك ان كل تفاصيل التوراة التاريخية والجغرافية موجودة في ارض اليمن القديم، وهو الأمر الذي تترتب عليه استعادة تاريخ المنطقة بكامله من المرجعية الاستشراقية التي قامت بالتلاعب بهذا التاريخ لعبة كبرى ساهمت في التأسيس لنشوء دولة اسرائيل وفي اشكاليات تاريخية وجغرافية وسياسية لا عد لها ولا حصر.أردت من الحوار مع الربيعي حكّ هذه المشروع الكبير الذي قام به مستفيدا من حشد من النقود التي قدّمت ضمن هذا الاطار، وايضا لأعمال كمال الصليبي التي تعتبر احدى الأسس التي وجهت البحث التاريخي هذه الوجهة، وكان هذا الحوار:’ في نقده لنظرية كمال صليبي يقول سيد القمني ‘إن المشكلة الحقيقية التي تواجه عمله بالكامل وباعترافه هو نفسه في مقدمة كتابه هي أنه لم يأخذ علم الآثار باعتباره على الإطلاق. وحين تناول بعض المدونات التاريخية القديمة كان ينتزعها من سياقات عدة بها ليدعم رؤيته في شموليتها محتجا بان المسح الآثاري لمناطق غربي الجزيرة لم يتم بعد بشكل تام’ ألا ينطبق هذا على عملك في ‘فلسطين المتخيلة ‘في تجاهلك لعلم الآثار؟’ عندما بدأت بالعمل الشاق والمضني في (فلسطين المتخيلة) وضعت تصورا ً متكاملاً لاستخدام منهج متعدد المحاور، ومتشابك الوظائف، يقوم في ما يقوم على:أولا: إعادة ترجمة النصوص العبريةثانيا: مقاربتها مع النص العربي من التوراة، للكشف عن جوهر المعضلة في القراءة الاستشراقية السائدة والمهيمنة على السرد التاريخي ثالثا: إعادة قراءة كتاب الهمداني (صفة جزيرة العرب) للبرهنة على أن هذا النص، قام بوصف مطابق وشامل للجغرافيا التي وصفتها التوراة، وهو وصف يتجاوز بكثير مسألة التشابه في أسماء الأماكن، لأن الأمر يتعلق بوجود بيئة تاريخية للنص التوراتي لا علاقة لفلسطين بها. وبالفعل، فنصوص الهمداني تكشف عن هذا الجانب وتقوم به على أكمل وجه،دون أي حاجة من جانبي للعثور على أسماء متشابهة.رابعا: دعم هذا التصور باستخدام الشعر الجاهلي الذي تماثل بنيته بنية النص التوراتي، بما أنهما يقومان معا ً، وبطريقتين سرديتين مختلفتين بتقديم وصف جغرافي دقيق لنفس الأماكن والمواضع.ونظراً لضخامة العمل، فقد قمت بفصل الجانب المتعلق بالمكتشفات الأثرية، ومقاربتها مع هذه النصوص. وكان عليّ، بسبب ظروف العمل ولاعتبارات تقنية، أن أضعها في جزء خاص سوف يصدر هذا العام باسم (حقيقة السبي البابلي) وهو عمل يعتمد على إعادة قراءة النقوش والسجلات الآشورية ووصف هيرودوت كذلك، استكمالا ً لما طرحته في فلسطين المتخيلة. وهذا ما قادني إلى أن أقوم بفصل جزء آخر من العمل الضخم ونشره مستقلاً في كتاب (قصة حب في أورشليم: ترجمة جديدة لنشيد الإنشاد) ومنذ أيام صدرت الطبعة الثانية من هذا الكتاب. ماذا يعني ذلك؟ ببساطة، يجب أن يقرأ كتاب (فلسطين المتخيلة ) من منظور آخر، فهو جزء من مشروع ضخم يستحيل عليّ في ظروف البحث الشاقة (والعمل البدائي مع غياب روح العمل المشترك والمؤسسي بين المهتمين بهذا الشأن) استكماله دفعة واحدة. ومع ذلك، فقد أشرت في الكتاب إلى الكثير من المواد الأثرية التي تتعلق بالحملات المصرية التي سجلتها التوراة، كما سجلتها جداريات معبد الكرنك (قائمة مجدو- نهاريا). وهو ما عدت إليه مرة أخرى في كتابي الجديد (القدس ليست أورشليم: مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين). لكل ذلك، لا يمكن للباحث أن يتجاهل علم الآثار، لأنه الأداة العلمية الوحيدة القادرة على حسم النقاش. وعلى الأرجح سوف يكون كتابي القادم (حقيقة السبي البابلي) مفاجأة للقراء والمهتمين، لأنه يعيد قراءة النقوش والسجلات الآشورية لتسع حملات آشورية متتابعة، سجل التوراة منها نحو ست حملات فقط، وهي تؤكد بشكل قاطع لا لبس فيه، أن مسرح الحروب كان الشريط الساحلي الطويل للبحر الأحمر وعمق الجزيرة العربية واليمن. وأوّد أن ألفت نظر المهتمين بهذا العمل، أن (فلسطين المتخيلة) هو محاولة للبرهنة على زيف القراءة الاستشراقية للتوراة، وهذا في ظني أمر يجعل منه مساهمة مختلفة عن سائر المساهمات الأخرى. ومن دون شك؛ فإن كتاب كمال صليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب) يمثل فتحاً ثقافياً عظيماً في ثقافتنا المعاصرة، ولا يضيره أنه لم يشمل هذا الجانب، أي مكتشفات علم الآثار، ولأي سبب، ذلك أن مجرد طرح الرواية التاريخية السائدة عن فلسطين للنقاش العلمي، هو عمل يستحق التقدير والثناء.عشائر المصريين وليس مصر’ تقول في كتابك أن المصريين والآشوريين لم يشتبكوا على أرض فلسطين أبداً. وعليه فكيف تفسر شواهد أركيولوجية عديدة منها الحجر المؤابي الذي عثر عليه شرق البحر الميت، ويتحدث عن ميشع الملك المؤابي وعن حروبه مع إسرائيل، وكيف تفسر نصب رمسيس الثاني على مصب نهر الكلب بين بيروت وجبيل الذي يتحدث عن حملته الأولى على بلاد الشام، والذي يمكن اعتباره دليلاً على خط سير الحملة المصرية، تلك، والذي لا يمكن أن يكون باتجاه الجزيرة العربية. وهناك اللوحة التذكارية التي أقامها تحتمس في كركميش (جرابلس الحالية ) ويحكي فيها عن انتصاراته هناك. كيف تفسر هذه الشواهد على ضوء نظريتك اليمنية؟’ نعم، لكن هذه الشواهد القليلة والمحدودة لا تزال موضع نقاش بين العلماء، ولا يوجد رأي علمي حاسم بشأنها، فمن هو ميشع المؤابي؟ وكيف قرئ نقشه؟ وهل يعني تسيير حملة مصرية صوب بلاد الشام، أن مسرح التوراة هو مسرح فلسطيني؟ هذان أمران مختلفان. لقد كان الصراع المصري- الآشوري يجري بالكامل من أجل بسط النفوذ على طرق التجارة الدولية على طول ساحل البحر الأحمر، وهذا هو جوهر الصراع بين القوتين العظميين. أما فلسطين التاريخية، فلم تكن سوى قطاع صغير لا تحتمل رقعته الجغرافية المحدودة صراع قوى كبرى. أن الحملات البابلية- الآشورية التسع التي قادها سرجون الأول، وشلمانصر وتجلات بلاسر وأسرحدون وسنحاريب، و نبوخذ نصر الخ لا تذكر على وجه الإطلاق أي موضع في فلسطين. ما أوّد إيضاحه هنا للقراء هو التالي: إن ما كرّسته القراءة الاستشراقية السائدة للتوراة من انطباعات تاريخية عن صراع بين المصريين وبني إسرائيل، وبين الآشوريين وبني إسرائيل داخل المسرح الفلسطيني، هو ما يجب أن يخضع للبحث والنقاش. مثلا ً، إن كلمة مصريم في النص العبري من التوراة ، تدل على معنيين، فهي يمكن أن تفهم من سياق النص أنها تعني الجيش المصري، لكنها في سياقات أخرى لا تدل عليهم؛ بل على قبائل المُضريين (بنقطة من فوق) لأنها تشير إليهم بعبارة مشفحت- مصريم – أي عشائر المضُريين. وهو أمر يتكرر مراراً في نصوص التوراة وفي معرض أشارتها إلى الصراع مع قبائل عربية أخرى. ولذلك لا يبدو منطقياً أن التوراة تسمي مصر الإقليم العربي عشائر المصريين. ومعلوم أن العبرية لا تعرف حرف الضاد وتستبدله بحرف الصاد المهمل. لقد نجم عن هذا الالتباس، أن كل الروايات التوراتية حول صراع بني إسرائيل مع ها-مصريم قرئت على أنها صراع بينهم وبين مصر البلد العربي. ونجم عن هذا الخلط، أن القراءة الاستشراقية كرّست في أذهاننا انطباعات خاطئة عن مجرى التاريخ وصراعاته، وبحيث صار أساتذة الجامعات اليوم يدرّسون الطلاب تاريخ هذه الحروب، ويعلمونهم خطأ أن الآشوريين أسروا ملكا ً مصرياً، وأنهم أجبروا المصريين على دفع جزية سنوية كما قتلوا ملكاً مصرياً آخر، وهذا ما لا دليل له في السجلات الآشورية والمصرية، ولم يحدث قط في التاريخ أن دفعت مصر جزية للآشوريين، أو أنهم تمكنوا من اسر ملك مصري. ما حدث هو أن الآشوريين في حملاتهم على القبائل العربية المتمردة على ساحل البحر الأحمر، ومنها قبائل المُضريين (وكنانة) وبني إسرائيل أسروا أحد ملوك مُضر (وليس مصر). وهذه المعارك بين قبائل الساحل، عك، ومُضر، والأشعريين (وهم عك والأشيريين ومضر في التوراة باستبدال العين بالهمزة وهو أمر مألوف في لهجات القبائل) سجلها الإخباريون العرب في كتبهم ، وهي معارك تقليدية تجري باستمرار بين سكان المناطق الجبلية وسكان الساحل. هذا الخلط المريع بين حروب القبائل بعضها ضد بعض، وبين صداماتها مع القوى العظمى، تسبب في فوضى تاريخية. والأمر ذاته ينطبق على الجغرافيا، ذلك أن السجلات الآشورية والمصرية تتحدث عن تمرد قبائل واعتصامها في مناطق وعرة لا يمكن بأي صورة من الصور تخيلها في فلسطين، لأن المواضع والأماكن المذكورة سواء في نصوص التوراة، أو في النقوش، تشير إلى أنها في اليمن. المثير للاهتمام في هذا النطاق، أن الإخباريين العرب القدماء، وبشكل أخص ابن حبيب الذي يعتمد الطبري كليا ً على روايته، يقولون أن نبوخذ نصر وسنحاريب وأسرحدون هاجموا أهل حضور في اليمن؟ وهذا ما تؤكده روايات وهب بن منبه اليمني ونشوان بن سعيد الحميري وسواهم. والأكثر إثارة، أن ما ذكرته التوراة من أسماء أماكن دارت فيها هذه الحروب سواء بين القبائل بعضها ضد بعض، أو بينها وبين القوتين العظميين، تتطابق كلياً مع مثيلاتها في النقوش المصرية والآشورية، فقدس- قدش التي احتلها المصريون، هي ذاتها قدس- قدس التي احتلها الآشوريون بعد اجتياح وادي حضور (حصور في التوراة ) وهي ذاتها قدس- قدش الجبل الشاهق الذي تصفه التوراة ضمن سلسلة وديان تذكرها هذه السجلات، وهو ما لا ينطبق بأي صورة من الصور على جغرافية فلسطين. إن العودة إلى لوائح غنائم المصريين والآشوريين، ومطابقتها مع وصف الهمداني الدقيق للاماكن نفسها وللفضاء الجغرافي نفسه، بقبائله ومواضعه، ثم مقاربة هذه النصوص مع ما سجلته التوراة سوف يكشف عن فضيحة، فهذه الحروب لم تقع في فلسطين. لقد وقع عالم الآشوريات العظيم هاري ساكز في الفخ نفسه، حين افترض أن معركة رفح بين بني إسرائيل والمصريين، هي معركة وقعت في رفح المصرية – الفلسطينية، وأن أحد جنرالات مصر أظهر مواقف جبانة وأنه فر من المعركة.وإذا افترضنا أن معركة من هذا النوع وقعت في رفح فسوف تصبح إسرائيل القديمة في هذه الحالة دولة إمبراطورية كان باستطاعتها تحدي المصريين على الحدود، بينما لا يوجد أي دليل تاريخي على وقوع معركة من هذا النوع. والتاريخ المصري يجهل كليا ً معركة عند رفح. ما حدث ببساطة، هو أن بني إسرائيل وفي إطار معاركهم القبلية، اصطدموا مع المُضريين، أي مع مشفحت- ها- مصريم (عشائر المضريين) في رفح اليمن، ولم يصطدموا مع مصريم (أي مصر البلد العربي) . وفي هذه المعركة فرّ احد فرسان مضر (تسميه التوراة سوء). لقد قرئت التوراة بخيال استشراقي سقيم. وإذا ما أعدنا قراءتها ضمن بيئتها التاريخية، بوصفها كتابا دينيا- إخباريا من كتب يهود اليمن، فإن سرد التاريخ فيها سوف يكشف عن الحقيقة التي جرى التلاعب بها. إن بعض البديهيات ستبدو ضرورية لقراء هذا اللقاء الصحفي. ولذلك سأوضح الأمر بالنقاط التالية:أولاً: إن اليهودية القديمة هي دين عربي. والنبي موسى- ع- ليس جنرالاً بريطانيا، كما أن داود النبي لم يكن أميراً دانماركيا، وسليمان ليس بحاراً سويدياً بكل تأكيد. هؤلاء أنبياء وملوك العرب في طفولتهم البعيدة. ولأن وحي اليهودية لم يهبط في أثينا أو روما، بل في أرض العرب، فمن المنطقي أن تكون التوراة كتاباً دينياً من كتب اليهود العرب الذين دانوا بهذا الدين. وبحسب ما ذكره الرواة والمؤرخين العرب القدماء بإجماعهم، فقد ظهرت اليهودية في اليمن. وعليه، فكل ما ورد في التوراة يجب أن يكون في هذه الحالة داخل مسرح يمني.ثانياً: ولما كانت التوراة كتاب تعليم ديني، يتضمن مرويات وقصص القبائل وحروبها ومعتقداتها وأديانها وقواعد وشروط عباداتها، فمن المنطقي أن نتعامل معها بمستويين: المستوى الأول، أنها تتضمن المواعظ والتشريعات المتعلقة بالطهارة والصوم والصلاة والعبادة والحرام والحلال الخ.. والمستوى الثاني، أنها تتضمن قصصا ً ومرويات لا يمكن الجزم بالضرورة أنها ذات طابع تاريخي مؤكد. وهذا أمر مألوف، لان القرآن الكريم مثلاً، يروي قصص الأنبياء والمرسلين من أجل أخذ الموعظة والعبر، ولا يقول أي شيء عن الجانب التاريخي لهذه القصص والشخصيات. وهذا يعني أننا يجب أن نتعامل مع النص الديني في الجانب المتعلق بالقصص والمرويات، بوصفه نصاً دينياً لا وثيقة تاريخية، ولكن من دون أن نسقط من اعتبارنا حقيقة أنه يتضمن بعضا ً من التاريخ الشفهي المنسي.تزوير المستشرقينثالثا ً : أن بني إسرائيل قبيلة عربية قديمة بائدة، واليهودية دين. أي أن هذا الدين ارتبط باسم هذه القبيلة، والقرآن الكريم يميز بدقة بين بني إسرائيل واليهود، فهو يمجد بني إسرائيل، بينما يندد بعبث اليهود، بما في ذلك اتهامهم بتحريف التوراة. وبالطبع، فليس كل يهودي اليوم هو من بني إسرائيل، تماما ً كما كان الحال في الماضي، فليس كل من كان من قبيلة بني إسرائيل هو يهودي، إذ كان هناك ملوك من بني إسرائيل عبدوا الأوثان، وهذا ما تؤكده التوراة. واليوم نحن نميز بين قريش القبيلة والإسلام كدين، فليس كل قرشي مسلم ولا كل مسلم هو قرشي. والحال هذه؛ فإن اليهودي الغربي، البريطاني، الأمريكي، الهولندي الخ هو يهودي ولكنه ليس من بني إسرائيل.وهذا وضع شبيه بوضع المسلم الهندي أو الصيني أو الفلبيني، فهو مسلم ولكنه ليس من قريش. ولذلك، لا يجوز تحت أي اعتبار النقاش حول حق هذا اليهودي الغربي بالانتساب إلى تاريخ بني إسرائيل وإدعاء حق تمثيلهم، بما أنه يهودي. تماماً كما لا نوافق على مزاعم مسلم صيني مثلاً، قد يخرج علينا ليقول أنه من قريش بما أنه أصبح مسلماً، وأن له الحق في الانتساب إلى تاريخها وأن له إرثاً في أرضها ما دام اعتنق الإسلام؟ الإسلام دين وقريش قبيلة، وبنو إسرائيل قبيلة واليهودية دين. إن فهم هذه البديهيات والالتزام بها سيكون ضرورياً لتعميق فهم القراء بطبيعة التزوير الفاضح الذي قام به المستشرقون وعلماء الآثار وكتاب التاريخ. لقد تخيلوا مسرح قصص التوراة على أنه مسرح فلسطيني دون أي دليل علمي.’ في نقده للصليبي أيضاً، يتهمه القمني بإهمال جميع النظريات الأخرى حول التاريخ التوراتي مع إهداره للجانب التاريخي والوثائقي، وبخاصة المرتبط منه بمصر وفلسطين. كيف ترى إلى هذا، بالمقارنة مع بحثك؟’ ما لا يريد البعض من الكتاب فهمه بعمق، أن عمل كمال صليبي، موجه بالضبط لدحض وتدمير هذه الثقافة الاستشراقية السائدة، فالنظريات الأخرى هي نظريات الاستشراقيين المخياليين الذين يغرفون منها نظرياتهم السطحية والسقيمة. ولان البعض يعتمد على الإثارة بأكثر مما يعتمد على العلم، فإنه يظل متمسكاً بترهات هؤلاء. والغريب أن هذا التمسك، يجعل منهم، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه، من مروجي نظرية أن فلسطين هي أرض الميعاد اليهودي. أما الحقيقة فتقول شيئاً آخر، وهذا ما برهنتُ عليه، أولاً: إن التوراة لا تذكر اسم فلسطين ولا الفلسطينيين، وأن التلاعب في ترجمة كلمة ها- فلستيم وأنها تعني (الفلسطينيين) وأن هؤلاء جاءوا من جزيرة كريت متسللين، وان قدش هي القدس وهي أورشليم، أدى في ما أدى إلى رواج نظرية كاذبة لا أساس لها لا في النص العبري من التوراة ولا في التاريخ. إن الإصرار على صحة النظريات الاستشراقية حول تاريخ فلسطين، هو خدمة مجانية تقدم للمشروع الاستعماري، بينما يتطلب احترام العلم والحقيقة الخوض في نقاش جاد حول هذه النظريات التي تلاعبت بالتاريخ. المدهش أن القمني مثلا ً لا يلتفت إلى حقيقة أن اسم القدس (العربية) هو اسم حديث لا يرقى إلى فترة أبعد من العهدة العمرية والفتوحات الإسلامية، بينما التوراة تروي تاريخاً أقدم، كما أن اسم قدس دون ألف ولام في التوراة ينصرف حسب وصف التوراة نفسها إلى جبل شاهق (وهناك جماعة متطرفة تسمي نفسها أمناء جبل الهيكل) لأنها تعتقد أن سليمان بنى الهيكل في جبل قدس، بينما القدس العربية ليست فوق جبل وليست جبلاً. أما الجبل المقصود بحسب وصف التوراة الدقيق، فهو بالضبط جبل قدس الشاهق والمبارك (80 كلم إلى الجنوب من تعز). ويمكن لأي متشكك، أن يقوم بمقاربة نصوص التوراة عن قدس، مع وصف الهمداني ليتعرف بدقة علمية كافية على أسماء الوديان والقرى والقبائل نفسها الواردة في التوراة. واجبنا هو نقد وتجاهل النظريات الأخرى، الاستشراقية، وهذه هي الخطوة الأولى على طريق تصحيح تاريخ فلسطين وتخليصه من هيمنة التأويل التوراتي.’ تقول إن الاستشراق هو الذي ساهم في رؤية فلسطين مكان اليمن. هل هناك دراسات تقوم بتتبع هذه الصياغة الاستشراقية التي تربط التوراة بفلسطين؟’ قد يكون الوقت مبكرا ً للحديث عن دراسات معمقة في هذا الميدان.ولكن، ما أهمية أن نثير مسألة مسرح قصص التوراة؟ إن بعض القراء المتسرعين في الأحكام، وبسبب افتقادهم لإلمام كاف بالموضوع التاريخي، يفترض أن إثارة هذه المسألة قد تفتح شهية اليهود للمطالبة بأرض اليمن، وهذا تصور ساذج لأهداف وأغراض طرح هذا النوع من الأفكار الجديدة. ما هدفت إلى إثارته في كتبي السابقة وما سأواصل إثارته في الكتب القادمة هو التالي: إن تاريخنا رواه صوت آخر ليس صوتنا، وصفحاته كتبتها يد ليست يدنا، وتفسير أحداثه ووقائعه قام بها مفسرون لا يعرفون الكثير عن ثقافتنا القديمة. ولذلك، يتوجب علينا اليوم، أن نروي تاريخنا بصوتنا، وأن نعيد كتابة صفحاته بأقلامنا. وفي هذا السياق، فالتوراة بما هي كتاب ديني من كتب يهود اليمن، وبما أن اليهودية دين عربي قديم ظهر في أرض العرب وليس في استراليا؛ فإن القبائل التي اعتنقته هي في الأصل قبائل عربية هاجر بعضها إلى فلسطين في فترات مختلفة، وقد عثر علماء الآثار في فلسطين على نقش هام للغاية يفضح مزاعم التيار التوراتي، هو النقش المعروف عند العلماء باسم نقش شعاريم (نحو 200 م) ويقول بالنص: هذا قبر مناحيم قيل- ملك- حمير. وهو يسجل أسماء عشرات من الأحبار اليهود اليمنيين من أبناء القبائل العربية الذين أقاموا في فلسطين، بوصفهم من قبائل العرب ممن دانوا بدين اليهودية. لقد جرى التغاضي عن الحقائق التي كشفها علم الآثار، واستبدلت بتأويل المستشرقين لكلمات وأسماء توراتية. وهذا هو جوهر العمل الذي قامت به القراءة الاستشراقية، أي إهمال نتائج البحث الأثري والتمسك بالتأويلات المستندة إلى نص التوراة. ولذلك، فمن الواجب إهمال هذه النظريات ونقدها.’ هناك ازدهار كبير لكتب ودراسات لأساتذة آثار وتاريخ إسرائيليين مثل إسرائيل فنكلشتاين وشلومو ساند، تقوم بإعادة تفكيك المثيولوجيا التوراتية واليهودية. كيف تنظر إلى مثل هذه الأبحاث، وهل يمكن أن تصب في إستراتيجية بحثية عامة، تثبت الحقائق العلمية بمواجهة الوقائع الإيديولوجية والسياسية القائمة؟’ كل ما قام به هؤلاء يظل برغم أهميته، خطوة صغيرة قد لا يملكون لا الجرأة ولا الوسائل العلمية لتحويلها إلى خطوة علمية كبرى على طريق تصحيح تاريخ فلسطين. والمطلوب اليوم، أن يتشكل تحالف عربي- عالمي من علماء وكتاب التاريخ الموضوعيين، وأنا أدعو إلى تشكيل هذا التحالف لأغراض وأهداف محض علمية، للكشف عن الحقيقة. لقد تسبب التلاعب بالتاريخ الفلسطيني القديم في مأساة شعب وأمة، وقد آن الأوان أن يتقدم العالم كله باعتذار صريح من الشعب الفلسطيني بأنه كان موضوعا ً دراسياً زائفاً، فلا التوراة ذكرت فلسطين، ولا التاريخ المكتوب يعرف أي شيء عن وجود مملكة إسرائيل القديمة على أرضها. هذه فلسطيننا العربية- الإسلامية وهي أرض لم تقع فيها أحداث التوراة، وكل ما يقال ويزعم عن وجود علاقة بين فلسطين ونصوص التوراة هو من تلفيق التيار التوراتي، وأنا أتحدى علماء الآثار والتاريخ من عرب وأجانب ممن يؤمنون بمزاعم الاستشراقيين، أن يقدموا نصا ً واحداً من التوراة أو من النقوش يقول أن القدس هي أورشليم، أو أن الآشوريين سبوا اليهود في فلسطين، أو أن مملكة إسرائيل القديمة تأسست فوق أرضها. إن وضع التوراة كنص ضمن بيئته التاريخية كنص ديني ينتسب إلى ثقافة العرب الدينية القديمة، وطرائقهم في السرد، سوف يكشف عن نوع وطبيعة التزوير. ولعل قراءة عربية جديدة، تنقض القراءة الغربية وتزيحها، هو السبيل الوحيد لتصيح تاريخ فلسطين والمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية