مصطلح العائلة المالكة يمتلك دلالته في الدول الملكية، لكنه مع قيام الجمهوريات في الدول العربية انتقل ببساطة إلى مُسمى (العائلة الحاكمة)، فالجمهوريات العربية لم تكن سوى مُسمى صوري لعائلات تحكم، دون الفكرة التي تقوم عليها الجمهورية، فلا دستور ولا قانون، اللهم إلا أوامر الحاكم بأمره السيد رئيس الجمهورية. كانت دولة صدام حسين كغيرها من الدول العربية في ظل نظام حُكم مُطلق السيطرة على البلاد والعباد، ورغم اختلاف وجهات النظر حول الرجل وفترة حكمه، إلا أن الجديد في الأمر هو أن تتحدث إحدى أفراد العائلة «حرير حسين كامل» ابنة رغد صدام حسين، المولودة في 19 يوليو/تموز 1986، ذلك في كتابها الصادر مؤخراً، والمعنون بـ «حفيدة صدام». وبالطبع سيخلق الكتاب وحكاياته الكثير من الجدل، ما بين مؤيد ومُكذب لما جاء به، كل حسبما عانى وجاهد وعاش. هذه مقطتفات من الكتاب الذي يستعرض الكثير من تفاصيل وحكايات يختلط فيها الذاتي وتاريخ العراق في ظل صدام وعائلته، وهو صورة من صور كثيرة لكيفية حُكم بلد عربي.
الولاء قبل الذكاء
تذكر حرير في مذكراتها قائلة: لا بد هنا أن نذكر بشجاعة أن سياسة (الولاء قبل الذكاء) كانت سياسة خاطئة بل من اكبر الاخطاء التي ساهمت في تدمير العراق. حين وضع جدها اناسا غير كفوئين أحياناً في أماكن حساسة. وتضيف: ففي العراق هناك دائما قيادات ذكية واكثر كفاءة واشخاص لو اخذوا أماكنهم الصحيحة لتغيرت الصورة، ولكن حذر جدي الامني كانا يدفعانه لوضع الاقارب في الدائرة القريبة والحلقة الضيقة بل حتى في بعض المناصب الوزارية، حتى لو كانت كفاءتهم قليلة.
وعن البطانة الفاسدة تقول: البطانة الفاسدة كان لها دور في كل ما حصل. فقد كان خالي عدي يعتمد على اشخاص معينين منهم الصالح والطالح. وكان قليل الصبر ولا يتأنى كثيراً قبل القيام برد فعل معين. وتستطرد في موضع آخر .. الانصاف والحق يقودانني هنا للتأكيد على أنه على الرغم من أنني لا أُكن أي حب لعم والدي علي حسن المجيد لتسببه بما حدث في ما بعد لوالدي، إلا أنني أعلم من خلال الاحاديث الخاصة للاسرة بأنه بريء من القصة التي تسببت بالصاق لقب (علي الكيماوي) به، وهي تهمة قصف مدينة حلبجة العراقية بالكيماويات. وما حدث كان مجزرة حقيقية. ولو فعل هذا الأمر فعلاً فأقل ما كان سيفعله جدي هو اعدامه مباشرة.
الطبيعة العشائرية
وتعترف حرير بطبيعة العائلة العشائرية فتقول: أدخلتُ في طفولتي إلى حضانة وروضة مع عموم العراقيين، ثم بسبب طبيعة العائلة العشائرية اقترح والدي فكرة إنشاء مدرسة خاصة لابناء الاسرة، حيث يتحفظ الاباء على اختلاط بناتهم مع أغراب آخرين. ودعمت امي الفكرة بقوة. فكان إنشاء (مدرسة الشبيبية) ويتراوح العدد بين خمسة الى عشرة في صفي . كان هناك تسعة طلاب كنتُ مع حسن علي حسن المجيد وبكر ثائر سلمان المجيد وندى ورنا الغفور وزينة عبد حمود واناهيد كامل ورؤى رفعت وعمر حبيب السليمان وكلهم اقارب من الدرجة الاولى أو الثانية. لجدي ايمانه بقدرات المرأة في المجالات التي تناسب طبيعتها وتكوينها فحين اقترح عليهم والدي إنشاء مدرسة الشبيبية الخاصة ودعمت والدتي الفكرة. نزل جدي الى رأيها ووافق على إنشائها فوراً وفي الجلسة نفسها.
كانت المدرسة مخصصة لدراسة الاقارب حيث انها مختلطة في مرحلتها الابتدائية ثم يتم الفصل بين الجنسين في المراحل العليا. لم يكن البعض من العشيرة يسمح للمرأة بالدراسة بسهولة وفي الجامعة. كانت هناك شروط كثيرة فلا يسمح لنساء العائلة من الحلقة القريبة على سبيل المثال التخصص في مجال الطب حتى إن كان معدلها يسمح بذلك. اصبحت والدتي معاونة مديرة المدرسة الشبيبية. كانت شديدة ومحبوبة في الوقت نفسه من الطلبة ومن المدرسات كما كانت تقوم بتدريس بعض حصص اللغة الانكليزية.
كان يوم تخرج والدتي رغد يوما سعيدا. جدي يصر على منع نساء العائلة من حضور احتفالات الطلاب المختلفة لعدة اسباب ومنها الاسباب (الامنية) بالطبع، ولكن لكي لا يبقى الامرعلى والدتي حسرة في نفسها وهي التي اجتهدت كل تلك السنوات قامت الأسرة بتنظيم حفل تخرج خاص في القصر وتمت دعوة نساء جميع الاسر القريبة لنا اليه. ولبست روب التخرج واستدعت مصور العائلة واكتفت بصور تذكارية بملابس التخرج .
وعن زواج حسين كامل من رغد تقول حرير: حين تقدم والدي لخطبة أمي، رفضت جدتي ساجدة ذلك، فهي بشكل عام لم تكن تحب العسكريين، وكانت تأمل بزفافها من مهندس أو طبيب. وقد يستغرب البعض من مدى أهمية قرار جدتي في أمر كهذا بوجود زوج بحجم صدام حسين اولا، وثانيا في ظل عرف يشير الى عدم وجود دور حقيقي لنساء العائلة .وفي عرف عائلتنا العشائري لابناء العمومة المباشرين الحق والأولوية في الزواج من ابنة عمهم وبعد ذلك ابن الخالة فالابعد والابعد. وفي تقاليد الاسرة العشائرية تتزوج البنت في سن الخامسة عشرة على الغالب، وفي الكثير من الاحيان يبدأ الحديث عن زواجها بمجرد بلوغها الثالثة عشرة او الرابعة عشرة من عمرها. وبمجرد بلوغ ( موج) ابنة خالي قصي الرابعة عشرة بدأ الحديث عن الاشخاص المرشحين لخطبتها. وقد كنا كبنات نختار في تخمين الاسماء المرشحة، فلم يكن هناك مرشحون من طرف اهل والدتها، حيث اخوالها قد تزوجوا منذ وقت قريب. وشقيقي علي تمت تسميته لابنة عمه وابنة خالته في الوقت نفسه ولكنه لم يكن تحييرا والفرق بين التسمية والتحيير هو أن التحيير عادة قبلية تراثية تتم بها تسمية من سيتزوج منذ الطفولة، وتكون ملزمة، بينما التسمية خيار لا توجد ضرورة أو إلزام بها في ما بعد. كان المرشح الاقوى والمناسب لعمر موج هو احد أبناء عبد حمود السكرتير الشخصي لجدي صدام حسين، الذي كان اليد اليمنى له. ولذلك خشينا أن يتقدم لخطبة موج لابنه، وهكذا يقع خالي في حرج من رده ويجامله بالموافقة على هذا الزواج. وحين سمعت (لمى) زوجة خالي قصي حديثنا وهي القريبة منا – لأننا لم نكن نخشى ان نبوح امامها – ابتسمت لمخاوفنا وقالت لنا انها ستتصرف. فقد كانت لمى صاحبة واجب وكرم شديد .
ومن اشهر مواقف المواجهات بين خالي عدي وجدي في السابق، حين وقع خالي عدي في غرام امرأة غريبة عن العائلة كانت على ما يبدو زميلة له في المرحلة الاعدادية.
ورغم أعمام والدتي إخوان غير اشقاء لجدي صدام، إلا أن العرف العشائري كان ينطبق في تلك الحالة. وكان هناك العديد من أعمام والدتي يرغبون بالتقدم لها. ولهذا قامت القيامة على والدي لأنه تجرأ وسبق بالطلب، وخاصة مع عدم وجود ود بين عائلتي (ابراهيم الحسن) والد أعمام أمي وعائلة (كامل الحسن) جدي لأبي. ما حدا بأحد أعمام والدتي وهو وطبان أن يهدد والدي بأنه سيذبحه إذا أكمل طريقه في الزفاف من أمي. وقد غضب ايضا الاخوان برزان وسبعاوي لغضب شقيقهما آنذاك. وحينها أبلغ والدي حسين عم والدتي وطبان والاخرين بكلمات قوية تعكس شخصيته «سوف آخذ رغد وأريد أن أرى من هو الرجل القادر على منعي من ذلك».
وكذلك خالتي حلا كان المرشح للزواج منها بالطبع هو الشقيق الاصغر لوالدي وعمي صدام وهو عمي الآخر حكيم كامل. وقد بلغت خالتي حلا التاسعة عشرة من عمرها وهي السن التي تعتبر فيها الفتاة كبيرة بمقاييس عائلتنا، وبالمقارنة مع شقيقاتها اللتين تزوجتا بحدود الخامسة عشرة. ولكن المفاجأة كانت حين رفض جدي الفكرة تماماً، لذلك قرر ان يزوج حلا لمنزل آخر. من العشيرة وقد وقع الاختيار على جمال مصطفى لأنه من عائلة كريمة، ولكونه شخصية تليق بخالتي حلا، وبالفعل جاء جمال وخطب خالتي حلا. وبزفاف الخالة حلا اكتمل عقد العائلة وعاد الهدوء الى منزل جدتي ساجدة. اخذت الخالة حلا اغراضها من القصر الجمهوري وانتقلت مع زوجها. وما زال زوج الخالة حتى ساعة كتابة هذه المذكرات سجينا في اقبية المغول الجدد، بلا أي تهمة الا الرغبة في الاساءة لعائلة صدام حسين.
رغبة عدي بزوجة ليست من العائلة
ومن اشهر مواقف المواجهات بين خالي عدي وجدي في السابق، حين وقع خالي عدي في غرام امرأة غريبة عن العائلة كانت على ما يبدو زميلة له في المرحلة الاعدادية. وتطورت العلاقة بينهما الى أن وعد خالي عدي والدة الفتاة بالزواج منها بعد ان ينهي دراسته الجامعية، وحين واجه خالي عدي جدي برغبته في الزواج من الفتاة، رفض جدي صدام، الامر بشكل قاطع. وحين علم خالي عدي برفض جدي صدام حسين والاسرة بشكل مطلق لارتباطه بتلك الفتاة، أصر على التقدم لها حتى إن ادى الى فك ارتباطه مع العائلة والتنازل عن جميع الامتيازات التي يتمتع بها ليعيش كمواطن عادي، لذا أمر جدي حينها بوضع جميع هواتف خالي عدي تحت الرقابة العائلية، وكان المشرف على مراقبة الهواتف الخاصة لخالي عدي هو عمي صدام كامل. إذ كانت نساء العائلة رافضات تماماً لفكرة ارتباط خالي بتلك الفتاة. وبعد فترة من المراقبة تم تفكيك الشيفرة الكلامية لاحدى المحادثات والتي اشارت الى ان خالي عدي قد رتب مع احدى السفارات الاجنبية عبر سفيرتها في العراق، ومع عائلة الفتاة بأن يرسل لهم أحد الاشخاص ليقوم بتهريب الفتاة ووالدتها الى الاردن ثم يلتحق بهما ليتم زفافه اليها في احدى الدول الاوروبية. وتواصل حرير فتقول: ثارت ثائرة جدي حين وصلته الاخبار وحدث اجتماع العائلة، وبعد ان اشتد الحوار ذهب خالي عدي الى جناحه في الطابق الثالث ونزل حيث رآه جدي وجدتي بالزي الرسمي وبكامل قيافته وكان يرتدي بدلة (توكسيدو) سأله ( وين العزم؟) فاجابه خالي عدي بتحد: أنا ذاهب لخطبة الفتاة التي احبها، واذا وقفتَ ضدي في هذا فسوف أطلب اللجوء في الخارج وأعارضك. عندها اصدر جدي لوالدي الأمر (جتفه وذبه بالسجن). وارسل والد الفتاة خبراً الى خالي عدي راجياً إياه أن لا يتسبب لهم بمشاكل، لانه تعرض للتهديد. واحس خالي عدي بالمرارة واعتبر انه قد حُرمَ من حقه في الحب. وتركت هذه الحادثة على خالي عدي أثراً نفسياً كبيراً فقد لازمه إحساس بالعجز عن الايفاء بوعد قطعه لعائلة فتاة احبها بصدق.
وعن مقترح برزان تقول حرير: ان جدتي كانت على علاقة جد قوية بشقيقتها احلام زوجة برزان . وذات يوم قال لها برزان بعد زيارته لها: انه من المؤسف أن العراق يمر كل فترة بحروب ومشاكل وهذا الامر (ما يصير). وحين جاء جدي صدام حسين نقلت له جدتي الرسالة، وحدث نوع من المشادة بينهما. ختم جدي الحديث بقوله لجدتي « اذن بما أنك قلقة من الحروب وترين أن حياتك معرضة للخطر، اذهبي الى منال الالوسي رئيسة إتحاد نساء العراق وأخبريها بأنك ترغبين بالانفصال عني». فقال لها خالي عدي «اذا تركك والدي فسوف اجعلك تعيشين عيشة أفضل بمائة مرة من عيشتك معه. وسأجعل لك واردا بعشرة اضعاف الوارد الذي لديك وستبقين دائمة معززة مكرمة. بينما كان من الناحية الاخرى خالي قصي يقدس والده صدام حسين ولا يقف ضده أبداً.كان معه جملة وتفصيلاً لا يعارضه تحت أي ظرف. ربما لم تكن العلاقة بين جدي وخالي مثالية ولكنها لا تصل الى ما يشاع عن ان جدي كان سببا في محاولة اغتياله. في تلك الفترة جددت جدتي الطلب من خالي عدي أن يتزوج . وقد فوجئت – كما فوجئنا جميعاً- بأنه اعطاها موافقته مباشرة وبشكل سريع على الرغم من انه كان يرفض مجرد فتح الموضوع قبل فترة. وكانت المفاجأة التي قام بها خالي هي اختياره لسجى ابنة عمه برزان والتي كانت تقيم في سويسرا منذ طفولتها ووالدتها هي الخالة احلام وهي اخت غير الشقيقة لجدتي ساجدة.
عن شخصية احلام شقيقة ساجدة خيرالله تتحدث حرير فتقول :كانت احلام زوجة برزان من الشخصيات النسائية القوية وكان الجميع يتحدثون عنها بإعجاب فهي سمراء وأنيقة جداً وتتقن لغات أجنبية عدة.
عن شخصية احلام شقيقة ساجدة خيرالله تتحدث حرير فتقول :كانت احلام زوجة برزان من الشخصيات النسائية القوية وكان الجميع يتحدثون عنها بإعجاب فهي سمراء وأنيقة جداً وتتقن لغات أجنبية عدة، وليست لديها محاذير عشائرية او كلاسيكية في الملبس وتواكب الموضة منذ طفولتها . كانت كما نقول بالعراقية ( ذبتها غير).
كانت قليلة الكلام ولكنها حين تتحدث تثير الاعجاب بكلماتها المنتقاة وثقافتها الواسعة . وقد تأثرت بشكل إيجابي بمناخ عمل زوجها في الخارج حيث كان السفير في سويسرا . كانت إمرأة ذكية وواسعة الحيلة . كان قصرهم في بغداد جميلاً وممتليئاً بالقطع ( الصينية النادرة) والموثقة ولديهم طاقم عمل من الاجانب . وكانت لدى الخالة احلام هواية الرسم على ( البورسالين) بشكل خاص وكانت مبدعة فيها وتتقنها بشكل احترافي. وزرقها الله وزوجها برزان بستة أبناء. كما كانت خالة والدتي احلام مختلفة عن نساء العائلة . كان زوجها برزان عم والدتي مختلفا عن رجال العائلة بدوره نوعا ما. كان لديه نمط حياة مختلف ،أقرب للنمط الغربي،إذ يعشق الخيول ويربيها في مزرعته في سويسرا ويذهب مع زوجته الى سهرات مختلطة ولم يكن محبوبا جدا لدى العراقيين لترؤسه جهاز المخابرات رغم أنه طوره وكان يعتبر عقلية مخابراتية ممتازة. من تلك المرأة ومن ذاك الرجل جاءت الابنة سجى الهادئة بملامحها وتصرفاتها
وطلبها خالي عدي. وعندم اعطاه عم والدتي برزان الموافقة وطلب من سجى القدوم من سويسرا وقد جاءت بالفعل وهي تحمل حلوى كان خالي عدي يحبها، ولكنها جاءت إمرأة ولم تعد طفلة. كانت شديدة الجاذبية طويلة وانيقة، وقد صُدم الجميع بالتغييرات التي طرأت عليها، ربما لم تصل الى (كاريزما) امها الطاغية وجاذبيتها، ولكن بدا واضحاً تأثرها بها شكلا ومعنى. وحيث العادات تقضي بأن تكون الخطبة وكتب الكتاب بيوم واحد فقد كان ذلك.
تميزت سجى أيضاً نوعا ما على تقاليد الاسرة في أمور (الاتكيت) و(المكياج) وخلافها. كان ذوقها وإداؤها غريباً حيث تأثرت (بالكورسات) التدريبية التي تقلتها في سويسرا ما دفع بالوان وأنمطة جديدة تلوّنت بها حياة القصر الجمهوري. الا انها كانت شديدة التحفظ في الجلسات العائلية ونادرا ما كانت تتحدث.
وبدا ان خالي عدي في طريقه لحبها والتعلق بها وكان يهمه كسب رضاها على الرغم من أنه كان لا يزال يسهر كما تعود ولكن بداية التغيير كان تلوح في الافق عبر باقة من الورود او بعض الشيكولاته او فيلم تحبه سجى لدى عودته متأخراً. اذ كان خالي عدي الذي اعتاد على نمط الحياة الصاخبة يحتاج الى الكثير من الصبر لك يتغير وهو الصبر الذي افتقدت اليه سجى واستبقته بأن إشتكته لوالتها ، وبدأت اتصالاتها تكثر من زاوية الجناح لامها . وبعدها بدأت التدخلات العائلية والتي ادت الى المزيد من اتكاسات العلاقة بينهما ، فيما استمر خالي عدي بالسهرات التي كانت تفهم ما يحدث فيها كأي إمرأة يأتي زوجها متأخراً . كنا متأكدين أن تغير خالي عدي قد حدث فعلياً وان كل ما تحتاج اليه العلاقة لتنضح وتنجح هو بعض الوقت لأنه كان فعلاً يحب سجى ويرغب بأن يأخذ بخاطرها
بعد فترة طلبت سجى من خالي عدي ان تعود الى سويسرا لرؤية اهلها وهو الامر الطبيعي في حياة أي فتاة تعيش بعيداً عن أهلها وكان سفر سجى أمراً عادياً فهي فتاة متزوجة ذاهبة لزيارة اهلها في محل اقامتهم. توجهت الى الاردن ومنها الى سويسرا. وبعد المدة التي كانت قد قررت للاجازة اتصل بها خالي عدي ليسألها عن اليوم الذي حددته للعودة ولكنها لم تخبره بموعد معين. وبعدها بساعات اتصلت والدتها بجدتي ساجدة لتبلغها بأن سجى لن تعود الى العراق الى أن يتعهد خالي عدي بتطبيق عدة امور زمنها ان يتوقف عن السهر وان يكون لها منزل مستقل عن القصر الجمهوري. مما اغضب عدي وأحس انه تعرض للاستغلال ومحاولة لي الذراع وكان رد خالي عدي عليهم أن يبقوا ابنتهم لديهم لانه يرفض هذا الاسلوب.
وهكذا بدأت المشاكل العائلية تزداد ووصلت الاخبار الى جدي الذي لم تكفه المصائب والمؤامرات الخارجية وما يتعرض له العراق بل زاده أهل بيته هموماً على همه حتى قال لنا في جلسة عائلية ذات يوم «مشاكل عائلتي بجفة ومشاكل العراق كلها بجفة ثانية».
بقيت سجى في سويسرا متزوجة من خالي عدي ولكنهما منفصلان فعلياً وقد بدأت تشتاق اليه الى أن حدث الحادث الاهم والاقسى في حياة خالي عدي في فترة ما قبل الاحتلال .حين تعرض لمحاولة الاغتيال.
وبعد حادثة محاولة الاغتيال اتصلت به زوجته سجى التي لا تزال على ذمته من الاردن التي قدمت اليها من سويسرا واخبرته ان لديها مفاجأة وأنها ستعود وأنها ستعود الى العراق ، وطلبت منه ارسال من يستقبلها من الحدود الاردنية. فرد عليها خالي عدي بكل اريحية ورحب بها وقد ازمع في سره على أمر . وبعد ساعتين من المكالمة تقدم بطلب خطبة (هبة) ابنة علي حسن المجيد وكانت ابنته الوحيدة . ومع الاصول العشائرية التي ترفض الانتقاص من خالي عدي بسبب ما تعرض له كانت موافقة علي حسن المجيد مباشرة للخطبة.
وصل الخبر الى زوجته الاولى سجى قبل ساعة واحدة من دخولها العراق عبر الاردن فالغت الرحلة وعادت الى سويسرا..
تتحدث حرير عن خطوبة صدام حسين لابنة خاله خير الله طلفاح ان والدتها( ليلو) التي رفضت زواجه ان من ابنتها لصدام. فتقول حرير: كان جدي في احيان كثيرة يأتي الى القصر الجمهوري ويرى ( ليلو) يذهب اليها ويقول لها مازحا وهو ينحني لتقبيل رأسها « ها حجية .. بعدك ما تريديني؟ بعدك ما موافقة عليّ.
يتميز خالي قصي بالحذر الشديد وقليل الثقة بالاخرين ويحب ان يعمل دون ان يلفت الانتباه ويعمل بصمت . وبدأ العمل بالتجارة بعد فترة جنبا الى جنب مع منصبه الرسمي ومن هواياته الصيد حيث لديه ستة كلاب صيد مدربة.
وعن قصي صدام حسين تقول حرير : ولد قصي عام 1967 ويعتبر مرجع العائلة في العلاقات التجارية العالمية. وعلى عكس خالي عدي تزوج خالي قصي في سن صغيرة نسبياً وقد دخل على جدتي- ذات يوم وقال لها بلا مقدمات « اريد أن اتزوج». وقد تزوج من إمرأة من عائلة أقارب من الدرجة الثانية، اسرة إشتهر رجالها بالشدة والشجاعة وهي ( لمى) ماهر عبد الرشيد احد القادة العسكريين الابطال في الحرب العراقية الايرانية واحد الذين شاركوا في معارك تحرير الفاو. وقد رُزق منها بسيد الشجعات ابنه البكر مصطفى الذي اتقن منذ طفولته استخدام مختلف انواع الاسلحة ونجح في توقع المخاطر والتعامل معها كرجل بالغ.وانجب قصي بإبنين آخرين .
ويتميز خالي قصي بالحذر الشديد وقليل الثقة بالاخرين ويحب ان يعمل دون ان يلفت الانتباه ويعمل بصمت . وبدأ العمل بالتجارة بعد فترة جنبا الى جنب مع منصبه الرسمي ومن هواياته الصيد حيث لديه ستة كلاب صيد مدربة. وكانت علاقتنا به اقوى من علاقتنا بخالي عدي وكانت له مزرعة ويحب
خالي قصي يعتبر أي كلام يأتيه من جدي صدام بمثابة الامر الذي لا يمكن مناقشته فقد كان شديد الولاء والطاعة . وبعد ان اصبح مسؤولاً عن جهاز الامن الخاص اصبح بطريقة ما مرشحاً لخلافة جدي .. وهو الامر الذي كانت وكالات الانباء العالمية تتناقله بشكل مستمر ولم يعترض على ذكره او ينكره احد من الداخل العراقي
وعن استقالة أو إقالة الرئيس احمد حسن البكر قالت حرير : هناك الكثي من السيناريوهات التي تروى عن إجبار جدي له للتنازل عن الحكم ، وهي غير مستبعدة بالنظر الى شخصية البكر المسالمة التي لا تحت القيود. وقد قال انه يرغب في الحصول على حياة طبيعية قبل وفاته .. ولاحمد حسن البكر عدة بنات وثلاثة أولاد ومن بناته ابنة اسمها (هيفاء) تزوجها خال والدتي عدنان خير الله الطلفاح. وأننجب منها فتاة اصغر مني بسنة اسمها (نوف) الاسم الخليجي فقد كان لديه الكثير من الاصدقاء الخليجيين ورجال الاعمال في الخليج العربي بشكل عام ومن الكويت وقطر بشكل خاص. وله ابن اسمه علي كان عسكريا حديث التخرج يبلغ من العمر احدى وعشرين سنة .
وفي احدى زيارات نوف لمنزلنا كعادتها سألتني في محاولة لسبر أغوار ما يقال داخل عائلتنا.. ما رأيك في أن نتقدم لموج لكي تصبح زوجة لعلي؟ فقلت لها ان كلاً منهما مناسب للاخر. وفي ظل الاشارات المشجعة من طرفنا تقدمت العمة هيفاء بشكل رسمي وقال لهم خالي قصي جملة واحدة «من سأجد خيراً من إبن خالي العزيز لابنتي». وفعلا تمت الخطبة واصبح زفاف موج من الامور المهمة في حياة خالي قصي وفي اوساط العائلة. اذ بدأ تجهيز قاعة الزفاف واختيار منزل العروسين ضمن حديقة خالي خير الله طلفاح وقرر خالي قصي ان البناء سيكون هدية منه وعلى العريس الاثاث ، كما اهدى العريس سيارة حديثة .
لكن الاحداث تسارعت بشكل كبير بعد هذه التجهيزات بأيام قليلة . قصي كان في الحرب الاخيرة – حرب الاحتلال الامريكي – شجاعاً كما كان قبلها – وكثيرا ما رأيناه عائدا من الجبهة مرافقا جدي مثل خالي ووالدي وعمي. لم أر خالي قصي منخفض المعنويات قط ولستُ حزينة اطلاقاً على نهايته البطولية المشرفة حين قرر ابناء صدام حسين موعدا فإن وعودهم نافذة. ولكن التفاصيل تغيرت قليلاً . فبدلاً من أن يزف خالي قصي إبنته الى زوجها زف هو الى الشهادة
وعن شقيقة خير الله طلفاح تتحدث حرير فتقول كانت عمة جدتي رحمها الله (طليعة طلفاح) إمرأة كبيرة في العمر وعجوز وحين تقدم بها العمر جاءت بها جدتي ساجدة لتسكن معها في القصر الجمهوري . تم وضع مشتمل خاص لها وتخصيص أخصائيين في العلاج الطبيعي يأتون اليها بصفة دورية . وكانت تسير على العكاز المزدوج ذي الارجل الاربع . تم قصف المكان الذي تتواجد فيه في القصر الجمهوري في احد الاختراقات لترتقي روحها الى بارئها شهيدة في آخر سنوات عمرها. كما استهدف منزل خالتي حلا ومنزل جدتي في العوجة اكثر من مرة وكان القصر الجمهوري يستهدف دائما وبشكل متكرر في كل غارة امريكية.
في عامي ثلاثة وتسعين واربعة وتسعين بدأت الخلافات تطفوا الى السطح. وذلك حين حدث خلاف في احدى السهرات على خلفية خلاف تجاري بين أحد أفراد عائلة ( خطاب) وهي من العشيرة نفسها وبين شقيق عز الدين المجيد واسمه ( وائل) وكلاهما من بيت ( الغفور). وعلى أثر هذا الخلاف القيت قنبلة على مكتب وائل اخ عز الدين حيث كان وائل متواجدا هناك وقتل فورا . وهكذا بدأت حرب عشائرية . هي أول ما ينقض عرى مجتمع وما يعيده للجاهلية الاولى. كان الخلاف بين هاتين (الصفحتين) من العشيرة يمتد منذ وقت طويل بعض الشيء . فدائما كان هناك خلاف بين آل خطاب وآل غفور . كما كان هناك تنافس ومناوشات كلامية حتى احداث الـ 91 التي تلت موضوع الكويت. حيث تشاحن شباب من آل غفور مع آخرين من آل خطاب يقربون الى إخوة جدي غير الاشقاء . فقد حدثت مشاكل بينهم تخص أموراً تجارية وأمور القنبلة المذكورة، فازدادت هوة الخلاف بين الطرفين. وتم تشكيل لجنة للتحقيق كان من ضمنها والدي حسين ممثلاً عن آل الغفور وعبد حمود ممثلاً عن آل خطاب. وإطلع جدي بعد ذلك على تفاصيل التحقيق وقرر أن يجتمع بأهل المقتول . وهنا وخلال الاجتماع وأكراما لوجوده بينهم قال ابو المتوفي وهو ابو عز الدين :أنه اكراما للسيد الرئيس نطوي صفحة . وقال لجدي حرفيا «ابو عدي الموضوع صار جوه البساط» وانتهى الموضوع الى هذا الحد . وتوقف موضوع الثأر وحجّم الموضوع على اساسه كي لا تدخل التصفيات ثأرا عشائرياً. لكن وعلى ما يبدو بقيت هناك أشياء في النفوس لدى الطرفين تجاه الطرفين. وظلت هناك مشاورات جانبية بين آل غفور حول ما حدث وكيف ولماذا.
لم يكن حسين كامل رجل المهمات الصعبة فقط بل كان كان رجل القضايا الشائكة ايضاً وبعد حرب الغوغاء ونجاحه في القضاء عليها لمع نجمه اكثر فاكثر.
وعن والدها حسين كامل ابن شقيق علي حسن المجيد تقول: كان والدي كثير التغزل ببلده وهذه صفة مشتركة لدى جميع أفراد عائلة صدام حسين. وحين عمل والدي كمرافق عند الرئيس كان يعمل على نظام (يومين دوام ويومين إستراحة) أي يعمل يومين متتاليين يبيت فيهما في احدى مؤسسات التصنيع العسكري ويعود الى منزله في راحة ليومين. وعلى الرغم من الاسرار العسكرية لم تكن تنقل الى النساء تحت أي ظرف لعدة أسباب، إلا أن الامر لم تكن له علاقة بالحب الذي يكنه والدي حسين كامل لوالدتي والحب الذي تكنه والدتي له.
برز اسم والدي بشكل استثنائي وسريع واصبح حسين كامل من الشخصيات التي لها اسم ووزن في الساحة العراقية. وقد عزا البعض ذلك الى تحقيق والدي رحمه الله الكثير بفرصة أتته من جدي صدام حسين. وبالطبع لقد منح جدي والدي فرصة وبالتالي كان صاحب فضل كبير عليه ولكن هذه الفرصة لم يمنحها جدي لوالدي فقط بل منحت الفرصة والامكانات ذاتها لعشرات غيره ولكن قلة من اولئك الاشخاص فقط حققوا إنجازات للعراق وأثبتوا للرئيس جدارتهم مثل والدي حسين كامل . فقد خدم منصبه بضمير وافنى عمره في خدمة عمله وكانت لديه قناعة مطلقة بالعراق والمنتج الوطني.
وكان يحلم بأن تكون الصناعة الوطنية في العراق من الابرة الى الصواريخ وقد كان ما اراده حرفيا. حيث صنع العراق قبل عام 1990 كل شيء من الابرة الى الصاروخ . وكانت بدايات تحقيق ذلك الحلم في الثلث الاول من الثمانينات.
حين جاء جدي صدام حسين بوالدي وشقيقه في البدايات لم يكن الامر مرده الى صفة القرابة معهما فقط ولكن ما هو أهم من ذلك انه التمس فيهما الشجاعة والقوة والكتمان منذ نعمومة اظفارهما ولذلك قربهما الى دائرة الحماية الخاصة.
كانت لجدي فراسة خاصة في تمييز الناس وقد تقدم والدي بسرعة قياسية الى المناصب العسكرية حتى وصل الى رتبة عقيد وذلك قبل ان يتزوج من والدتي. اذ كان من المعروف والشائع أن حسين كامل حين يمسك ملفاً ما فإنه يتقن معرفة نقاط الضعف بسرعة ويقوم بتطوير الجهاز.
ومن بين اكبر النجاحات التي حققها والدي كان نجاحه في إدارة منظومة التصنيع العسكري العراقية .فقد كان التصنيع العسكري بعد حرب عام تسعين معنيا بعمليات إعادة الاعمار ونجح في اقناع العلماء العراقيين الذين كانوا قد هاجروا الى الخارج بسبب الحروب اولا لاسباب أخرى بالعودة كما أقنع الدولة بإعطائهم الامان وتهيئة المناخ المناسب لهم للابداع واعطائهم عروضا مغرية.
لم يكن حسين كامل رجل المهمات الصعبة فقط بل كان كان رجل القضايا الشائكة ايضاً وبعد حرب الغوغاء ونجاحه في القضاء عليها لمع نجمه اكثر فاكثر. اذ قام والدي والجيش العراقي البطل باخماد الغوغاء والقضاء عليهم في فترة وجيزة والقبض على العملاء الذين إتضح أنهم جاءوا عبر الحدود الشرقية للوطن العربي بمساعدة مخابرات عالمية أخرى. وقد كانت ابرز الاشاعات الكاذبة التي بدأت تنتشر من قبل نظام الخميني ان والدي قد قصف المرقد الكربلائي في محاولة منهم كعادتهم استغلال العاطفة الدينية لدى البسطاء بهدف التأثير على ولائهم الوطني , وقالوا ان حسين كامل قصف المرقد وقال للامام الحسين رضي الله عنه « انا حسين وأنت حسين» وهم يجهلون أن احداً لن يتخاطب بهذا الشكل مع تاريخه واجداده .. هذه جملة تعتبر من الكفر وقد كان اهل والدي واهلي يحرمون الكفر.
ترقى والدي بعد الحرب الى رتبة فريق اول ركن. وتم تعيين عمي صدام كامل رئيساً للجان التحقيق مع الغوغاء التي استمرت بعملها لاعوام طويلة حتى عام خمسة وتسعين وظلت تطارد فلول الغوغاء حتى قيام الحرب العراقية – الامريكية.
وتواصل حرير نقلا عن والدتها الحديث عن حسين كامل فتقول: ان حسين كامل لم يكن يرضخ لقرارات جدي بشكل مباشر مثل الاخرين بل كان كثيرا ما يناقشه فيها مثل قضية اعدام تجار الاعظمية الشهيرة ، حيث قام جدي باعدام عدد من التجار في الاعظمية بتهمة التلاعب باسعار المواد الغذائية . يومها توسل والدي لجدي كي لا يعدمهما وليحوّل له ملفهم ليعاقبهم بطريقته لأنه كان يرى أن خطأهم كبير ولكنهم لا يستحقون الاعدام . وقد رفض جدي ذلك وحوّل الملف الى وطبان الحسن القاسي أصلاً مما زاد الطين بلّة. وقد كانت تلك الحادثة من الاخطاء الكبيرة لانها أثرت على شعبية العائلة وتركت جرحاً لا يندمل في نفوس عوائلهم. وكان لوالدي خلافات مع طارق عزيز رحمه الله على سبيل المثال والذي ساهم نوعا ما في أن تكبر الازمة اي ازمة التجار لا أن تنتهي ولكن لم نكن نتوقع أن تؤل الامور لما اصبحت عليه.
اسباب ودوافع هروب حسين كامل
وعن اسباب ودوافع هروب حسين كامل تقول: لماذا كان الخروج والزعل منذ البداية؟ وللاجابة عن هذا السؤال يجب العودة بعقارب الساعة بضعة أشهر مضت. حيث استمرت الخلافات بالاتساع داخل الاسرة.اذ حدث خلاف بين خالي عدي واحد الاقارب الذي تجاوز على مكانة خالي عدي. الذي لم يكن له اي ود نهائياً حتى قبل حدوث الخلاف.
وهنا استغل هذا الرجل قربه من والدي بعد أن استعان به مستنجداً به فقام والدي بايوائه وخبأه في مزرعته في الدورة والتي تقع بالقرب من مصفى الدورة والجسر. وفعلا سكن فيها هذا الرجل لحوالي اسبوع لم يعترضه احد من رجال خالي عدي اكراما لوالدي. رغم ان خالي عدي قام بالتهديد مسبقاً. وقد استغل هذا القريب تلك المرحلة وصار يملأ أذني والدي بالكلام ويحاول التأثير عليه . وانا لا ابرر نوايا ذلك الرجل. وكذلك والدتي لم تكن تحب نواياه على الاطلاق اذ كان لديها حدس قوي بأن هناك ما يجول في فكره ويحاول تنفيذه عن طريق والدي .
ورغم محاولة والدي إخفاء بعض التفاصيل عما بدور بينه وبين هذا الرجل من كلام ، كانت والدتي تفهم وتشعر بأن هناك ما يخفيه . وكانت تنبهه باستمرار . الا أن والدي لم يقف كثيرا عند تلك التنبيهات . وكانت تحاول بشكل مستمر إبقاء والدي منشغلا في البيت ومعنا لكي تقلل من تلك اللقاءات. غير انها لم تفلح كثيرا.
كان عمي صدام يراقب ما يحدث بهدوء كعادته ولكنه ايضاً كان يميل الى جهة هذا القريب . لذا صار الخلاف بين خالي عدي وخالي قصي من جهة وبين عمي صدام ووالدي حسين كامل من جهة أخرى.
كان والدي على ما يبدو قد بدأ شيء من الاحباط النفسي يتسلل اليه . واصبح يفضل الاستلقاء في وقت راحته على سرير طبي حتى انه في بعض الاحيان يستقبل اصدقاءه او المقربين على ذلك السرير.
كنتُ اعتقد أن إلحاح والدتي على والدي بأن يقنع جدي للسماح لنا بالسفر قد أتى ثماره أخيراً. وانطلقت صيحات السعادة المكتومة منا بيني وبين اخوتي .غير أننا لم نستطع أن نطلقها باريحية لما لمسناه من توتر في جو الرحلة لم نعرف له سبباً.
وعن انشقاق والدها حسين كامل وهروبه الى الاردن قالت حرير تحت عنوان (الفتنة الكبرى) .. في عام خمسة وتسعين وقبل ايام من احتفالات ذكرى النصر على ايران الخميني كنتُ امارس السباحة في الفترة المسائية، دخلت عليّ المربية وهي تقول لي «يجب أن تخرجي حالا سنذهب للعوجة». شعرتُ بجو من التوتر يحيط بنا وخاصة بوالدي ووالدتي وكذلك اخوتي والمربيات والسائقين والحرس والجميع.
ركبنا المرسيدس الخاصة بوالدي وركبت والدتي بجواره وشقيقتي المولودة حديثا ( بنا) تجلس في حضن والدتي. ونحن الاشقاء الاربعة الباقون في الخلف . كانت سيارة بها عائلة عمي صدام كامل وزوجته خالتي ( رنا) وابناؤها وخلفنا بمسافة قريبة سيارة حماية بها عمي حكيم وعدد آخر من الحرس. استمرت السيارات الثلاث تنهب الارض نهباً وبعد مسافة من الطريق المرهق رأينا عبارة ( بغداد تودعكم) وعرفنا اننا في طريقنا الى الاردن، ولسنا في الطريق الى العوجة . لم تسعنا الدنيا من الفرحة. فقد كانت امي منذ مدة تطلب من ابي إقناع جدي بالسماح لنا بالخروج من العراق عن طريق الاردن لقضاء بعض الوقتفي الخارج لتغيير الجوفجميعنا اشتقنا للسفر. فمنذ ان تم منعنا من السفر افتقدنا ذلك الشعور بالمغامرة والاستكشاف الذي يصاحب السفر.
كنتُ اعتقد أن إلحاح والدتي على والدي بأن يقنع جدي للسماح لنا بالسفر قد أتى ثماره أخيراً. وانطلقت صيحات السعادة المكتومة منا بيني وبين اخوتي .غير أننا لم نستطع أن نطلقها باريحية لما لمسناه من توتر في جو الرحلة لم نعرف له سبباً.
رأيتُ أمي وقد نظرت الى السيارة التي بها عمي حكيم والحرس والذين كانوا يشيرون اليهم وهم يستغربون أننا سلكنا هذا الطريق وهي تقول لأبي بلغةذات معنى « أخيراً إنتبهوا». كان هناك أمر ما في الجو بين امي وابي .. سر ما لا نعرفه.
وهنا بدأنا ننتبه الى أن والدي كان صامتاً أثناء الطريق ولم يتحدث كعادته. أبي الذي كان يمزح في اقسى الظروف كان صموتاً جداً في ذلك اليوم. جاءتنا صيحة هادرة من والدي تطالبنا بالنزول – لاحظنا عصبية أبي الاضافية في ذلك اليوم. فعدنا الى مقاعدنا ولاحظتُ ملامح أبي التي كانت في عزلة غريبة في ذلك اليوم. ولاحظنا الاجواء المتوترة فقد ضرب أخي علي واختي وهج ووصلنا الى النقطة الحدودية مع المملكة الاردنية الهاشمية في منطقة (طريبيل) وتم وضعنا في سيارة (كرفان) على الحدود. كنا تسعة أطفال ولم نتكلم بناءا على طلب والدي. كان الجنود في النقطة على علم بهوية الزائر ، فقد وصل عمي صدام كامل قبله بثلاث دقائق وطلب من الجنود تفريغ الحدود لأن حسين كامل سيعبر وحصلنا على حالة من الاهتمام. افهمهم والدي بأن لديه ضيوفاً سريين في (الكارفان) وعليه عبور الحدود بسرعة . كان الكارافان مغلقاً وقد غطيت الشبابيك بستائر لكي لا يظهر الاطفال داخله.
يبدو ان جنود الحدودو كانوا معتادين على هذا الامر فقد عبرنا الحدود العراقية بسرعة ويسر وبدون مشاكل تذكر . فقد كان اسم حسين كامل يكفي لفتح جميع البوابات امامنا. وطلب والدي من مسؤول المخابرات العراقية الى الحدود أن يركب معه لتجنب الزحمة في الحدود العراقية وتكرر الامر في الحدود الاردنية ولم نتأخر إطلاقاً. وقد فعل والدي ذلك بذكاء لغرضين الاول هو أن ينهي عبورنا للحدود بسرعة والثاني كي لا يستطيع ضابط المخابرات إبلاغ بغداد بأننا غادرنا. وقد اصدر جدي صدام حسين بعدها قراراً بمنع حرس الحدود منخروج اي ضابط مهما كانت رتبته قبل الاستئذان من بغداد. ووصلنا الى عمان حوالي الرابعة صباحاً ولاحظنا أن حرس والدي متورون جدا للحد الاقصى ولكنهم لم يسألوا عن أي شيء .
وتقول حرير: يعتقد الناس دوما ان الشخص الذي يكون في قمة هرم السلطة يكون اسعد الناس ولكن الحقيقة التي يفهمها كل من جرب أن يكون في السلطة ذات يوم هي أن وجود اسرة ما في السلطة يعني اقصى درجات التضحية من اجل الوطن واقل درجات التضحية هي عدم الحصول على الحرية وراحة البال . دعك عما اذا كان البلد في حالة حرب ، النوم القليل . المسؤولية المستمرة .الخوف على الاسرة. كذلك روحك التي تكون على علم بأنها مستهدفة في أي لحظة .
أنا اتعاطف بشكل كبير مع جميع السياسيين حتى إن أختلفت آرائي معهم لانني أعلم أنهم لم يناموا كما يريدون ولم ينعموا براحة البال قط حتى لو امتلكوا مليارات الدنيا وجميع وسائل الراحة.
على ان فترة الراحة لم تطل لكي نفهم ما يحصل فبعد فترة ظهر والدي على شاشات جميع وسائل الاعلام العالمية وهو يقول اموراً كثيرة لم نفهمها ولكننا صدمنا من ردة فعل والدتي فقد كانت تشاهده على التلفاز بوجود احدى الضيفات من الاردن ثم انهارت فجأة وأغمي عليها. كنا خارج غرفة والدي نسترق السمع ونسمع صوت الشجار سمعنا مقتطفات من حديثهما لماذا لم تخبرني منذ البداية .. لقد جئت معك بناءا على تربيتي ولكنك خدعتني.. لا تضعني في خيار بينك وبين أبي فأختار أبي.. وغيرها من العبارات التي كانت أمي ترددها غاضبة .
تحرك المعارضة العراقية والمخابرات الاجنبية
وتضيف حرير: بدأت المخابرات العالمية والمعارضة العراقية تتواصل مع والدي بشكل يومي . وهنا انتهى السيناريو الجميل الذي كانت والدتي والخالة رنا ترسمانه بأن الموضوع زعلة ستذهب .. لانهم جميعاً أهل وأنساب وأقارب. كما أن الموضوع أصبحت فيه إساءات متبادلة وتدخلات خارجية وخرج الخلاف الى العلن. واستمر زوار الليل والنهار لوالدي بمن فيهم الامريكان. وجاءت المعارضة التي تحكم العراق اليوم لتجلس معه عدة جلسات واستمرت الزيارات من الامريكان والمعارضة لوالدي بشسكل شبه يومي. .. وهكذا أنتهت الحفلة قبل أن تبدأ وهدأت الامور مؤقتاً وبقيت أيامنا في الاردن غير متشابهة وبقي والدي يكابر ولكنه في الحقيقة كان حزيناً وعصبياً. عمي صدام بدوره كان يعتصره الألم ولكنه كان صموتاً وصابراً وأكثر تقبلاً للواقع الجديد من والدي. وقد قام بإفتتاح مكتب تجاري صغير وبدأ بممارسة عمله إذ أراد أن يعيش بشكل طبيعي . اما والدي فقد احاط نفسه باصدقاء المصلحة وبدد الكثير من الاموال التي كانت بحوزته كعادته في اعطائها لاشخاص ليسوا ثقة وقاموا بالتلاعب بها .. كان عمي صدام يذهب يومياً الى مكتبه وهو يحمل معه حقيبته السامسونايت الجلدية الجوزية او البنية كما تعلمنا في الاردن وكان عز الدين المجيد وزوجته عمتي واخوته معنا وقد سكنوا في القصر مع ساكنيه. ظل عز الدين معنا في القصر لمدة شهر واحد بعد ذلك غادر بمفرده واتضح فيما بعد أنه ذهب الى زوجته الثانية تاركا عمتي( الهام) واولادها الاربعة في القصر معنا . سكن جميع العزاب بمن فيهم عمي حكيم في غرف السرداب.
كان عمي صدام متأكداً من أن عاقبة الامر لن تكون سليمة. بالاضافة الى أنه كان في أيامنا الاخيرة في الاردن مريضا بشدة. كما انه ربى لحية غليظة ولم يحد من شاربيه.
وبدأت اعراض (حمى العراق) تظهر علينا كما تقول حرير، وراحت والدتي تشتري الصحف العراقية لتملأ عينيها من اخبار جدي. في الوقت الذي كان ابي متألماً جداً من موقف جدي واستغنائه عنه. وذات ليلة دخل علينا والدي وهو يحمل على وجهه تعبيراً لا يمكنني فهمه وقال عبارة واحدة ولكن بعصبية « جهزوا جنطكم .. راح نرجع لبغداد…» لم تكن الارض قادرة على استيعاب حجم فرحتنا . تم اتخاذ قرار المغادرة في اليوم نفسه وفتحت ابواب القصر خلال ساعات. ركبنا وغادرنا في سيارات المرسيدس نفسها التي خرجنا بها من بغداد ولكنها الان تحمل ارقاما اردنية . كان خروجنا من الاردن سريعا وغير منظم كان والدي يضع رشاشاً اسفل قدميه. وصلنا الى الحدود العراقية ليلاً . وقال عز الدين المجيد لوالدي «من ترجع تنذبح ابو علي» فرد عليه والدي وكأنه موقن مما سوف يحدث «صار لي سبعة شهور هنا.. أنذبح ببلدي وبين اهلي أشرف لي» كان والدي مؤمنا ليس علينا أي شيء ، ولكن كان مؤمنا بنسبة 90% بأنه سيقتل . كان يعلم أنه سيقتل ولكن خطأ والدي في حساباته هذه المرة كان ابي لا يحسن المكر ولهذا لم يكن يتوقع المكر من احد وخاصة من المقربين منه.
اجرى والدي مكالمة هاتفية مع خالي عدي الذي كان ودودا جداً وقال لوالدي ولأمي « انتم عندي» أي أنهما في حماه ، فسحبت والدتي الهاتف من يد والدي وسألت خالي عدي «أكيد يا عدي ؟ «فقال لها «أنتو بشاربي» فطمأنت أمي جداً لكلمة خالي عدي وإطمأن والدي .. تقبّل عمي صدام كامل الموضوع على مضض.
وبالمقابل لم يوافق عمي صدام كامل أبي أبداً على إطمئنانه .. ولكن والدي لم يرض بأن يبقى في الاردن وقال له أثناء التباحث على العودة «جئنا معاً ونعود معاً» ورفض عمي صدام كامل ذلك فبكت خالتي رنا بشدة وطلبت من إبنتها (نبع) أن تقنع والدها بالعودة. كان عمي صدام كامل يحب ابنته نبع جداً ودخلت عليه وهو يرتدي لبس النوم في في احد الايام وأنا معها وكان يرتدي وشاحاً وهو مريض ومحموم . وقالت له «بابا» .. انحنى عليها وهو يقبلها ليسمع طلبها فأردفت «الله يخليك خلينا نرجع».
وتوصل حرير ذكرياتها قائلة: لا أنسى حتى اليوم تلك النظرة التي نظر اليها وكأنه يقول «قتلتموني». ومن الحب ما قتل.
كان عمي صدام متأكداً من أن عاقبة الامر لن تكون سليمة. بالاضافة الى أنه كان في أيامنا الاخيرة في الاردن مريضا بشدة. كما انه ربى لحية غليظة ولم يحد من شاربيه. كانت صورته ملائكية في تلك الايام ، نقول في العراق شكله (ابن آخرة) أي أن علامات الموت قد ظهرت عليه .. نزل وزنه حوالي عشرة كيلوغرامات بسبب توقفه عن شرب الشاي المحلى بالسكر رغم ولعه به.
وصلنا الى داخل العراق وقد أخذ منا التعب حصته وصلنا جائعين وعطشانين علينا وعثاء السفر فخشينا ان نطلب من والدي حتى استخدام الحمام لفرط عصبيته. تم ادخالنا الى بناء بسيط ووضع النساء والاطفال في غرفة. رأينا من وراء الزجاج والدي وعمي يقفان في الخارج . جاء خالي عدي وسلم بشكل بارد جدا على والدي وعمي ثم دخل الى حيث نحن .. هرعنا اليه جميعاً وكنا مشتاقين له جداً. وبحضوره بدأت معالم العراق تظهر لنا تدريجيا بعد فراق وإشتياق إستمر سبعة اشهر. كان هادئاً معنا ومتزناً وقال لنا سيوصلنا بنفسه الى المنزل. وهنا إطمأنت أمي بشكل كبير كان خالي شخص آخر.
الطريق الى القصر الجمهوري كان معروفاً للجميع، لذلك حين تغير الطريق قال والدي «أها.. بدينا».
اوقف والدي السيارة وكذلك عمي صدام كامل أوقف سيارته واوقف خالي عدي سيارته التي كانت تتقدمنا مع مرافقه .. توتر الجو .. توقفت السيارتان بجوار بعضهما .. وقال خالي عدي لوالدي «لم أشأ إزعاجكم في البداية .. لقد تمت مصادرة منزلكم حين غادرتم.. ولهذا سأخذكم الى منزل آخر مؤقت. سكت والدي بينما نظر اليه عمي صدام كامل نظرة « ألم أقل لك؟» بدا على عمي صدام هدوء غريب وكأنه واثق مما سيحدث . بينما كان والدي لا يزال بين بين. وصلنا الى بيت تملكه المخابرات من طابقين كان صغيراً ومهينا بشكل مناسب .كنا سعداء جداً ونسأل باستمرار « متى سنرى جدتي ساجدة ؟» .متى سنرى بابا صدام ؟»
وفي اليوم التالي جاءت جدتي صفية والدة حسين كامل ،وكان هناك عدد من اقارب والدي ممن قدموا علينا للسلام أو الاطمئنان. بينما لم يأت احد من خالي أو من جهتهما .. كان البيت مقبضاً ويدفع الى التشاؤم. ثم جاء خالي عدي وطلب منا ألا نطبخ لأنه سيحضر الطعام للفطور والغداء . وطلب منا ألا نخرج من المنزل حتى تهدأ الامور.. وبالفعل وصلت الاطعمة ولكنها لم تكن معدة في مطبخ خالي عدي بل كانت معبأة في علب المنيوم للاستخدام المؤقت . وكانت باردة نوعا ما وبلا طعم.
بعدها جاءت اوامر جدي لأبي بكتابة تقرير مفصل عن كل الذين قابلوه في الاردن وعن اسئلتهم ورغباتهم وما يحيكونه للعراق من مؤامرات .
طار والدي فرحاً بهذا التكليف وتغيرت نفسيته فوراً .. وانعزل عما حوله تماما واخذ يسرد لوالدتي وهي تكتب. اذ اعتبر والدي طلب جدي التقارير فرصة ذهبية .. بدأت والدتي تكتب ولساعات طويلة ما يسرده عليها والدي من تفاصيل.
وفي المساء جاءت جدتي ساجدة مع حرسها وبدا من الواضح أنها غاضبة ومستاءة جداً لم تتكلم ولم تسلّم . قال لها والدي « شلونج عمتي؟» فجاوبته بهمهمة « هلا .. هلا» دون النظر اليه . قبلتها عمتي الهام.. كان من الواضح انها لا تحتمل والدي ولا عمي ولا عماتي ولا وجوههم . قالت انها ترغب بأخذ الاطفال لكي يسلموا على جدهم. فلم يعترض والدي ولا عمي . وخرجنا بملابس العيد التي جئنا بها من الاردن ولم ننظر الى الخلف. ولم تتبادل اي كلمة مع والدتي وخالتي . وطالبت منهما ان تعتذرا من والدهما بشدة لانهما قد زعلتاه بشكل كبير. وصلنا الى القصر الجمهوري وجلس الكل في غرفة جدتي ساجدة. رأينا جدي صدام حسين قبلناه وقبلنا واحتضننا بطريقة آلية دون أن يتكلم . وقد سمعتُ امي تكرر على جدي اكثر من مرة « بس إسمع منه يا أبي أرجوك .. بس إسمع منه».
وفي اليوم التالي جاء خالي قصي لزيارتنا وكان ايضاً منزعجاً وباردا وجافاً مثل البقية.. يبدو أننا إعتدنا على هذا النمط من الاستقبالات ، فلم نتأثر بإستقبال خالي قصي الباردة كثيراً.
في اليوم نفسه الذي جاءت به جدتي لاخذنا الى جدي صدام قرر عمي ووالدي ترك المنزل المؤقت في الجادرية وهو ذلك البيت المشؤوم الذي كانت رائحة الموت تفوح منه.
وفي اليوم الثالث إستيقضنا على اصوات بكاء وعويل في القصر . فزعنا وركضنا الى الصالة لنجد والدتي وخالتي رنا تبكيان بطريقة هستيرية ..ركضت الى أمي واحتضنتها . فقالت لي من بين دموعها « يريدون يطلقون امكم من ابوكم» كان خالي قصي يقف غير بعيد وقد يديه خلف ظهره وبدا عصبياً جداً.
وكانت امي وخالتي رنا تبكيان وهما تحاولان إقناعه بأمر ما .وكانتا تقولان له « حسين وصدام لم يطلقونا ..مستحيل أن نصدق ذلك».غير ان خالي قصي قال لهما « وافقا على طلب الطلاق» الى أن يهدأ والدي ومن ثم ستعودان لزوجيكما».
قالت أمي « لا اوافق على الطلاق الا اذا سمعتها من فم حسين شخصياً.. كانت امي تعرف ان ابي يموت قبل أن يجبره احد على التلفظ بما لا يرغب بقوله . وبعد الحاح شديد تم السماح لأمي وخالتي رنا بالاتصال بوالدي وعمي صدام كامل في البيت الذي بقيا فيه . وقال والدي لأمي « رغد أنت تقبلين تتطلقين؟» فقالت والدتي « لا والله ما اقبل» وبالمثل سألتي خالتي ونا زوجها عمي صدام كامل وكان جوابه بالمثل.
عندها إتضحت الصورة وأن الاربعة مرفوض لديهم موضوع الطلاق بتاتاً . أمر جدي بإحضار قاضي القضاة للبدء بإجراءات الطلاق وقد اخبر القاضي جدي انه شرعا وقانونا لا يستطيع الموافقة على الطلاق قبل سماعه بنفسه طلب الطلاق من المعنيين بالامر أي والدتي وخالتي. وجاءت امي وخالتي ومثلتا أمام القاضي فسألهما « هل تريدين الطلاق فعلاً؟» فاجابته بنبرة تحد وعتب « والله ما اعرف .. إسأل والدي؟»
ابلغ جدي بعدم قدرته على إتمام إجراءات الطلاق لعدم موافقة والدتي واعطوا والدتي ورقة الطلاق لتوقعها فغيرت توقيعها في ذلك اليوم كدليل على عدم الموافقة.
وفي الوقت نفسه وعلى الطرف الآخر تم ارسال احد الاقرباء وهو ابن عم والدي وقد أمر والدي وعمي بتطليق زوجتيهما وكان معه مرافق من اهل الدور. عرفنا أن ابن عم والدي هناك ولكننا لم نعرف بما دار بينه وبين والدي بالتفصيل تماما. وبعد فترة عاد ابن عم والدي الى القصر الجمهوري كان وجهه مهموما جداً كأنما كان يعرف بالمذبحة التي ستحصل.
قرار العشيرة بغسل العار
في اليوم نفسه الذي جاءت به جدتي لاخذنا الى جدي صدام قرر عمي ووالدي ترك المنزل المؤقت في الجادرية وهو ذلك البيت المشؤوم الذي كانت رائحة الموت تفوح منه. طلب من والدي وعمي القدوم الى منزل آخر لعقد اجتماع عند الثالثة فجراً . كان اجتماعاً عائلياً هادئاً وان كانت علامات التوتر غير خافية . ولكن سبب الهدوء كان يعود الى ما اعلن رسمياً والذي يمثل الجانب الحكومي عن العفو الذي اصدره جدي صدام حسين عن والدي وعمي في اليوم نفسه. وكان جدي قد صدام حسين قد جمع البيجات كلهم وقال لهم أنه عفا عن حسين كامل ولكنه اضاف كلمة غيرت كل شيء « لقد عفوتُ عن حسين كامل .. قانونياً أما عشائريا يجب غسل هذا( العار) والتقط عم والدي ورد فوراً « سيدي الرئيس ..إن كنتَ قد عفوتَ .. فنحن كعشيرة لم نعفو». فصمت جدي ولم يجب. ورفع احد الاقارب يده وقال « هم ازواج بناتك وآباء احفادك فاعفوا عنهم .. فأجابه جدي صدام» نحن لا نترك حقنا كعشيرة ولا نعفو» واضاف خالي عدي» الاصبع الخايس من الايد نكصه « وواصل» بأننا نغسل عارنا بأيدينا».
ومن ذلك الاجتماع وتحت شعار « عارنا نغسلوا بايدينا» وهي كلمة الحق التي اريد بها باطل» وقد اتخذ القرار على جميع آل بو غفور الذين صادقوا عليه الا جدي كامل الذي قالها بوضوح «اذا قطعتموني إرباً لا أتبرأ من ابنائي .. كيف لأب أن يتبرأ من أبنائه»
تم تطويق منطقة السيدية بالكامل من قبل قوات الجيش منذ منتصف الليل وكانت مهمة الجيش هي فقط تطويق المنطقة بكاملها بدون تدخل عسكري. وتم تطويق المنطقة التي فيها المنزل عشائرياً بهدوء قبيل الفجر بساعات . بدأ إطلاق النار عند الثالثة فجراً. وفي مساء اليوم الذي يسبقه طلب من والدته .. جدتي صفية أن تذهب لتفزع على اعمامه. وبالمثل كان قد خزّن الكثير من الاسلحة في المنزل خوفاً مما قد يقع وكانت في اغلبها غدارات ومسدسات حفيفة وليست اسلحة ثقيلة .
فتحت النار بقوة من الجهتين وراحت النسوة يصرخن ويستغيثن . وقتُتل الرضيع وقاتل حسين قتال الابطال . قُتل الاطفال جميعهم . قُتلت المربيتان تاضي وشقيقتها.
ارهق عمي صدام المهاجمين وعرقل صعودهم على السطح قبل أن يردوه قتيلاً. قُتل عمي صدام وهو يصرخ « هل هذا هو عفو صدام حسين؟» وقُتل جدي كامل. وقُتل عمي حكيم . واستمر أبي يقاتل من داخل المنزل . إثنتي عشرة ساعة بقي والدي يقاتل خالي عدي وخالي قصي. اثنتي عشرة ساعة قتل خلالها إثنان من عم والدي الذين كانوا من المهاجمين لقتل والدي. وقفز والدي الى المنزل المجاور وفي باحة المنزل ولكثرة الاصابات اصبح جسده منخلاً لكثرة ما اصابته الرصاصات . كان لابد ان يسقط في النهاية ولكنه سقط مقاتلا وبطلاً. كانت اخر كلماته لمقاتليه وبعد ان نفذت ذخيرته بالكامل « ها أنا ذا..» ووسط ذهول الجميع لم يستسلم كما ارادوا ومات بطلاً كما عاش سحبت جثته ولوحظ عليها أن الكثير من الخشب قد تم لفه على اطرافها المختلفة وكأن صاحبها قد رمم جسده لكي يبقى يقاتل.
اما نحن في القصر الجمهوري كنا متحلقين ويملأنا الامل .. لم نكن نعرف بالمجزرة التي تجري في مكان آخر من بغداد. ورأيت والدتي ومعها خالتي رنا ووراءهما جدتي ساجدة ثم التفتت والدتي الينا وقالت لنا بهستيريا « لقد قتلوا آباءكم».
كانت خالتي حلا غاضبة لغضب جدي ، رد فعلها قاسياً فقد كان زوجها مشاركاً في عملية ( الثأر العشائري) لذا لم تكن متعاطفة معنا مما جعل العلاقة بيننها وبين شقيقاتها تفتر لسنوات قادمة.
اذ استمر غضب جدي صدام حسين من إبنتيه لفترة ولكن زعله من والدتي كان اكبر لانه يرى بأنه قد خيبت أمله بخروجها الى الاردن مع زوجها وخاصة انه كان متعلقاً بها. وقال جدي ذات يوم « طلعت – خروج – حسين كامل كسرت ظهري».
بعد مدة استعجلت والدتي بالانتقال الى قصرنا في منطقة الجادرية، وبعد ان رفضت عرض جدتي ساجدة بأن ننتقل للاقامة لديها.
وكنا قد اعتدنا أن يقوم رجال الاستعلامات بايصال ما يصل لنا الى اي مكان نرغب فيه، اصبح رجال الاستعلامات يلقون أثاثنا امام البوابة ويذهبون. وبقي تعاملهم معنا سيئاً بل ويكتبون تقارير دورية عنا.مما سبب لنا كثيرا من المشاكل.
منعت جدتي ساجدة الاقارب والعمات والخالات من زيارة والدتي لايقاف المشاكل . واصرت العمة سهام رحمها الله أخت جدي صدام حسين والعمة ( هيفاء) احمد حسن البكر زوجة ابن خال جدي عدنان خير الله وشقيقي جدتي ساجدة على زيارة امي وخالتي بشكل مستمر. وكذلك العمة الاكبر سناً آمال.وكذلك (لمى) زوجة خالي قصي ويبدون تعاطفهم واستنكارهم لما حدث.
وتغير جدي صدام حسين واصبح منطويا على نفسه بشكل كبير لا يستقبل الا الاصدقاء المقربين يقرأ القرآن بشكل يومي ولفترات طويلة جدا.وبقي من اعمامي جمال على قيد الحياة لكنه قتل بعدها بطريقة غريبة . فبعد الاحتلال بفترة عاد ليبيع قطعة ارض يمتلكها فقتلته المليشيات الطائفية رغم انه لم يكن له اي منصب سياسي بل لكونه شقيق حسين كامل.ومن اقارب صدام حسين.
كرهتُ في تلك السنة خالي قصي وكرهت خالي عدي بشكل اكبر لانه هو الذي اقنعنا بالعودة ووعدنا بأننا سنكون في حمايته. وكرهتُ جميع الاقارب الذين إشترك آباؤهم في عملية تصفية والدي.
وعن الحرب والاحتلال تقول حرير: وانا منذ صغري وحتى الآن لم أر حرباً خاضها محتل بشرف ولم أر أي مبرر منطقي لقتل الاف الناس بحجة تغيير نظام لا يعجبهم . وبرأيي لا يوجد طرف واحد منتصر في أي حرب ، فكلا الطرفين خسرا حتماً الكثير من الارواح والمال العام ، وكسبا تخلفاً للدولة بدلاً عن تطويرها والكثير من المآسي التي لن يستطيع الوقت أن ينسيها لضحايا أو يعوض فيها عن عزيز فقدوه. هكذا هي الحروب فلا عدالة فيها ولا اخلاق فالعدالة والاخلاق تخرج أسوأ ما في النفوس وأسوأ ما في الشعوب وأسوأ ما في الامم.
كانت عائلة صدام حسين تدير العراق بلا قوانين! وكأن العراق من أملاكهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله
كفيت واوفيت شكرا سيد دوري
انتي لم تذكري السبب الذي جعل والدك حسين كامل الخروج من العراق!!!!
بشر القاتل بالقتل ولو بعد حین . سوال یجب توجیهه لعوائل هولاء . اذا کانت تهمة التخابر مع جهات اجنبیة مع والدها لیست بکبیرة وهو شهید وما الا ذالک من خزعبلات . لماذا کان صدام وعشیرته وحزبه یعدمون حتی النساء والاطفال وحتی الدرجه الرابعة من کل من یتهم بتورطه بتخابر او التعامل مع الاحزاب المعارضة الکوردیة منها او الاسلامیة ؟؟!! مالکم کیف تحکمون .
للاسف والدك خان الامانة ويستحق ما حصل له ..انا كنت في تلك الايام ادرس في العراق .وقد المنا جميعا خيانة والدك وفرحنا كثيرا لمقتله ..ورحم الله صدام حسين واسكنه فسيح جناته.
جيد جدا لما قريت كتاب شفت سيناريو كتابة
الله بعينكم علي ماواجهتم جد فطر قلبي عند قراءه المذكره واقتنعت ان عيشه متوسطي الحال كنز لايضاهي كنوز قصور الرؤوساء الحمدالله انا من عامه الشعب
المفلس في القافله امين
قد تكون قصة جيدة لفيلم ولكنها تحمل مغالطات كثيرة حيث انك تنقلين عن امك ولم تعيشي تلك الأيام إلا وأنت طفلة فلم تنقلي الواقع وال مغالطات واضحة لمن عاش تلك الأيام