محروقات الأردن: معادلة التسعير غامضة وعدم السماح بالاستيراد وبقاء الحكومة بالقطاع «ألغاز» تحير الجميع

بسام البدارين
حجم الخط
2

هل تقدر الحكومة بان الثمن الذي ستدفعه ماليا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا أكبر بكثير من الثمن الذي كان يمكن ان تدفعه قبل أسبوعين عندما ظهرت الملامح الأولى في الإضراب والعصيان؟

عمان ـ «القدس العربي»: سؤالان الإجابة عليهما أقرب إلى لغز سياسي وبيروقراطي في ظل تفاعل المشهد الداخلي الاردني باتجاهات غير مرغوبة من جميع الأطراف على هامش ما سمي قديما بلغز تسعير المحروقات وتسبب حديثا بإضراب وسلسلة احتجاجات.

السؤال الأول هو ذلك الذي يحاول فهم أسباب ومبررات ومسوغات التشدد الحكومي غير المسبوق خلف الستارة وأمامها في عدم التجاوب أو التفاعل مع إضراب سائقي الشاحنات الذي بدأ صغيرا وتعبيرا عن حاجة معيشية ملحة لشريحة من الموظفين العاملين بالقرب من القطاع العام.
والسؤال هنا يحاول فهم الأسباب التي دفعت الحكومة للتشدد وعدم إظهار أي قدر من المرونة أو تقديم تنازلات مع علمها المسبق بكل التقارير الأمنية الطابع التي تخيلت أو توقعت مبكرا بان أزمة معيشية تستقطب المزيد من المحتجين.
السؤال الثاني هو ذلك المرتبط مجددا بعدم توفير إجابة مقنعة أو رواية لمسار الأحداث في تسعير المحروقات خصوصا في ظل احتكار المشتقات النفطية.
وبالتالي وعلى لسان الخبراء يصبح السؤال كالتالي: ما الذي يحول حتى هذه اللحظة دون فتح باب الاستيراد وتحرير أسعار المشتقات النفطية والمحروقات أمام جميع الأطراف حيث السعر الوارد إلى السوق يتم التحكم به؟
لا بل حسب بعض الآراء يتم إجبار مصفاة البترول على الالتزام بالسعر ودون السماح لشركات متعددة ترغب باستيراد المشتقات النفطية كما يحصل في بلدان أخرى بالجوار من بينها تركيا ولبنان.
الإجابة رسميا غير متوفرة حتى هذه اللحظة.
لكن السؤالين يستنسخان ثالثا قد يكون في الواقع أكثر أهمية من سابقيه وهو الاستفسار عن الآلية التي يتم بموجبها تسعير المحروقات واستمرار شعور المواطن العادي أو المستهلك العادي بانه أمام خيار سعري واحد، مع ان وزيرا سابقا للتخطيط سأل علنا عن ما إذا كانت الحكومة لديها قرار حقيقي بالانسحاب من التسعير في القطاع العام حيث لا تنفع اليوم سياسة البقاء، والمغادرة بنفس الطريقة على أساس ان ميكانيزمات السوق تتأثر بكل ذلك.
وبالتالي السؤال الثالث يعيد الإشارة إليه خبراء كثيرون من بينهم الخبير الاقتصادي موسى الساكت الذي يبلغ الرأي العام بان حجم الخسائر المادية التي نتجت عن الإضراب في مرحلته وما بعده أكبر ماليا بكثير من فارق تخفيض الأسعار بنسبة بسيطة وضئيلة تناسب قطاع سائقي الشاحنات.
قال شيئا من ذلك أيضا وزير الداخلية مازن الفراية في مؤتمر صحافي عندما أشار إلى ان الخسائر كبيرة وألمح خبراء كثر بان الحكومة إذا ما قدمت تنازلا طفيفا لحل مشكلة سائقي الشاحنات كان يمكنها تجنب خسائر كبيرة جراء الإضراب.
لان الإضراب يعني عدم استعمال السيارات والمركبات وبالتالي حرمان الخزينة من الضريبة التي تصل إلى 47 في المئة بالنسبة لبعض المشتقات النفطية خلافا للخسائر التي تكبدها القطاعان العام والخاص والاستنزاف الأمني الذي تطلب العديد من النفقات خلافا أيضا لتكدس الحاويات والفوضى والإرباك التي حصلت في ميناء العقبة.
كل تلك الخسائر جوزف بها بيروقراطيا وحكوميا لأغراض تثبيت فكرة الحكومة وهي انها لن تخفض ضريبة المحروقات ولن تخفض الأسعار لا بل لن تخضع الأسعار للمضربين هل يستحق كل هذا الأمر الاشتباك مع التفاصيل بهذه الطريقة وهل تقدر الحكومة اليوم بان الثمن الذي ستدفعه ماليا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا لاحقا أكبر بكثير من الثمن الذي كان يمكن ان تدفعه قبل أسبوعين عندما ظهرت الملامح الأولى في الإضراب وحالة العصيان؟
بكل حال عمليا لا إجابة مباشرة على مثل هذه المعطيات التي أنتجت عشرات الأسئلة في الواقع المشهدي اليوم وما تقوله الحكومة في سياستها التسعيرية للمحروقات هو ان الشارع والرأي العام عليه ان يتكيف مع الثوابت التي يقال ان بعضها غامض في مسألة تسعير المحروقات لا بل في مسالة استيراد المشتقات النفطية أصلا وتكريرها بكلف أكبر من كلف استيرادها من الأسواق العالمية عمليا.
ملف أسعار المحروقات كان غامضا ولا يزال غامضا وبكل الأحوال هذا الغموض هو الذي أنتج حالة عدم اليقين أو غياب الثقة بين المواطنين والحكومة وبالضرورة أنتج لاحقا كل هذه الاحتقانات الاجتماعية والتي عبرت عن نفسها أحيانا ببعض العنف وانتهت بسقوط شهداء أو جرحى من رجال الأمن خصوصا وان المؤسسة الأمنية تحاول ملء الفراغ والسيطرة على الأمن وتقدم تضحيات في هذا الاتجاه فيما السياسي والبيروقراطي يجازف بكل التفاصيل وبطريقة غير مفهومة بعد.
مشهد التسعير للمشتقات النفطية وما يحصل في مصفاة البترول وكلفة التكرير وعدم فتح الاستيراد والبقاء في السوق في جزئية التسعير كلها أصبحت بمثابة الغاز.
لكن الفوضى التي اجتاحت القطاعين العام والخاص جراء حالة العصيان والإضراب الأخيرة تعيد فتح هذه الأسئلة على نحو من المرجح ان الحكومة لا ترغب به والبقاء في حالة عدم إجابة على هذه الأسئلة والتمسك بروايات غير مقنعة لم يعد خيارا ترفيا بالنسبة إلى سلطات القرار الأردني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول راءد:

    الله يفرجها ويهونها علينا جميعا

  2. يقول م.محمد:

    انا نفسي افهم شغلة واحدة . بند التبخر بالتسعيرة . بالصيف ممكن .لكن الان بطقس بارد وشتاء وانجماد . كيف تبخر .ههههههنه

اشترك في قائمتنا البريدية