دمشق ـ «القدس العربي»: خلّف الاختفاء القسري في سوريا، والذي يعتبر ظاهرة اتسمت باتساعها وشمولها منذ بدء انطلاق الحراك الشعبي في سوريا في مارس/آذار 2011، قرابة 150 ألف شخص ما بين معتقل ومفقود، وبعد فتح ما أمكن من السجون وأماكن الاحتجاز وخروج نحو 50 ألف معتقل، تبين أن الغالبية العظمى هم من المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم. ما شكّل صدمة كبيرة لدى عائلات المفقودين خاصة من كان في سجن صيدنايا العسكري حيث قدرت أعداد المفقودين في هذا السجن وحده قرابة 4000 دون وجود توثيق رسمي لهم، ما فتح باب التكهنات حول مصير عشرات الآلاف من المعتقلين في سوريا.
وأكد مدير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» فضل عبد الغني لـ «القدس العربي»: أن نظام الأسد قتل أكثر من 85 ألف مختف قسريا تحت التعذيب».
استراتيجية للسيطرة
وبين أن «النظام السوري استخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لترسيخ وتعزيز سيطرته والقضاء على خصومه، وقد تم تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل مدروس ومباشر وموجَّه، ضد جميع المشاركين والنشطاء في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية وبشكل خاص في سنواته الأولى التي شهدت أعلى نسبة من المختفين قسرياً بهدف إنهاء وإضعاف الاحتجاجات المناهضة له، ثم توسعت ممارساته واستخدامه بدافع مناطقي وطائفي مع اتساع الاحتجاجات بهدف ترويع المجتمع ومعاقبته بشكل جماعي. ولم تكن هذه الظاهرة الوحشية تمارس بشكل معزول أو عشوائي، بل كانت جزءا من منظومة قمعية متكاملة، إذ نفذت بشكل منظم ومخطط وشاركت في تخطيطها أعلى مستويات الدولة والمنظومة الأمنية، وتورطت في ارتكابها كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تورط الجهاز القضائي، الذي لم يقم بدوره في حماية حقوق المختفين قسرياً، بل كان أداة مساعدة في تسهيل وتغطية عمليات الاختفاء القسري».
وتابع أن النظام السوري هو «المتسبب الأكبر بنحو85 في المئة من إجمالي حالات الاختفاء القسري. وهذا العدد الهائل من ضحايا الاختفاء القسري، يؤكد على أنَّها ممارسة منهجية، ومتكررة، وترتكب بشكل واسع بحقِّ عشرات آلاف المعتقلين فهي بالتالي تشكل جرائم ضد الإنسانية».
وحول التكهنات بوجود مقابر الجماعية، قال عضو رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا قيس المراد لـ«القدس العربي»: «يتوقع العدد الإجمالي للمختفين في سوريا، قرابة 150 ألفا منذ عام 2011 وبعد ما تم تحرير جميع السجون كانت هناك صدمة كبير بعدد المعتقلين الذين تم تحريرهم وخاصة من سجن صيدنايا العسكري حيث قدرت الأعداد هناك قرابة 4000 معتقل دون وجود توثيق رسمي لهم هذا الأمر. وأضاف: «حسب التقارير السابقة وخاصة تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عام 2015 فقد قدر أنه قرابة 13 ألف معتقل تم إعدامهم من عام 2011 الى 2015».
حيث أن النظام كان يقوم بعمليات تنفيذ الإعدامات يومين أسبوعيا وبعدد تقديري لكل دفعة بين 20 إلى 50 معتقلا في مكان مخصص للإعدام في القسم الأبيض من سجن صيدنايا.
يضاف إلى ذلك أن هناك العديد من الشهادات من ناجين من سجن صيدنايا تظهر أن موت العديد منهم بسبب ظروف المعيشة السيئة، وكذلك عمليات القتل المباشر من قبل السجانين.
«القدس العربي» تكشف عن أماكن المقابر الجماعية في محيط العاصمة دمشق
وقال «يوميا صباحا يأتي السجان ويطلب من المعتقلين وضع الجثث على باب المهجع، إضافة إلى ذلك هناك الوفيات الكبيرة في الأفرع الأمنية حيث أن أماكن الاحتجاز لا تتناسب مع أي مقومات للحياة وهناك العديد من الشهادات عن أفرع أمنية تظهر العدد الكبير من الوفيات اليومية وخاصة فرع الخطيب والفرع 215».
وأظهرت العديد من التوثيقات مع أهالي المفقودين، حسب المصدر وهو معتقل سابق في سجن صيدنايا لـ «القدس العربي» أنه تم خطف ذويهم من مجموعات محلية مؤيدة للنظام بهدف طلب الفدية أو لأسباب انتمائهم لمناطق مناهضة للنظام وهناك عدد كبير منهم قد تم قتله خارج نطاق القانون مثل ما حصل في مجزرة التضامن.
وعليه فإن استمرار الصراع لمدة تزيد عن 13 عاما قد سبب مقتل عدد كبير جدا من المعتقلين.
المقابر الجماعية
وعمل النظام السوري على إنشاء العديد من المقابر الجماعية بسبب القتل الممنهج والأعداد الكبيرة من المعتقلين الذين فقدوا حياتهم بسبب تنفيذ أحكام الإعدام أو الموت تحت التعذيب أو الموت بسبب المرض وسوء أوضاع المعتقلات. حيث كان للأفرع الأمنية دور كبير بإنشاء مقابر جماعية خاصة بسبب العدد الكبير للمعتقلين والمحكومين إعدام. من خلال التتبع وبالاعتماد على شهادات أهالي المنطقة وعساكر سابقين إضافة إلى صور الأقمار الصناعية يتوقع وجود مقابر جماعية في كل من المناطق حسب ما قال مصدر حقوقي لـ «القدس العربي» وهي: مقبرة قصر المؤتمرات ومقبرة حسياء ومقبرة جديدة عرطوز ومقبرة الفرنسي وغيرها من المقابر الجماعية وغيرها من باقي المحافظات لأنه أصبحت لكل دائرة أمنية دولة مستقلة عن غيرها.
مقبرة القطيفة
القطيفة في محافظة ريف دمشق، والتي تقع بالقرب من مركز قيادة الفرقة الثالثة في الجيش السوري على بعد حوالي 40 كيلومتراً شمال العاصمة دمشق.
كما يتوقع وفقا لعدة معطيات وجود مقبرة جماعية في مدينة نجها حيث يتوقع أنه تم إنشاء مقبرة جديدة بجوار المقبرة القديمة حيث تم حفر خنادق كبيرة لدفن جثث المعتقلين قضوا بسبب التعذيب أو تنفيذ أحكام الإعدام حيث تم نقلهم إليها بواسطة شاحنات أو برادات كبيرة.
هذه المقبرة يتم دفن الأشخاص فيها من مشفى تشرين ومشفى حرستا ومشفى/ 601 / العسكري وهذه المقبرة عليها حراسة عسكرية من قبل الأمن العسكري مفارز الطريق. قام النظام أثناء الاقتحامات بحفر مقابر جماعية مباشرة كمقبرة الملازم أول أمجد يوسف في حي التضامن والتي انتشرت على وسائل الإعلام ومقبرة جرمانا من جهة إدارة الدفاع الجوي.
وحسب مدير الشبكة السوري لحقوق الإنسان لـ «القدس العربي» فإن نظام الأسد هو الجهة التي اعتقلت أكثر من غيرها في سوريا، حوالي 86في المئة من إجمالي المعتقلين، وقد تم نقلهم إلى مراكز الاعتقال من السجون والأفرع الأمنية.
واستهدف نظام الأسد في المقام الأول المعارضين السياسيين، أي شخص تظاهر ضده أو عبر عن رأيه، سواء ناشطين في مجال حقوق الإنسان أو إعلاميين أو أي ناشطين.
وقال: لقد رأينا صوراً مذهلة لأشخاص معتقلين يتم إطلاق سراحهم من سجون الأسد، بما في ذلك سجن صيدنايا سيئ السمعة، الملقب بـ «المسلخ» وهذا يشير إلى أنهم تعرضوا لأبشع أساليب التعذيب، فلا يوجد طعام كاف، ولا تهوية، ولا نظافة، ولا رعاية صحية، ولهذه الأسباب يموت معظم المعتقلين تعسفياً أو المختفين قسراً تحت التعذيب. مشيرا إلى أن التعذيب لا يعني الضرب فقط، بل أيضاً إهمال الرعاية الصحية والطبية، مما يؤدي إلى المرض، والتعذيب بسبب المرض ومن ثم الموت.
وقال: ما قلته هو أننا لدينا أدلة منذ عام 2018 عندما نشر نظام الأسد شهادات وفاة للمختفين قسراً من خلال السجل المدني، وقمنا بتحليل هذه البيانات، والتي أكدت لنا أن النظام يقتل المختفين قسراً. وتعززت هذه الصورة في العام 2022 عندما حصلنا على شهادات وفاة من داخل حكومة الأسد لأشخاص مختفين قسراً، وكانوا جميعاً متوفين، أي أنهم قتلوا تحت التعذيب، ولدينا نحو 3000 شهادة وفاة منذ العام 2018 حتى الآن، وهذا رقم ضخم ومؤشر مهم.