أنا الموقع أدناه، أعلن أنني صرت لاجئاً سورياً.
صرت لاجئاً وليس نازحاً، كما يطلقون علينا هنا في لبنان، وذلك بهدف حجب حقيقة قتل الشعب السوري وتهجيره من بلاده.
نعم، السوريات والسوريون لاجئون، لكن دولة لبنان الكبير تتعامل معهم بلغة عنصرية ساقطة وممجوجة.
المرجلة على لاجئين فقراء لها اسم واحد، هو النذالة.
وكي لا نكون شركاء في هذه النذالة الأخلاقية، فإن علينا كمواطنين في بقايا هذا الوطن، الذي استباحته المافيا المصرفية والسياسية الحاكمة، أن نعلن بأننا صرنا سوريين.
نعم، فمن أجل منع انزلاقنا إلى مرتبة الوحوش الضارية التي تتحكم بالسياسة والإعلام في لبنان، وتدير الإفلاس، وتختبئ خلف الطوائف والطائفيات، علينا أن نصير سوريين.
تماماً كما صرنا فلسطينيين في دير ياسين وشاتيلا وحوّارة ونابلس وجنين، وكما صرنا سيريلانكيين وملونين في زمن البحبوحة والبَطَر، عندما استبيحت الحرمات وجرى التعامل مع العاملات المنزليات بصفتهن سلعة تباع وتشترى، وكما صرنا كُرداً في حلبجة، وعراقيين في أبو غريب، وسوريين في تدمر، ومسلمين في أوروبا في مواجهة الفاشية والعنصرية، ومسيحيين في الموصل أمام وحش داعش…
قبل أن ندحض الأكاذيب التي يُروَّج لها اليوم في وسائل الإعلام اللبنانية، ونتعامل مع مهرجان عنصري تديره المافيا الحاكمة بمختلف أجنحتها المتكسرة، علينا تأكيد حقيقة بدهية يريدنا إعلام كاذب يسعى للسيطرة على العقول، أن ننساها: حقيقة أن هناك قيماً إنسانية يجب أن تحكم سلوكنا.
ورأس هذه القيم هو التماهي مع الضحايا والدفاع عن الحقيقة والحق.
لبنان في أزمة، والواقع أن كلمة أزمة لم تعد كافية. لبنان يعيش كارثة كبرى اسمها الإفلاس الاقتصادي والسياسي.
مواجهة هذه الكارثة ممكنة شرط أن لا تتحول إلى كارثة أخلاقية.
غير أن المافيا اللبنانية مصرّة على تعميم سقوطها الأخلاقي، من أجل تلويث الشعب اللبناني بأسره في كارثة أخلاقية كفيلة بتدمير ما تبقى للبنان من قوام.
أحد عناوين هذه الكارثة هو حملة الشحن العنصري، التي يرافقها سيل من الأكاذيب وكثير من دموع التماسيح، التي تصوّر اللاجئ السوري وكأنه يأخذ اللقمة من فم اللبنانيين. هذه الحملة ليست جديدة؛ فلقد شهدنا في الماضي قرارات بمنع تجول اللاجئين في كثير من القرى، وحملات عنصرية وطائفية مليئة بالأضاليل والأحقاد المكبوتة.
محافظ لبناني يدّعي أن مرتّب اللاجئ السوري أكبر من مرتبه، بل ومن مرتبات الوزراء! ودعاية كاذبة تقول بأن اللاجئ السوري يقبض المساعدات بالدولار الطازج من الهيئات الدولية، وتغافل عن حقيقة أن القطاع الزراعي بأسره يقوم على أكتاف العمال السوريين، كما أن جميع المباني بنيت بسواعد هؤلاء العمال. من دون أن ننسى الخوّات والبَلْص الذي تمارسه البلديات، وإجبار اللاجئ على أن يدفع سنوياً بدل أجرة شهر لمسكنه كخوة للبلدية لا علاقة لها بأي قانون، إضافة إلى التعديات والسخرة ودور الشاويش اللبناني والإهانات اليومية…
أين المشكلة؟
قبل كل شيء، يجب أن نوضح ثلاث مسائل:
الأولى هي أن المصارف تستولي على جزء كبير من الإعانة التي يتلقاها اللاجئ، لأنها تدفع بالليرة المساعدة المخصصة له بالدولار، وفق تحديدها لسعر الصرف. فالمصارف التي نهبت اللبنانيين تقوم اليوم بنهب السوريين.
والثانية هي أن الإعانات التي أتت لتعليم اللاجئين، ساهمت في إيقاف التعليم الرسمي اللبناني على قدميه، هذا من دون أن نتحدث عن الفساد والسرقات التي تحولت إلى ممارسة لبنانية يومية.
الثالثة هي أن هناك مبالغة في الأرقام تصل إلى حد الكذب. تسعون بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر. المساعدات التي يتلقاها أقل من نصفهم لا تستطيع انتشالهم من الفقر المدقع، فاللاجئ يتقاضى مليونين وخمسمئة ألف ليرة لبنانية للعائلة؛ أي ما قيمته 26 دولاراً شهرياً من مفوضية اللاجئين، وكما يتقاضى الفرد من برنامج الأغذية العالمي مبلغ مليون و100 ألف ليرة، على ألّا يُدفع لأكثر من خمسة أفراد من العائلة. أي أن العائلات التي تحصل على مساعدات من البرنامجين، وهي قلة، يصل مدخولها إلى 8 ملايين ليرة شهرياً، أي حوالي 80 دولاراً.
لا تقولوا لي بأن وزراءنا وحكامنا يعيشون ويتمنظرون بأقل من هذا المبلغ؟!
هل هناك من مشكلة؟
نعم هناك مشكلة، والمشكلة بدأت عندما قام النظام السوري بتدمير سوريا وتهجير نصف شعبها. هنا يبدأ النقاش. فلنحدد المسؤوليات كي نجد حلاً.
وعلى الصعيد اللبناني، فقد رفضت الدولة في الزمن العوني تنظيم وجود اللاجئين، لأن الطوائف اللبنانية محكومة بتروما التوطين، وبالخوف على التوازن الديموغرافي – الطائفي. فتخلت الدولة عن مسؤوليتها في تطبيق القوانين على اللاجئين مثلما لا تطبق القوانين على اللبنانيين.
الدولة في طور الانهيار، ومسؤولية الانهيار تتحملها طبقة اللصوص الحاكمة بكل تلاوينها الطائفية. غير أن التذاكي اللبناني يريد تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الانهيار. يضحكون على فقراء لبنان كي يضعوهم في مواجهة الفقراء السوريين.
من هنا يرتفع خطاب الاحتلال الديموغرافي البغيض. والسؤال موجه أولاً إلى أصدقاء رأس النظام السوري في لبنان، اذهبوا إلى صديقكم وأقنعوه بإعادة اللاجئين! وسوف نرى.
المسألة تحتاج إلى مقاربة مختلفة تبدأ أولاً بالتأكيد على أن مسؤولية الانهيار الاقتصادي اللبناني تقع على عاتق الطبقة الحاكمة، ولا علاقة للاجئين بها. وبعد ذلك نقارب الموضوع من منطلق إنساني وعقلاني يبدأ ببناء دولة القانون الذي يجب أن يُطبق على الجميع، وينتهي بالعمل على مساعدة اللاجئين في العودة إلى بلادهم بكرامة ومن دون خوف أو تهديد.
إذا كان أرباب هذا السُعار العنصري يعرفون أنهم لن يصلوا إلى مبتغاهم بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر تعميم ثقافة الكراهية، فماذا يريدون؟
العنصريون اللبنانيون من زعماء الطوائف ليسوا أغبياء، فمثلما كان الخطاب الطائفي وسيلتهم لتجديد نظامهم المتهالك، فإن الخطاب العنصري ضد السوريين وتأجيج الكراهية هو وسيلتهم لنفض أيديهم من المسؤولية عن الانهيار.
لأجل كل هذا.
ولأن وطني أسير في قبضة اللصوص والعنصريين.
ولأنني أؤمن بأن الدفاع عن الحق يجعلني أشعر بإنسانيتي وسط غابة الوحوش التي استولت على لبنان.
أعلن أنني سأبقى لاجئاً سورياً إلى أن يسود العدل وتنتصر الحرية.
قال محمود درويش:
لا ادري من باع الوطن
ولكني رأيت من دفع الثمن
شكرًا أخي الياس خوري. في البداية ملاحظة صغيرة المساعدات الدولية للاجئين السوريين في لبنان هي لمنع من ينجو منهم من الغرق من الوصول إلى أوربا! مع تركيا يوجد إتفاق رسمي مع حكومة أردوغان لمثل هذه المساعدات وفي لبنان وهي ذات السياسة. وكذلك العنصرية تجاه اللاجئين!.
لقد كنا ضد الإحتلال السوري (وأعرف ذلك جيدًا فقد كنت يومها في سوريا) لسبب أساس وهو القتل والنهب والممارسات الوحشية للنظام السوري، وخاصة طبعًا جنوده وضباطة الذين سيحررون فلسطين!، منذ دخوله إلى لبنان بموجب قرارات الجامعة العربية (ههه وهي التي أعادته اليوم إلى “حصنها”).
لقد وجدت خلال تظاهراتنا هنا في ألمانيا أن الفلسطينيين ينضمون إلينا، فبادرت أصدقائي الفلسطينيين بالقول كنا ننضم إليكم في تظاهراتكم ضد الإحتلال الإسرائيلي الصهيوني الفاشي ووحشيته، لكن وصل بنا الحد اليوم بأنكم تنضمون إلينا ضد هذه الفاشية والوحشية التي يقوم بها النظام السوري ضد شعبه، وضد السوريين والفلسطينيين واللبنانيين. ومنذ متى كان المتوحشين والفاشيين والعنصريين يفرقون بين الضحايا!
أود أن أضيف بعض الكلمات عن بعض التوازي بين الحالتين مع النظام السوري وإسرائيل، وبأن هذه السياسة العالمية والعربية البائسة هي ذاتها التي يعاني منها اللاجئ أكان السوري أو الفلسطيني، حيث تتكرر الأحداث المستمرة! متشابهة! مع إسرائيل والشعب الفلسطيني ومع النظام السوري والشعب السوري. فمثلًا تم اعطاء المساعدات للاجىء الفلسطيني (بعد النكبة) في لبنان وتم الحفاظ على بقاءه (في لبنان وفي غير مكان أيضًا) حتى يتم دفن فرصته في العودة إلى بيته ووطنه بعد أن احتله الصهاينة! المهم في ذلك كان دائمًا تثبيت الإحتلال الإسرائيلي, ومازال طبعًا وبلا أي اعتبار للقيم البشرية التي يضج بها على مسامعنا كل يوم العالم الحر!. وفي حالة سوريا بقي الأهم هو تثبيت بقاء النظام السوري وبشارون أسدوف، وبلا أي اعتبار للقيم البشرية التي يضج بها كل يوم على مسامعنا هذا العالم الحر!
شكرا للاخ الكاتب. قرأت في هذا المقال كل الرقي والاحترام والانسانية. الحقائق المذكورة كنا نظنها بديهية لكن اتضح ان الشعوب بسيطة وتتأثر بسرعة بالضخ التحريضي لا سيما إن أتى في أوقات عصيبة على الجميع.
أتمنى أن يشارك الكاتب الكريم بكثافة في جلسات حوار تلفزيوني هادئة ومتزنة لنشر هذا الجو من التفاهم والرقي فالشعوب واحدة وهمها واحد.
وقفة للتفكر في مفهوم الجنة والنار .. كيف يرى الانسان و لايبصر و يسمع و لايعقل . مقال راقي !
ما أجملك استاذ الياس:
أقرأ كثيرا, ثم أعود لأتعلم من لبنان كيف تكتب المقالة,, كيف لك أن تجلب دمعة الى عيني بكلماتك في عصر الفيسبوك؟ و لا زال عالقا بذهني كتاباتك عن الحرب على زيتون فلسطين
أنا كذلك لست سوريا, لكن صرت سوريا مثلك.
لا تعليق لدي سوى أنك صديقي في الإنسانية. شكرا جزيلا لك على هذا الموقف والمقال. لن انساه ما حييت.
شكرا لك استاذ الياس خوري.
و تقدير كبير للقدرة الخارقة على التحمل