صمود غزة صنعه شعبها، وقد نجح في إفشال أهداف الحرب، ونقلها إلى معسكر العدو. هذا الصمود هو من صمود الشعب الفلسطيني، وجائزته يجب ألا تقل عن إقامة الدولة التي يضحي من أجلها. جائزته هي الدولة وليست السلطة، فالسلطة تزول والشعب لا يزول، فحذار من الخطأ، وحذار من الاستهتار بدروس التاريخ. الصمود ما يزال في حاجة إلى وقود ليستمر، فلا تبخلوا عليه بالوقود، ولا تبددوه. صمود غزة يضع قادة إسرائيل الآن في ورطة تاريخية. إنهم خططوا للحرب أن تكون عملية خاطفة؛ فأفشل صمود غزة خطتهم. حاصروها برا وبحرا وجوا، فنفذ صمود غزة من الحصار إلى كل عواصم العالم، وإلى تل أبيب يحاصرهم. منعوا عنها الماء والغذاء والدواء، فانتفض صمود غزة ليصبح هو الماء والغذاء والدواء. وقبلت غزة بالتضحية راضية وسط صمت الأشقاء. غزة ليست محاصرة، غزة تقف بصمودها على خط المواجهة، في ميادين القتال وفي صالونات الدبلوماسية. وقد اجتمع أهلها على قلب رجل واحد، ولبت نداء الصمود، وأسقطت حيل التقسيم، وأزهقت روح الفرقة، رغم محاولات الصغار والمرتزقة.
صمود غزة هو كلمة السر في المرحلة الحالية من الصراع من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، يستطيع الفلسطيني أن يعيش فيها بأمان
صمود غزة يطاردهم، ليس إلى تل أبيب فقط، ولكن إلى كل عواصم العالم، وإلى عواصم الحكومات المتواطئة أو المتخاذلة. نداء غزة الآن يقول: انتهى وقت دبلوماسية الوساطة المحايدة، وجاء وقت الدبلوماسية الإيجابية المقاتلة. جاء وقت دبلوماسية العمل وانتهى وقت دبلوماسية الثرثرة والطبول الفارغة. غزة ليست محاصرة، بل إن صمودها يحاصرهم جميعا وقد اشتد ساعده، وزاد عزمه وهو يدخل إلى الشهر السابع من المقاومة. ما يزال في جراب الرماة سهام، وما تزال في أيدي المقاتلين بنادق محشوة ببارود لا ينفد.
اضطراب قرارات نتنياهو
يقول نتنياهو لأهله وللعالم إنه ساحر، وقد كذب السحرة جميعا وهم لا يصدقون، فها هو الآن يدور حول نفسه مضطربا وقد اختلطت عليه الاتجاهات. قرر سحب وفده من حوار مع واشنطن احتجاجا على تمرير قرار لمجلس الأمن دون فيتو أمريكي، ليطلب بعدها بساعات تحديد موعد آخر تُستأنف فيه المفاوضات. وسحب وفده الذي يفاوض حماس بشكل غير مباشر في الدوحة احتجاجا على شروط حماس، ليقرر بعدها بساعات إرسال وفد إلى القاهرة لمواصلة المهمة نفسها ومهمات أخرى. نتنياهو عقبة في طريق السلام، ولن يحل سلام إلا بإزاحته من الطريق. هذا ما قصده تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ في كلمته داخل الكونغرس، مطالبا بإجراء انتخابات عاجلة في إسرائيل. تحول نتنياهو في الأيام الأخيرة إلى طفل أحمق يلعب لعبة سخيفة مكشوفة لإطالة أمد وجوده في الحكم، الذي بات يرتبط بإطالة أمد الحرب، هو يضرب هذا بذاك، ويكذب هنا ويراوغ هناك، على أمل إطالة أمد الحرب بأقل الخسائر، وانتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أمل أن يسقط بايدن ويجيء ترامب. ليست لدى نتنياهو خطة حقيقية لكيفية البقاء في غزة، غير أن يضرب الفلسطينيين بالفلسطينيين والعرب بالعرب، لكنه لن يستطيع أن يهزم الصمود الفلسطيني الممتد من بوابات بيت حانون إلى بوابات رفح. لن يستطيع، لأن الصمود الفلسطيني لا يعترف بالمعابر ولا يقيده الحصار.
اضطراب العلاقة مع واشنطن
كلما طال صمود غزة، زادت الضغوط الحقيقية على إسرائيل، ومنها ضغوط حليفها الرئيسي عسكريا ودبلوماسيا، الولايات المتحدة، وقد كشف مئير بن شبات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقا، صاحب التاريخ الطويل في إدارة جهاز «الشاباك»، في مقاله الأخير، التحديات التي تواجهها إسرائيل بسبب هذه الضغوط. وتضمن المقال المنشور يوم الأحد الماضي، رسالة للرأي العام الأمريكي المعني يقول فيها، إن هذه الضغوط تعمل لمصلحة حماس فقط، وتعمل ضد مصلحة إسرائيل، وضد مصالح الولايات المتحدة، وتضعف ثقة حلفائها في سياستها تجاههم، لأن واشنطن بهذه الضغوط، كما قال، تدير ظهرها لإسرائيل وتتخلى عنها، بعد أن أظهرت مساندتها المطلقة لها في بداية الحرب. وقال إن ذلك يقدم مثالا سيئا للسعودية، ويجعلها لا تطمئن لسياسة واشنطن. هذا القول من بن شبات يمثل محاولة مكشوفة لابتزاز واشنطن، ودعوتها للامتثال إلى مطالب تل أبيب، كما يحث الرياض على عدم الثقة في واشنطن. صمود غزة تحول إلى محرك لإثارة الخلاف بين الحليفين، على الرغم من أن سياسة واشنطن طويلة المدى لا تختلف عن سياسة تل أبيب. وهو ما يتضح في إمدادات السلاح التي وافقت عليها بعد أيام من قرار مجلس الأمن الأخير، وتضمنت تزويد إسرائيل بالقذائف والقنابل والطائرات، ومنها القنابل زنة 2000 رطل من المتفجرات التي تسوي البنايات بالأرض، والطائرات إف – 35. حتى بالنسبة للخلاف حول اقتحام رفح بريا، فإن واشنطن تسعى لإقناع نتنياهو بخطة بديلة تحقق كل أهدافه، تتضمن تقسيم قطاع غزة، وعزل الجنوب عن الشمال، وزيادة التنسيق مع مصر في التأمين، ومنع ما تزعمه إسرائيل من تهريب السلاح إلى غزة عبر رفح، وفتح الطريق للسلطة الوطنية الفلسطينية لتولي مسؤولياتها في قطاع غزة مع إبعاد حماس. ودعا بن شبات إلى طرد قيادة حماس السياسية من قطر، لأنها ترفض قبول عرض لمبادلة الأسرى والمحتجزين، وقال إن هذا الرفض في حد ذاته يجرد وجود قيادة حماس في قطر من أي مبرر بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل. واقترح أن تبدأ واشنطن ممارسة ضغوط على قطر، منها إعادة تقييم مستوى العلاقات، وتعليق تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية، وبحث نقل القاعدة الأمريكية في «العُديد» إلى أي من الإمارات أو السعودية. وقال إن مجرد طرح هذه الخطوات على المائدة لتحويلها إلى سياسة فعلية، من شأنه أن يمثل ضغطا على الموقف القطري، لطرد قيادة حماس، ومن ثم استهدافها بالقتل في أي مكان في العالم. الأكثر من ذلك أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقا قال، إن التخلص من حماس يمثل مصلحة أمريكية في خطة رسم ملامح نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط. كما ذكر أن دولا عربية تشارك إسرائيل رغبتها في التخلص تماما من حماس. وبعد ذلك انتقل بن شبات إلى تأثير صمود غزة على الداخل الإسرائيلي، وقال إن الأهم من كل ما قاله بشأن حماس، هو وحدة الموقف الإسرائيلي. وحذر من عودة الفرقة والانقسامات بين الإسرائيليين، مؤكدا أن التضامن بينهم هو أهم رصيد تتمتع به إسرائيل في مواجهة التحديات الصعبة، سواء في جبهة القتال، أو في ساحة الدبلوماسية، ودون هذا التضامن فإن إسرائيل ستعاني بشدة من أجل تحقيق أهدافها الضرورية. هذا الاستنتاج الذي توصل إليه يعني اعترافا صريحا بحقيقتين: الأولى هي أن صمود غزة منع إسرائيل من تحقيق أهداف الحرب. والثانية هي أن صمود غزة تحول إلى واحد من محركات الاضطراب الداخلي في إسرائيل، إلى جانب الانقسامات بين اليهود المتطرفين دينيا واليهود العلمانيين. وقد وصلت هذه الاضطرابات إلى ذروة عالية منذ نهاية الأسبوع الماضي، وأدت إلى صدامات واسعة النطاق بين المحتجين وقوات الشرطة، ما دعا أجهزة الأمن إلى تشكيل وتدريب مجموعات خاصة متخصصة في التعامل مع الاضطرابات وحوادث الشغب مع الإسرائيليين. لكن ما فعله صمود غزة في الداخل الإسرائيلي أقوى من تحذير بن شبات، وأقوى من نداءات نتنياهو بالوحدة، وقد شهدت كل المدن الإسرائيلية تقريبا على مدار الأيام الخمسة الأخيرة واحدة من أكبر موجات الاحتجاجات السياسية المستمرة في تاريخ إسرائيل وأوسعها نطاقا. وإذا نجحت هذه الاحتجاجات في إعادة المجتمع الإسرائيلي إلى عقله، وتم إجبار الحكومة على الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، فقد تنفتح نافذة تؤدي إلى سلام على أساس حل الدولتين، في مناخ للتعايش وليس للعداء واستمرار الحرب. وقد انضم إلى حركة الاحتجاجات محتجزون إسرائيليون سابقون من الذين أطلقت المقاومة الفلسطينية سراحهم في غزة، جنبا إلى جنب مع أسر المحتجزين الحاليين ومؤيديهم، الذين يتهمون حكومة نتنياهو بالتنكر للمحتجزين، والتهرب من مسؤولية استعادتهم سالمين عن طريق المفاوضات.
إن صمود غزة هو كلمة السر في المرحلة الحالية من الصراع من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، القادرة على الحياة والنمو، ذات السيادة، يستطيع الفلسطيني أن يعيش فيها بأمان. مكافأة صمود غزة ليست السلطة. مكافأة الصمود هي الدولة، ولا أقل من الدولة. دولة على مقاس تضحيات الشعب الفلسطيني، ليست على مقاس هذا الفصيل أو ذاك، ولكن على مقاس الشعب الفلسطيني كله. دولة تمنع للأبد وقوع مأساة فلسطينية جديدة، وتوفر لكل فلسطيني بيتا آمنا يشعر فيه بكرامته وإنسانيته، ولا طريق لتحقيق ذلك بغير وحدة الإرادة واستمرار الصمود.
كاتب مصري
مقال راءع المهم ان تكون القيادات الفلسطينية على مستوى صمود الشعب الفلسطيني في غزة و الضفة الغربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته صمود غزة يحاصرهم. عنوان جميل ومقال أجمل وعلينا جميعا أن نفتخر بهذا الشعب الصامد أمام هذه المؤامرة الكونية عليه ومع أذلك صمد ويجب علينا أن نعترف صمود هذا الشعب أذهل العدو قبل الصديق وفي يوم من الأيام سيدرس هذا الصمود في جميع أنحاء العالم وسيكتب التاريخ بماء من ذهب عن هذا الشعب الفلسطيني العظيم يعيش في دمار وقتل وخراب وجوع وعطش وبرد كل هذه الأشياء تجعل الإنسان ينهار ومع أذلك الأطفال صامدين والمرأة الفلسطينية ما أروعها والجميع صامد وبسبب هذا الصمود قرارات أمريكا وإسرائيل والغرب متناقضا ومطربه من يوم طوفان الأقصى حتى يومنا هذا. لك الله يا فلسطين.