القاهرة ـ «القدس العربي»: لم تكن الأحداث التي شهدتها مباراة كرة القدم التي جمعت ناديي الهلال السوداني والأهلي المصري، في نهائي دور المجموعات في بطولة الدوري الأفريقي، سوى انعكاس لأزمات سياسية بين البلدين.فالمباراة التي توقفت لدقائق بسبب نزول الجماهير إلى أرض الملعب، واحتجاز بعثة النادي الأهلي لأكثر من 90 دقيقة في استاد «الجوهرة الزرقاء» قبل أن تتمكن قوات الأمن السودانية من إخلائه قبل خروجهم، خشية تعرضهم للاعتداء من قبل الجمهور الغاضب، لم تكن سوى نتيجة للخلافات السياسية بين البلدين، التي اتخذت من ملف حلايب وشلاتين عنوانا لها.
وظهرت في مدرجات الملعب لافتة كتب عليها «حلايب سودانية»، كما ردد البعض هتاف «حلايب حقنا».
وهو الشعار نفسه الذي رفعه سودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بعد أن عاد ملف المنطقة المتنازع عليها إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، عقب طلب حكومة السودان من مجلس الأمن الدولي في شهر يناير/ كانون الماضي، بشكل رسمي، إبقاء قضية النزاع حول مثلث حلايب في جدول أعمال المجلس لهذا العام.
ويعود تاريخ الشكوى إلى عام 1958 حين أوشك البلدان على الدخول في مواجهة عسكرية في المثلث، واتهمت الخرطوم وقتها الجيش المصري بمحاولة احتلال المنطقة.
ويعد هذا الإجراء روتينيا منذ ذلك الوقت، لكنه يحصل للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير العام الماضي.
وترفض مصر طلبات السودان باللجوء للتحكيم الدولي، وتصر على أن الأرض تابعة لها حتى وإن كانت إداريا تابعة للسودان.
وتتهم الحكومة السودانية في شكواها المتكررة سنويا في مجلس الأمن، الحكومة المصرية بالسيطرة على منطقة حلايب التي تعتبرها «أرضا سودانية».
وقال رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في وقت سابق إن «حلايب سودانية وإن بلاده تأمل في الوصول إلى تسوية حول هذا الملف»، دون إعطاء تفاصيل.
جماهير الهلال رفعت لافتات حول أحقية بلادها بالمنطقة
لم يكن ملف المثلث الحدودي المتنازع عليه، وهو الملف الوحيد الشائك في العلاقة بين البلدين، ضمن مفاوضات سد النهضة الإثيوبي الذي ترى مصر أنه سيؤثر على أمنها المائي، حيث اتهمت القاهرة الخرطوم أكثر من مرة بالانحياز لأديس أبابا في المفاوضات المستمرة منذ سنوات.
وما يظهر الخلاف بين مصر والسودان بشأن المفاوضات، هو توقيع مصر منفردة على الوثيقة التي أعدها الجانب الأمريكي حول قواعد ملء وتشغيل السد، بعد 4 أيام من المفاوضات استضافتها واشنطن أواخر شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم.
وكان إبراهيم الغندور وزير الخارجية في عهد الرئيس السوادني عمر البشير، قد قال إن «مصر استخدمت لسنوات طويلة جزءًا من حصة السودان من مياه النيل، وإن مصر منزعجة لأنها ستخسر تلك المياه عند اكتمال بناء سد النهضة لكونه سيمكّن السودان من حصته بالكامل».
ورد وزير الخارجية المصري، سامح شكري آنذاك، أن «ما استخدمته مصر من مياه حصة السودان في السابق كان فائضا عن قدرته الاستيعابية وبموافقته وليس سلفة أو منحة».
وبعيدا عن مفاوضات السد التي تشيده أديس أبابا على النيل الأزرق، يخشى السودانيون من تكرار سيناريو ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 في بلادهم، وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم، ويتهمون نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل في شؤون بلادهم ودعم العسكريين.
المخاوف السودانية كانت دفعت المئات للتظاهر أمام السفارة المصرية في لندن قبل أشهر للتنديد بالتدخلات المصرية.
وطالب المشاركون وقتها، بوقف التدخلات الخارجية الداعمة لسياسات المجلس العسكري الانتقالي وقوات الدعم السريع.
وتوصف السعودية والإمارات ومصر بأنها من أشد الداعمين للمجلس العسكري الانتقالي السوداني.
كما أكد المتظاهرون على ضرورة احترام مطالب الشعب السوداني بالانتقال الديمقراطي السلمي إلى حكومة مدنية.
وزاد من حدة غضب السودانيين، ما قام به الإعلامي المصري عمرو أديب المقرب من نظام السيسي، حيث بث فيديو مسجلا، خلال برنامج في فضائية خاصة، يقول إنها اعترافات لشاب سوداني يُدعى وليد عبد الرحمن حسن، عقب توقيفه لاتهامه بالمشاركة في إعداد مظاهرات مخالفة للقانون في سبتمر/ أيلول الماضي.
ونظمت أسرة الطالب وقفة احتجاجية نفت فيها صحة ما تردد بحقه، مؤكدة أنه يدرس في القاهرة وليست له أي انتماءات سياسية، قبل أن تتدخل الخارجية السودانية، وتضطر السلطات المصرية للإفراج عنه.
وكان الشاب السوداني ألقي القبض عليه في حملات توقيف عشوائية شهدتها القاهرة، عقب المظاهرات التي خرجت في القاهرة، تلبية لدعوة محمد علي الفنان المصري وصاحب شركة المقاولات المقيم في إسبانيا للإطاحة بالسيسي.